وزارة التربية تكشف حقيقة عقد اتفاقية شراكة مع مؤسسة "سمارتيرا"..#خبر_عاجل    حمزة البلومي : '' برنامج التحقيقات الممنوعة.. 9 حلقات منعت من البث.. هرمنا''    تقرير: زيادة ب 26 يومًا إضافيا من الحر خلال عام    عاجل/ إخلاء مستشفى القدس الميداني في رفح بسبب تهديدات الاحتلال..    الجزائر تتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي "لوقف العدوان في رفح"..    بطولة رولان غاروس : برنامج النقل التلفزي لمواجهة أنس جابر و الكولومبية كاميليا أوزوريو    طقس الاربعاء: الحرارة تصل الى 39 درجة بهذه المناطق    حجز أكثر من 660 ألف حبة مخدرة سنة 2024    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    المكلف بتسيير ولاية المهدية يُودّع الحجيج    وزير الصحة يوقع على مبادرة حول المشاركة المجتمعية في القطاع الصحي    اليوم: مجلس النواب يعقد جلسة عامة    بوتين محذرا الغرب: "يجب على دول الناتو أن تفهم بماذا تلعب"    القانون الجديد... بين إلغاء العقوبة السجنية أو الابقاء عليها ...الشيك بلا رصيد... نهاية الجدل؟    نمت بأكثر من 3 %... الفلاحة تتحدى الصعاب    للاستجابة للمعايير الدولية...الصناعة التونسية في مواجهة تحدي «الكربون»    بورصة تونس ..مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على ارتفاع    تحطم طائرة عسكرية من نوع "إف 35" في ولاية نيومكسيكو الأمريكية (فيديو)    الاحتلال يترقب قرارا من غوتيريش يصنفها "قاتلة أطفال"    280 مؤسسة توفر 100 ألف موطن شغل تونس الثانية إفريقيا في تصدير مكونات السيارات    رونالدو يشد عشاقه بموقفه الرائع من عمال الملعب عقب نهاية مباراة النصر والاتحاد (فيديو)    جينيف: وزير الصحة يؤكد الحرص على التوصّل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    قريبا يشرع البرلمان في مناقشته هذه ملامح القانون الجديد للشيك دون رصيد    ملعب غولف قرطاج بسكرة يحتضن نهاية هذا الاسبوع كاس تونس للغولف    تعظيم سلام يا ابن أرض الرباط ... وائل الدحدوح ضيفا على البلاد    قبل جولته الأدبية في تونس العاصمة وعدة جهات، الكاتب جلال برجس يصرح ل"وات" : "الفعل الثقافي ليس فقط في المركز"    افتتاح الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة بعد أكثر من 4 سنوات من الغياب    البطولة السعودية: نزول فريقي سعد بقير وأيمن دحمان الى الدرجة الثانية    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: مواعيد مباريات الدور نصف النهائي    وزير الصحة يشارك في مراسم الاعلان عن مجموعة أصدقاء اكاديمية منظمة الصحة العالمية    محكمة التعقيب ترفض الافراج عن جميع المتهمين في قضية "أنستالينغو"    بيلينغهام يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإسباني    'الستاغ' تطلق خدمة إلكترونية جديدة    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    قابس: الاحتفاظ بشخص مفتش عنه وحجز كمية من الهواتف الجوالة المسروقة    وزير الخارجية: تونس لا تصطف وراء أحد مهما كان نفوذه وإمكانياته    جنيف: وزير الصحة يستعرض الاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية في مجال علاج أمراض القلب    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    الشركة التونسية للبنك STB : تعيين نبيل الفريني مديرا عاما    المنتخب الوطني: موعد الإعلان عن القائمة وبرنامج التربص    27 ألف مشجّع للنادي الافريقي في دربي العاصمة    بن عروس: متابعة ميدانية لوضعية المحصول بالمساحات المخصّصة للزراعات الكبرى    تذمّر المواطنين بسبب غلاء أسعار الأضاحي..التفاصيل    عاجل/ اعتراف إيرلندا بدولة فلسطين يدخل حيّز التنفيذ    حادث مرور مروّع في القصرين    هيونداي تونس تتوج بعلامة "أفضل علاقات عامة" في المؤتمر الإقليمي لشركة هيونداي موتور في جاكرتا    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    قفصة: القبض على 5 أشخاص من أجل ترويج المخدّرات    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    رئيس الجمهورية يستقبل الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم : المجتمع التونسي الأسود بين مساءلة التاريخ والبحث عن إعتراف رسمي!
نشر في الصريح يوم 04 - 02 - 2019

القضية الثالثة والأخيرة في سلسلة القضايا التي تضمنها ملف الأقليات في تونس الذي فتحته مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في إطار حفظ الذاكرة الوطنية وإعادة قراءة التاريخ التونسي المعاصر وإعادة كتابته من جديد كلما دعت الحاجة الى ذلك وبانت معطيات جديدة توجب إعادة القراءة من منظور أن إعادة القراءة هي كتابة جديدة بالضرورة ، قضية الأقلية من الملونين في تونس أو أصحاب البشرة السوداء وإشكالية المعاملة السيئة التي يتعرض لها جانب كبير من أبناء الشعب التونسي بسبب لون بشرتهم وهي قضية لعلها كانت بالنسبة للكثير من الناس غير مطروحة بالحدّة التي أوضحتها الثورة فقضية عنصرية الشعب التونسي وقضية تصرفات التونسيين من أصحاب البشرة غير السوداء مع غيرهم من السود لم تكن في الغالب محل سؤال ولا تطرح إشكالا فما هو معروف عن غالبية الشعب التونسي - في الحواضر على الأقل - أنه شعب متعايش بألوانه المختلفة وأفكاره وانتماءاته المتعددة و لا يبدو أنه عنصري بالمعنى المتداول لكلمة عنصرية والتي ترمز إلى الاقصاء والرفض و المنع والمعاداة وممارسة الاضطهاد بحق الملون وغير المقبول اجتماعيا وسياسيا إلى أن جاءت الثورة وعرّت حقيقتنا وكشفت عن وضعيات يعيشها جانب من الشعب التونسي أقل ما يقال عنها بأنها وضعيات غير إنسانية ومدانة دينيا وفضحت ممارسات وراءها عقلية وثقافة متجذرة ومنغرسة في الشخصية التونسية منذ النشأة ومنذ المدرسة لتفرز لنا في النهاية فردا تونسيا عنصريا في تفكيره وسلوكه حتى وإن أظهر خلاف ذلك .
كانت هذه بعض الانطباعات السريعة التي تصدمك وأنت تستمع إلى ضيفة المؤسسة السيدة سعدية مصباح رئيسة جمعية " منامتي " في ندوة يوم السبت 2 فيفري الجاري التي قدمت رؤية وصورة لتونس غير معروفة عند الكثير من الناس أو قل غير معروفة بالقدر الكافي أو لا نسمع عنها كثيرا. صورة تونس الملونة و تونس المجتمع الأسود الذي يعيش بيننا ولا نسمع عن أنينه وجراحاته شيئا.
من يكتب التاريخ ؟ ومن يضع القوانين ؟ ومن يحدد لنا هويتنا ؟ وكيف نحدد قواعد العيش المشترك مع وجود الاختلاف والتنوع ؟ وهل فعلا نحن شعب متجانس ؟ وهل نحن في حاجة إلى إعادة تشكيل المجتمع التونسي من دون تدخل المنتصر ومن يحكم ؟ بهذه الكلمات القليلة بدأت السيدة سعدية مصباح حديثها في ندوة التميمي حول الأقلية السوداء في تونس متسائلة من نحن ؟ وما هي هويتنا ؟ تقول المحاضرة أنها من خلال جمعيتها وما تقوم به من نشاط تحاول أن تبحث عن تاريخ صحيح لجانب من الشعب التونسي يميزه لونه الأسود ويقطن في مناطق متعددة من الجنوب التونسي ؟ ما هو معروف في التاريخ الرسمي أن العنصر الأسود - وهي التسمية التي تحبذ السيدة سعدية مصباح أن نطلقها عن السود في تونس - قد قدموا إلى البلاد عبر موجات كبيرة من تجارة العبيد و من الاستعباد والاسترقاق الذي عرفه العالم في القرون الماضية ولم تسلم منه تونس حيث عرفت البلاد في زمن البيات عمليات جلب السود من بلدان إفريقية عديدة وتم بيعهم في تونس كخدم في البيوت أو لاستعمالهم في أعمال التجارة والأعمال الشاقة إلى أن جاء أحمد الباي عاشر البايات الحسينيين وأصدر قانونه الشهير في 23 جانفي من سنة 1846 الذي ألغى به الرق والعبودية في تونس وقبل ذلك أصدر تشريعات أخرى تمنع الاتجار بالرقيق في الأسواق والاعتراف بالحرية لكل مولود يولد من أم وأب أسودين ويمنع بيعه. وبقطع النظر عن الاخلاف حول الدوافع التي حملت هذا الباي الحسيني لإصدار قوانين تنهي وضع العبودية في تونس هل كان منطلقه الانتصار للمبادئ والإيمان بالقيم الانسانية و التماهي مع روح الدين الإسلامي وما جاءت به الثورة الفرنسية من قيم العدل والمساواة والإخاء أم هي دوافع ذاتية وراءها وضعية والدته التي كانت جارية إيطالية فأراد أن يرفع عنها صفة العبودية ويمنحها حريتها لتصبح من الحرائر فإن الذي يحسب لهذا الباي أنه سبق غيره من ملوك ورؤساء العالم وأصدر قانونا ثوريا غير به وجه البلاد وفتح الباب نحو إنهاء هذه الوضعية اللا إنسانية للكثير من البشر .
ما يفيد في هذه العودة إلى التاريخ التونسي في زمن الإيالة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر هو القول بأن التاريخ الرسمي يعتبر أن المجتمع الأسود في تونس منحدر من وضع العبودية الذي عرفته تونس وأن السود في تونس جذورهم إفريقية قدم أجدادهم عبر موجات عديدة من بلدان القارة الافريقية المختلفة وأنهم استقروا في الجنوب لأسباب مختلفة يحتاج أن نتوسع في البحث عنها . لكن الغريب في الأمر أننا لا نجد الكثير من الأخبار عن تاريخ السود في تونس غير وضع العبودية وغير قانون أحمد باي في حين يغيب الحديث عن دور هذه الفئة من الشعب في تاريخ البلاد ودورها في مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة التونسية بعد الاستقلال .
المقلق في الموضوع هو الشعور بالاقصاء الذي يشعر به العنصر الأسود في تونس من دولة الاستقلال والتهميش الذي يعاملون به بعد الثورة و التي من المفروض أنها قامت ضد كل مظاهر الظلم والاقصاء ورفعت شعارات الحرية والكرامة والمقلق هو غياب تاريخ للسود ضمن التاريخ الرسمي للبلاد وضمن السردية الوطنية للدولة التونسية فما يطالب به السود في تونس هو الاعتراف الرسمي بأن المجتمع الأسود في تونس أبناؤه مواطنون كسائر المواطنين ولا يقلون قيمة ولا مكانة عن غيرهم من السكان وهذا ما يفرض على الدولة أن تعاملهم معاملة متساوية مع غيرهم وأن لا تشعرهم بأنهم مواطنون من درجة ثانية .
ما وقفنا عليه مع محاضرة السيدة سعدية مصباح أن الأقلية السوداء في تونس تعيش وضع العبودية المعاصرة فرغم أن تونس كانت سباقة في منع العبودية والاعتراف بالمساواة والحرية للجميع إلا أن الثقافة والفكر والسلوك بقي أسير النظرة القديمة تجاه أصحاب البشرة السوداء فما قيمة التباهي بقوانين ظهرت في فترة من التاريخ وفي ظروف معينة من دون أن تتغير العقليات ومن دون أن تتبدل الثقافة السائدة. اليوم مع كل أسف نستفيق على أن الكثير من الممارسات العنصرية تجاه الملونين تحكمها ثقافة عنصرية وعقلية ترفض تواجد أصحاب البشرة السوداء وهذا الحكم تؤكده المعاملة السيئة التي يلقاها الأفارقة الأجانب القادمين من بلدان إفريقية للدراسة أو للعمل. تقول سعدية مصباح لقد سجلنا الكثير من التصرفات العنصرية تجاه السود تجاوزت السخرية والاستهزاء ووصلت إلى حد الاعتداء بالقتل وهي حالات يروج لها البعض على أنها حالات معزولة ولكنها في الحقيقة حالات متكررة تنم عن ثقافة شعب ونظرة دونية لأصحاب البشرة السوداء .
ما يمكن الخروج به من هذه الندوة والتي تم خلالها التعرض إلى وضع السكان السود من أبناء الجنوب والعادات والتقاليد والقوانين التي صيغت لعقود لتحكم العلاقات بين السكان أن هناك حالة ووضعية غير عادية وغير مقبولة بعد أن قامت البلاد بثورة ضد كل أشكال الظلم . اليوم لم يعد مقبولا أن توجد عندنا مقبرتين واحدة يدفن فيها السود وأخرى للبيض واليوم من غير المفهوم أن يتم التفريق بين الشعب في الحافلات ووسائل النقل فنخصص حافة للبيض وحالفة للسود. اليوم الكثير من الاجراءات العنصرية والتي توافق عليها الناس أو فرضت عليهم لأسباب تاريخية في حاجة إلى مراجعة وتحتاج أن نتخلى عنها فمن غير المعقول أن يبقى جزء من الشعب التونسي يعاني من الميز العنصري بسبب لونه ومن غير المعقول أن تواصل الدولة سكوتها وعدم تدخلها لفرض المساواة وتغيير العقليات والثقافة السائدة التي تفرق بين الشعب وتديم العنصرية .
ما يمكن الخروج به من هذه الندوة أن المجتمع الأسود في تونس هو مجتمع جريح ويعاني من أشكال كثيرة من الاقصاء وسوء المعاملة وهو مجتمع يريد أن يكتب التاريخ المنسي للبلاد ويطالب بحضور أكبر في الرواية الرسمية للتاريخ وقبل ذلك يطالب من الدولة اعترافا رسميا بالمساواة وعمل أكبر لتغيير العقليات والثقافة السائدة المكبلة بالكثير من الأفكار والتصورات العنصرية المهينة للإنسان.
ما نختم به هذه التغطية هو أن جهدا كبيرا مازال ليبذل حتى نحسّن من وضع المجتمع الأسود في تونس وأن عملا كبيرا يجب أن نقوم به للقضاء على كل أشكال العبودية والتمييز العنصري فجمعية "منامتي " هي حلم مشروع لبزوغ فجر جديد ينتهي معه كل الأنين والألم والجراح التي يشعر بها كل فرد من ذوي البشرة السوداء في تونس و من أن الدولة التي ينتمي إليها ويعيش فيها تكرس العنصرية فما هو مطلوب ليس أن نقر تاريخا لمنع كل أشكال التمييز العنصري كما أن المطلوب ليس الاحتفاء كل سنة بمرور ذكرى إلغاء أحمد باي العبودية وإنما المطلوب هو أن تضع الدولة البرامج التربوية والمقررات الدراسية التي تبني الثقافة التي تنشر قيم المساواة والحرية والعدالة والمحبة وأن تقر الدولة قوانين للعيش المشترك ومطلوب من أصحاب القلم وأهل الفكر والثقافة مجهود كبير للتصدي إلى كل الثقافة التي تكرس الاحتقار وتعلي من عقلية الاستعلاء بإسم اللون ..علينا أن لا ننسى أننا قبل أن نكون متوسطين ولنا روابط بشعوب ما وراء البحار أننا شعب أفريقي وله جذور إفريقية متأصلة وعلينا أن لا ننسى أن القائد حنبعل ما كان له أن يهزم روما في عقر دارها ويقود تلك الحملة العسكرية لولا اعتماده على الفيلة الافريقية التي سمحت له أن يعبر جبال الألب الصعبة.
ما أرادت تبليغه سعدية مصباح من خلال هذه الندوة هو أن المجتمع الأسود في تونس هو ضحية منظومة حكم متحكمة ومتواصلة رغم تعدد القائمين عليها وأن المسؤولية في كل ما يتعرض له السود يتحملها جانب من الاعلام وجانب من السياسيين وتتحملها عقلية وثقافة تربت عليها أجيال كثيرة واليوم حان الوقت لتغييرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.