«الجمعية لن تبيع وحق الشعب لن يضيع» و«لا للتدخل السياسي في القضاء» و«لا رجوع لا رجوع لقضاء المخلوع» و«وحده القضاء المستقل يضمن نزاهة الانتخابات» هي الشعارات التي رفعها صباح اليوم عدد هام من القضاة صحبة ثلة عن ممثلي الجمعيات والمنظمات كنقابة الصحفيين والمعطلين عن العمل أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي بباردو للمطالبة بإسقاط الفصل 103 من الدستور المتعلق بالتسميات القضائية ولدعوة نواب التأسيسي إلى عدم المس من استقلالية السلطة القضائية. ووسط اجواء مشحونة بالغضب والاستغراب أكد المحتجون أن القضاء المستقل هو الضامن الوحيد لمحاسبة كل من دمر تونس وقتل أبناءها هاتفين سوية «يا تأسيسي فات فات على قضاء التعليمات» و«تعليمات الاستبداد هي المدخل للفساد». وأكدت روضة القرّافي رئيسة جمعية القضاة التونسيين ل«التونسية» أن القضاة يخوضون تحركات قصوى ردا على ما يحدث تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي قائلة «نحن نحتج اليوم على المسائل الخطيرة المتعلقة بما يناقش صلب الدستور. فقد كنا نعتقد أنهم سيقطعون مع مسألة تسييس التعيينات القضائية في الوظائف القضائية العليا وكنا نعتقد ان دستور الثورة سيقطع مع هذه الآلية التي ستضرب استقلال القضاء وستخوّل للحكومة وضع يدها على كل مفاصل السلك لكننا فوجئنا ليلة الاحتفال بالثورة أن ما لم يذكره دستور 59 وما لم يتجرأ على القيام به بورقيبة وبن علي ضُمِّنَ اليوم في هذا الدستور». وتابعت حديثها «ما زاد في استغرابنا هو أنّ المسألة قد صدرت عن نواب وعن حقوقيين كانوا مطلعين على ما تعرض له القضاء من تضييق وعلى علم كيف كان يوظف للهيمنة عن طريق السلطة التنفيذية ونحن نعتبر أن ذلك ضرب للثورة لان دماء شهداء تونس قد أهدرت من اجل قضاء مستقل يضمن حقوق أبناء تونس لكن فاجؤونا في المجلس بهذه الصدمة والفضيحة في أن يفرض تعديل لفرض السيطرة على القطاع ككل وبهذا القضاء الذي ستهيمن عليه السلطة التنفيذية لن يكون هناك أمل لكافة التونسيين في وجود نظام ديمقراطي». لا لتصفية الحسابات لم يخف عمر الوسلاتي كاتب عام المرصد التونسي لاستقلال القضاء تفاجؤه مما صدر عن نواب المجلس التأسيسي قائلا « تصورنا ان يقوم النواب بالتاسيس لسلطة قضائية مستقلة خاصة ان العديد من السياسيين قد عبروا في أوقات سابقة عن مساندتهم لاستقلال القضاء لكن أن يدخلوا اليوم تعديلا على الفصل 103 في الوقت الذي لم يطرح حوله نقاش هذا ما اثار دهشتنا وشخصيا أظن أن الخلاف الذي جد مع الحكومة والهيئة الوقتية للقضاء العدلي قد عجل بحسم النزاع ودسترة الهيمنة نهائيا وفصل الخلاف نهائيا في الدستور وهذا ضرب في عمق باب السلطة القضائية فكيف لهم ان يقوموا ببناء دستور للأجيال القادمة مبني على خلفيات سياسية وعلى تصفية حسابات تركة الماضي , فهل يريدون اليوم الانتقام من القضاة لأنهم قد حاكموهم في الماضي؟». وتابع قائلا «إن الدستور يكتب للأجيال ولا يكتب لتصفية الحسابات ووجب من الذين يؤسسون للمستقبل أن يفكروا في الأجيال القادمة وأن يفكروا في أن القضاء وجب أن يكون مستقلا بقطع النظر عما حصل بالماضي على أساس أن العدالة الانتقالية كفيلة بتصفية تركة الماضي ونحن كمرصد ندعم كل تحركات القضاة من اجل استقلال القطاع ومن اجل المنظومة القضائية ككل والقضاة اليوم لا يضربون من اجل مصالحهم أو من اجل الزيادة في الأجور أو من اجل مصالح اجتماعية بل هم يضربون من اجل مصلحة المتقاضي». ترسيخ للموالاة من جهته قال احمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء إن أبناء القطاع صدموا بالوضع النهائي لمشروع الدستور الجديد لأن فيه خرق للاتفاق الضمني الأولي في المشروع وأضاف « لقد تقدموا باقتراحات في قبة المجلس مثلت انحرافا خطيرا في مناقشة باب السلطة القضائية الذي يمثل جوهر الدستور وهو تجسيم لتطبيق مبدإ التفريق بين السلطات يعني ما عانيناه من تدجين للقضاء ومن تحكم في القضاء ومن إدارة الشأن القضائي من طرف السلطة التنفيذية هو نابع من التعيينات القضائية المباشرة التي تتولاها هذه السلطة». و تابع الرحموني قائلا «عندما تقوم السلطة التنفيذية بتسمية أصحاب الوظائف العليا للقضاء فهي بالتالي ترسخ الموالاة وهي تتحكم في قرارات المحاكم عن طريق هؤلاء كما تمس من استقلالية الهياكل الممثلة للسلطة القضائية كالمجلس الأعلى للقضاء وقد رأينا ذلك في تاريخ القضاء التونسي لمدة تتجاوز 50 سنة كذلك في التجربة القصيرة للهيئة الوقتية للقضاء العدلي. و اعتبر الرحموني بدوره أن ما لم يجرؤ عليه نظام الاستبداد في عهد بورقيبة وعهد نظام المخلوع أقدم على ترسيخه المجلس التأسيسي اليوم مقرا «نرى اليوم توجها في تضمين أحكام منافية لاستقلالية القضاء في الدستور وستقع دسترتها وتضمينها وهو توجه خطير ينبئ عن توجهات مؤسسي دستور ما بعد الثورة والمطلوب اليوم هو أن تتوحد الجهود من مجتمع مدني وغيره وأن يقع التنسيق في التحركات بين هذه المكونات وأن يضغط المجتمع السياسي الديمقراطي من اجل إقرار منظومة قضائية مطابقة للمعايير الدولية ومن اجل إقرار عدالة مستقلة ناجزة تخضع لرقابة كي تكون ضمانا للشعب التونسي». على النواب مراجعة موقفهم محمد فاضل محفوظ عميد الهيئة الوطنية للمحامين اعتبر من جهته أن مسألة استقلال السلطة القضائية تعني المحامين والقضاة والمواطن بصفة عامة لان إيصال الحقوق إلى أصحابها لا يتم إلا عبر سلطة قضائية مستقلة بصورة حقيقية وفق تعبيره وتابع قائلا «نحن نعتقد أن التوجه العام غير صائب ومشروع الفصول المقدمة الآن أمام المجلس الوطني التأسيسي في باب السلطة القضائية لا تحقق مطلب كافة الفئات خاصة الحقوقية من قضاة ومحامين وعدول إشهاد والمتمثل في أهمية ألا تتبع السلطة القضائية الجهاز الحكومي لكن مع الأسف هذا الفصل 103 هو تكريس لنفس المنهج السابق عوض الانتقال إلى مرحلة جديدة في استقلالية السلطة القضائية . وطالب عميد الهيئة الوطنية للمحامين نواب التأسيسي بتعديل موقفهم في خصوص هذا الباب والوصول إلى توافقات تحقّق استقلالية القضاء والسلطة القضائية وتحقّق أيضا آليات للرقابة على هذه السلطة مضيفا « نحن لا نريد سلطة متغولة سواء كانت تنفيذية أو تشريعية أو قضائية فكل السلط هي محل مراقبة ومساءلة ومن المنتظر أن يجتمع أعضاء الهيئة للنظر في الإجراءات التي ستتخذ من هنا فصاعدا وكل شيء وارد في هذه المرحلة». مساندة وقد حضر الوقفة النائب عن التيار الشعبي مراد العمدوني الذي اكد ان حزبه ونواب الشعب الديمقراطيين بصدد خوض معركة وقال «ان الثورة ليست حدثا وانما مسار متكامل مازال متواصلا ونحن نسعى إلى تحقيق أحد المطالب الأساسية لشعبنا الكفيلة بوقايته من الاستبداد والتي تؤسس لمجتمع ديمقراطي لان القضاء المستقل هو الحامي الأساسي لحقوق المواطنة وهو الدافع الفعلي لبناء مجتمع ديمقراطي يحترم مواطنيه». غادة مالكي