ما من مرة ذهبت فيها الى توزر إلا وذهبت أجري الى باب الهواء حيث يوجد دكان الطالب عمار فأجده يجلس على قارعة الطريق في مكانه المعتاد الذي لا يتركه إلا عندما يأتي أحد الحرفاء ليشتري ما كان يبيع من سلع تقليدية أو ليقرأ له كفه وينظر له في ما ينتظره في قادم الايام.. أما لماذا أحرص على الذهاب الى الطالب عمار فذلك لأنني طالب ضحك وأرغب في نكتة.. أو في طرفة.. أو في حكاية ضامرة.. إنني لا أطلب إلا الضحكة.. وأحسن وأروع وأبلغ من تجد لديه هذه الضحكة هو الجريدي.. والطالب عمار جريدي من قاع الخابية.. ولذلك فإن النكتة تجري على لسانه بصفة طبيعية ودائمة ومستمرة وأتخيّل أنه مات وهو يضحك.. وربما يكون عندما وضعوه في القبر قد ضحك ضحكته الأخيرة.. لقد كان الطالب عمار مثل معظم الجريدية يعتبر الحياة نفسها نكتة.. إمّا أن يفهمها الإنسان وعندئذ يستحق الحياة.. وإمّا أن لا يفهمها وفي هذه الحالة فإن موته خير من حياته.. وعدم وجوده أحسن من وجوده!!! كنت أسهر الى ساعة متأخرة من الليل في دكان الطالب عمار فأسمع منه آخر الأخبار.. وأهم التحاليل.. وآخر ما صدر.. وأروع وأبدع ما قيل في الشعر العربي.. ولم يكن مجرد «دجّال».. أو «مشعوذ».. أو «متحيّل».. لم يكن على هذه الصورة مطلقا.. كان من الزيتونيين الأحرار الثائرين.. وكان رجلا متعلما مثقفا ودودا مطلعا عارفا بنفسية البشر فيعطي للناس بعض الأمل ويعيد لهم ما افتقدوه من أمن وطمأنينة.. وكان يفعل كل ذلك بطريقة مرحة.. وطريفة.. أقرب ما تكون الى الهزل.. كنت أستمتع جدا بكلامه على الطريقة الجريدية.. وكنت أجد راحتي بالقرب منه.. ثم أنه كان يكشف لي عن حقيقة شخصيته فلقد كان يطمئن إليّ.. لقد عاش الطالب عمار هاربا من السياسة ومشاكلها وما تتسبب فيه لمن يتعاطاها من أوجاع في القلب والدماغ خصوصا وقد عانى من «صبّاط الظلام» حيث كان يتم تعذيب وإرهاب كل من يشتمّون عليه رائحة اليوسفية ...وعانى طويلا من الملاحقات والمطاردات.. وكان يقضي الليل فوق السطوح بالمدينة العتيقة.. لقد احتمى بالتنجيم من فاتورة التشيّع للزعيم صالح بن يوسف وأراد من خلال تلك المهنة أن يقول لهم «راني درويش.. وبوهالي.. أخطاوني يرحم والديكم».. وكان ذلك.. فلقد أقنعهم بأنه «درويش» فتركوه «ياكل الخبز».. عناوين هذه مجموعة من العناوين صادفتني أمس وأنا أتصفح الجرائد العربية والعالمية: بوتين يغني حتى مطلع الفجر أمام نجوم هوليوود (جريدة روسية) 2010 الأكثر حرارة منذ 1880 (جريدة ألمانية) الحكم قصاصا بحرق عيني رجل (جريدة ايرانية) البرزاني يطلب «تقرير المصير« لكردستان (جريدة عراقية) نصف سكان العالم يحصلون على هواتف ذكية عام 2011 (جريدة أمريكية) عائلة أستاذ جزائري تطالب بمناقشة دكتوراه بعد 16 سنة من وفاته (جريدة جزائرية).