ان اهتزاز كل فرنسا السياسية والاعلامية والفكرية والشعبية، اهتزازا مدويا، على ايقاع «حادثة» امرأة منقّبة تقود سيارة وسط مدينة باريس، يؤكد، بوضوح، ان الغرب أصبح في حالة دفاع هستيري، بعد أن كان يتباهى بأنه صاحب القوّة التي لا تقهر، والمناعة التي لا تُخترق، حدث المنعرج يوم أصدر الباحث الامريكي الراحل «صمويل هنتنڤتن» كتابه «صراع الحضارات» وضبط من خلاله ملامح «الخصم» الفكري والديني والحضاري للغرب في الحاضر والمستقبل، ثم وقوع حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقتها بدأ الخوف من كل ما يرتبط بالاسلام، دينا وفكرا وحضارة وممارسة، يسري في الاوساط السياسية والاعلامية الغربية، ويزعزع قناعاتها وثوابتها، ويشكك في مناعتها. وأصبحنا نشاهد، يوميا تحرّكات «حمائية» على ساحة الفكر في ربوع الغرب الاطلسي، تبرز، بالخصوص، عبر التهجّم على الاسلام وحضارته، ومحاصرة الأصوات الفكرية والاعلامية العربية والاسلامية المدافعة عن قيم أمّتها، والاستقطاب العشوائي لكل المارقين عن جذورهم قصد توظيفهم في جلد ذواتهم، بالاضافة الى عودة غير مسبوقة، الى تعاليم الكنيسة المهجورة، والمعابد التي عزلتها اللائكية الوهمية. لم يكن ارتداء الخمار أو النقاب، قبل حدوث هذا المنعرج، يثير الرعب في الغرب العلماني، ولم يكن ظهور كاتب يدافع عن الحضارة الاسلامية، من وجهة نظره الخاصة، يستنفر الشارع الفكري والاعلامي والسياسي في بلدان علمانية متطوّرة، فتُتخذ الاجراءات الحازمة لمواجهته، وتحاصره التتبعات والمطاردات القمعية، التي ناضلت لاجتثاثها اجيال متعاقبة من أبناء الغرب، وتخصص له المجلات الكبرى، والصحف واسعة الانتشار، ومنابر الفضائيات المساحات المتعددة لتأكيد خطورة مواقفه على الغرب ومستقبله، كما حدث للعديد من الكتّاب والمفكرين والمبدعين العرب والمسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأمريكا. ولم يكن المفكّرون الغربيون، من المسيحيين واليهود، يُعيرون اهتماما لاتهامات الآخرين لهم ب: «الفئوية» والدفاع عن الذات الانتمائية الضيقة، بل كانوا يتباهون بذلك، ويعتبرونه تجذّرا، وإيمانا بالأنا المتفوّق، لكن اليوم اصبحوا يرون، في مثل هذه الانتقادات، حربا مفتوحة ضدّهم. ولم تكن مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي تثير بركانا من الرعب، كما حدث، خلال السنوات الأخيرة، في كامل مناطق القارة العجوز، وكأنّ فتحا اسلاميا جديدا يقرع طبوله على أبوابها، ويذكّر بحصار محمد الفاتح للقسطنطينية!!، حتى وصل الأمر بالفيلسوف والسياسي الفرنسي «لوك فيري» الى إطلاق صرخة صليبية مدوية، «لا تفتحوا أبواب أوروبا أمام الله» (هكذا). خلاصة القول، لم يكن الغرب، منذ الحروب الصليبية، مستنفرا لمضاداته الدفاعية بكل هذه التعبئة. وفي هذا الاطار تحديدا يتنزّل توجّسه من الثورات المضطرمة في العالم العربي والاسلامي، وخشيته من أن تؤدي الديمقراطيات الناشئة الى صعود تيارات اسلامية الى سدة الحكم. لا يهمّه ان كانت معتدلة أو متطرّفة، فالخوف من الاسلام يؤرقه، وكل المسلمين، في منظوره، أشدّ الخصوم والاعداء.