الأغنية المتداولة ليست النسخة الأصلية ل «حوماني» كلفة «حوماني» 80 دينارا فقط وليس 250 ! ليلى بورقعة أي سرّ منح أغنية «حوماني» جواز سفر مفتوح لغزو الأذواق والأسواق دون استئذان ؟ وأية معجزة مكّنت هذه الأغنية «الشعبية» البسيطة من عبور القارات والنفاذ إلى ما وراء المحيطات ؟ قد تختلف التقييمات والانطباعات حول هذه «الأغنية الحدث» ولكن من السهل الاتفاق على أنّ أغنية «حوماني» وإن حادت عن الأساليب القديمة فجاءت «حافية» بلا حذاء القواعد والقوالب الموسيقية فإنها نجحت في التسلل الى قلوب الجماهير .وما حاجة الشعب المسكين إلى السلم الموسيقي والوزن والقافية وهو يجري وراء «الخبزة» ويحتاج لمن يصف بدلا عنه معاناته كما هي بلا مساحيق ولمن يتكلم بلسانه بكل عفويته ووجعه وأنينه... ربما لهذه الأسباب,كان نجاح أغنية «حوماني» والتي ذهب في ظن الجمهور انها أغنية ثنائية بين كل من «كافون» و«حمزاوي» وأن العلاقة بين الاثنين على ما يرام...غير أن موزع الأغنية إبراهيم القابسي كشف ل «التونسية» حقيقة هذه الأغنية وخفايا «استيلاء حمزاوي عليها بمجرّد دخول كافون إلى السجن» على حد قوله ... « شُهرت ب «كيلا ميوزيك» في مجال الراب ... أنا شاب عصامي التكوين وفي رصيدي 10 سنوات من الخبرة في مجال الموسيقى التصويرية .و نلت شرف صعود مهرجان قرطاج في مناسبتين وذلك خلال حفلتين ضمن مجموعة من فناني الراب ,كما اشتغلت على موسيقى بعض المسلسلات وتعاملت مع عدد من الفنانين التونسيين على غرار محمد علي بن جمعة ومنذر بن عمار ...»هكذا شاء الشاب إبراهيم القابسي أن يعرّف بنفسه , قبل أن ينطلق في سرد تفاصيل لقائه ب «كافون» وتعرّفه على «حمزاوي» وكشف الكواليس الحقيقية والخفيّة للأغنية الشهيرة وذائعة الصيت «حوماني».... «رضيت بسعر رمزي...رحمة على الوالدين!» وقال إبراهيم القابسي إن اسم «كافون» بدأ يطرق سمعه ويترسخ في ذهنه بعد رواج أغنيته التي حملت عنوان «تيتي تيتي تيتا». واعتبر القابسي أنه رغم نجاح هذه الأغنية جماهيريا ,فإن «كافون» لم يجن منها أرباحا مادية ذات قيمة ... وعن تفاصيل لقائه ب «كافون» (اسمه الحقيقي أحمد العبيدي) أفاد القابسي : « لقائي ب «كافون» تم ّ بواسطة من صديقي مغني الراب «كلاي بي بي جي» الذي تعرّفت عليه في اليوم نفسه الذي التقيت فيه بمحمد أمين الحمزاوي . وإن ارتحت وقتها كثيرا ل «كلاي بي بي جي» وسررت بمعرفته , فإني في المقابل توّجست خشية منذ البداية من «حمزاوي» ولم يطمئن له قلبي ... وبعدها عرّفني «كلاي بي بي جي» ب «كافون» وطلب مني أن أساعده لأنه فنان مغمور ومظلوم رغم موهبته ...فتفاعلت مع طلب صديقي وتعاملنا معا في إطار حفلتين , كانت الأولى بمنوبة والثانية بقابس تحت إمضائنا نحن الثلاثة :أنا و«كافون» و«حمزاوي» . أما عن فكرة إنجاز أغنية «حوماني» وظروف تسجيلها ,فيقول إبراهيم القابسي : «أثناء تعاملي المباشر مع «كافون» ,اكتشفت أن هذا الفنان يملك إحساسا فنيّا في منتهى العمق ويجيد خلق كلمات غير عادية (أوريجنال),لكن تعوزه الطاقات الصوتية الهائلة أو الاستثنائية ...فطلب منّي أن أعد ّ له أغنية «تضرب» ,فوافقت وكانت ولادة «حوماني» . و خلافا لما راج من أخبار وما ذاع من أنباء ,جاءت على لسان «الحمزاوي» نفسه بأن كلفة أغنية «حوماني» لم تتجاوز 250 دينارا , كشف إبراهيم القابسي أن ثمن الأغنية أقل بكثير قائلا : «رضيت بسعر رمزي كثمن لإعداد أغنية «حوماني» رحمة على الوالدين... فاتفقت مع «كافون» على مبلغ 80 دينارا فقط !». «حمزاوي ... أناني ومنافق» على إثر الاتفاق الحاصل بين القابسي وكافون ,شرع الاثنان في تصوير أغنية «حوماني» وكان بالإمكان الانتهاء منها في يوم واحد على حد قول إبراهيم القابسي , لولا بعض الظروف الطارئة التي أدّت إلى تأجيل التسجيل . وأضاف القابسي : «ذات يوم ,هاتفني «كافون» وطلب مني استئناف تسجيل الأغنية وعبّر لي عن نيّته في تشريك «الحمزاوي» معه في «حوماني» ... فما كان مني الا أن تحولت إلى العاصمة (يقطن إبراهيم القابسي بسوسة) أين التقيت كلا من «حمزاوي» و«كافون» وشرعنا في تسجيل الأغنية بجهة أريانة. ولكني فوجئت بكافون يكتفي بأداء مقطع صغير من الأغنية وكأنه هو الضيف وليس صاحب الأغنية الأصلي ! أما «حمزاوي» فادعى وقتها عدم الجاهزية للتسجيل وتهرّب من أداء مقطعه ... وبعد مدّة هاتفني «كافون» وأعرب لي عن رغبته في إتمام الأغنية بمفرده لأن شريكه لم يكن في المستوى . وللأسف بعد مرور حوالي 3 أيام على هذه المكالمة ,تم ايقاف «كافون» بتهمة استهلاك مادة مخدرة(الزطلة). فقررت إيقاف الأغنية في انتظار خروج صاحبها من السجن غير أنّ «الحمزاوي» ألحّ عليّ كثيرا إلى درجة الإزعاج من أجل إتمام «حوماني» بدعوى إسعاد صاحبها المسجون ,فقبلت رغم انطباعي السلبي عن هذا الشخص منذ البداية وتوجسي في أنه أناني ومنافق ... وأتممت معه أغنية «كافون» ومن جانبه مدّني ب 40 دينارا أي ببقيّة المبلغ المتفق عليه والذي سبق ل «كافون» أن مدّني بنصفه الأول كعربون. علما أن الأغنية هي من تصوّر «كافون» فكرة وعنوانا ولحنا ...أما أنا فقمت بالتوزيع والتقسيم الموسيقي ...في حين اقتصر دور «حمزاوي» على كتابة كلمات مقطعه وأدائها بصوته». « حوماني» ...ليست مسروقة ! ولم يخف إبراهيم القابسي امتعاضه من سلوك «الحمزاوي» قائلا: «على مضض أتممت أغنية «حوماني» معه كذلك لم استجب لطلبه حين دعاني مرة أخرى للقائه بالعاصمة ,كما هاتفني فتجاهلت المكالمة ...وبعدها فوجئت به وقد أنزل الأغنية بنسختها قبل النهائية والتي مازالت تحتاج إلى «روتوش» ... ولكن الحظ ابتسم له فنجحت الأغنية .و للإشارة فإن النسخة الأصلية والجاهزة بالتمام والكمال مازالت بحوزتي .» و أضاف القابسي بتأثر واضح : «حزّ في نفسي كيف أن «حمزاوي» وضع اسمه الكامل في جينيريك الأغنية ثم ألحق اسم صاحب الأغنية الأصلي ألا وهو «كافون» ثم ذكر اسم الأغنية في مرتبة ثالثة دون أن يشير إليّ بصفتي الموزع الموسيقي للأغنية وفقا للأصول...لكنّي تجاهلت الأمر ولم أكلّف نفسي حتى عناء معاتبته على صنيعه !». وردا عن سؤال «التونسية» حول دواعي الصمت عن الحق -حسب روايته- وعدم التظلم وكشف الحقيقة للرأي العام ,قال إبراهيم القابسي: «بطبيعتي لا أهتم بأضواء الإعلام ولكن من أجل «كافون» الذي استولى «حمزاوي» على أغنيته عملا بمقولة «غيب يا قط ألعب يا فار» وغنم من ورائها حزمة الأموال وبريق الأضواء و لأنه من المفروض أن يقتسم كافة المرابيح مع عائلة «حوماني» المتواضعة الحال ... تدخل لي وسيط لدى إحدى القنوات التلفزية الخاصة قصد كشف الحقيقة لكن يبدو أن مصالح البعض الشخصية حالت دون ذلك . وأعتقد أننا لسنا في حاجة للتذكير بأن حقوق الموزعين والملحنين والمؤلفين في بلادنا ماتزال مهضومة لذلك لا غرابة في أن ينصب الاهتمام كله على فنان الأداء وحده وأن تهمش بقية طاقم العمل ...». و بخصوص ما صاحب أغنية «حوماني» من تهم السرقات الفنية ,نفى إبراهيم القابسي هذا الادعاء قائلا : «فعلا وقع استلهام موسيقي من إحدى الأغنيات الأمريكية, لكن التقنيات ليس نفسها والطبقات الموسيقية ليست ذاتها والتقسيم ليس متشابها ...». «حوماني»...ستخفت وتموت ! ولدى سؤاله عن سر النجاح الجماهيري الكبير الذي لاقته أغنية «حوماني», أجاب إبراهيم القابسي «حوماني هي أغنية تراجيدية وكوميدية في الآن نفسه , مضحكة ومبكية في الوقت ذاته ...حرّكت الوجع التونسي كما العربي في ليبيا وسوريا ومصر ... ومست آلام المعذبين في الأرض فتفاعلوا معها بلا حدود ووجدوا فيها «تنفيسة» مريحة ... كما إنها تتميز بتوزيع موسيقي ظريف وطريف لم تعتده الآذان من قبل ...» وبعث إبراهيم القابسي برسالة مؤثرة إلى «كافون» القابع بين قضبان سجنه قائلا فيها : « لن أقول إن الحكم في حقك تعسفي ولن أقول إنك مظلوم ...ولكنّي أطمئنك بأن أيام السجن مهما طالت لابد أن تنقضي وأنت إنسان طيب و«باهي وزوالي» و لابد أن تنصفك الحياة ذات يوم ...و ما يبقى في الواد كان حجرو يا رفيقي» . و بخصوص آفاق أغنية «حوماني» وهل ما إذا كانت قادرة على الديمومة والاستمرار ... قال موّزعها إبراهيم القابسي : عمر «حوماني» هو فقط بضع أشهر وبعدها ستخفت وتموت ,و الملاحظ أنها بدأت شيئا فشيئا تفقد بريقها ...فالأغاني الخالدة هي التي تعيش ! أما أغاني هذا العصر فهي تجارية ومصيرها كمصير العلكة التي تمضغها الأفواه لبعض الوقت تم تملّ منها فتلفظها وتلقي بها في المزابل ...»