منذ أول أيام الثورة، وإثر مغادرة الرئيس السابق للبلاد صحبة أفراد عائلته، تمّ إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية، بموجب صدور الأمر عدد 184 المؤرخ في 15 جانفي 2011، وامتدّ العمل بهذا الإعلان إلى حدود شهر كامل، ليتمّ بعد ذلك التمديد فيه، تبعا لما شهدته البلاد ومازالت تشهده من أحداث العنف والشغب وبعض الانفلات الأمني في البعض من المناطق والجهات. وتطبيقا للأمر المتعلق بإعلان حالة الطوارئ فقد وقع إيقاف العديد من الأشخاص ممن لم يلتزموا باحترام ذلك الإعلان، وأحيلوا بمقتضى مخالفتهم لحالة الطوارئ على المحاكم. ولكن، بعد ثبوت وجود أطفال ضمن أولئك الموقوفين، وإحالتهم على مختلف محاكم الأحداث، بتهمة مخالفة قانون الطوارئ فإن السؤال الذي يطرح: هل يعدّ إجراء قانونيّا إيقاف طفل وإحالته على المحاكمة، لمخالفته مثل هذا القانون المستوجب للعقوبة السالبة للحرية وللخطية المالية، أو لإحدى العقوبتين؟ «الصريح» بحثت عن الإجابة لدى مصدر قانوني مطلع، فتبيّن من مصدرنا وهو الأستاذ محمد بن صميدة، أنه ملفت للانتباه حقا، وغريب أن تقع إحالة مجموعة من الأطفال على المحاكم التونسية للأحداث، بتهمة مخالفة قانون الطوارئ، والحال أن هذه المسألة، تعدّ مخالفة صارخة للقانون. لايجوز تطبيق قانون الطوارئ على الأطفال لايجوز إيقاف الأطفال واتهامهم بمخالفة قانون الطوارئ، وذلك اعتبارا لطبيعتهم كونهم أطفالا، كما لا يمكن تطبق أي قانون لم يقع التنصيص فيه على تدابير تتخذ في حق الطفل، ودليلنا على ذلك هو صدور القانون عدد 92 لسنة 1995 والمؤرخ في 9 نوفمبر 1995، والمتعلق بإصدار مجلة حماية الطفل الذي نصّ صراحة بالفصل الثاني منه، على أنه بداية من إجراء العمل بالمجلة، تلغى جميع النصوص المخالفة لهذا القانون المنظم لحالة الطوارئ على تدابير أو إجراءات تتعلق بالأطفال، فضلا على أن للدولة التونسية التزاما باحترام اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل والمنشورة بالرائد الرسمي... وتتعهد بموجبه الدول الأطراف بأن تضمن في جميع الإجراءات المتعلقة بالأطفال، المصلحة الفضلى للطفل. أضف إلى ذلك، أنه بالرجوع إلى أحكام الدستور التونسي، ومن خلال الفصل 32 الذي جاء فيه صراحة أن المعاهدات المصادق عليها بصفة قانونية، أقوى نفوذا من القوانين، شريطة تطبيقها من الطرف الآخر. ماهي عقوبة مخالفة حالة الطوارئ؟ تعتبر الإحالات التي شملت الأطفال على أساس مخالفة قانون الطوارئ، باطلة قانونا حسب ما أكده الأستاذ محمد بن صميدة الذي رأى أن تلك الإحالات تمسّ المصلحة الفضلى للطفل. وتجدر الإشارة إلى أن مخالفة قانون الطوارئ ، يعدّ جريمة عملا بمقتضيات الفصل التاسع من الأمر المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ (وهو الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 جانفي 1978)، وبمقتضاه، تكون معاقبة كل شخص مخالف للقانون، بالسجن لمدة تتراوح بين 6 أشهر وعامين، وبخطية ما بين 60 دينارا و2500 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين. هذا المحامي أول من خرق حالة الطوارئ بعد الثورة صاحب مقولة «الشعب التونسي حرّ..» من خلال الظهور باللقطة الفايسبوكية المتداولة عبر شاشات قنواتنا التلفزية، وهو المحامي عبد الناصر العويني، كان أوّل من يخرق حالة الطوارئ المعلنة، إثر فرار بن علي، ودخول البلاد في حالة من الاضطراب والانفلات الأمني. ولكن بين الرغبة الجامحة في التعبير والتفاعل مع حرارة اللحظة وقوّتها، تلك التي تحرّر فيها الشعب من النظام السابق الفاسد، وتنفّس الحرية وأوكسيجين الديمقراطية، وبين الخروج لقصد خرق حظر الجولان، ثمة فرق لايرجع تقديره إلا للمحاكم.. أما مسألة إحالة الأطفال بتهمة مخالفة حالة الطوارئ، مثلما حصل بعد الثورة، فإنها خارجة عن القانون كما سبق شرحه وتوضيحه..