لم يأت لقاء السيد رئيس الحكومة المؤقتة بقيادات الأحزاب الممثلة بالمجلس الوطني التأسيسي بالجديد على الأقل وفق ما تسرب من أنباء ولعلّ السيد رئيس الحكومة فضل أن يحتفظ لنفسه ببعض عناصر المفاجأة التي قد يثري بها كلمته المنتظرة للشعب بداية هذا الأسبوع. وينتظر الكثير من التونسيين هذه الكلمة علها تأتي بالجديد وتقطع مع طاحونة الشيء المعتاد، مع الحديث عن الصورة القاتمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي، عن الارهاب وتفكيك بيئته الحاضنة ومخاطره القديمة والجديدة، وعن مستجدات الوضع الاقليمي التي تنذر بما هو أسوء... سبق للسيد رئيس الحكومة المؤقتة أن صرّح بأنه لا يملك عصا سحرية لمعالجة الأوضاع، وهو محق في ذلك، فلا هو ولا غيره يملك هذه العصا السحرية ولكن المطلوب من السيد رئيس الحكومة المؤقتة أن يتحلّى بقدر كبير من الجرأة ومن الشجاعة في مصارحة الرأي العام بحقيقة هذه الأوضاع وهي معلومة ولكن في مقاربة الأسباب الحقيقية التي أدت الى أوضاع مماثلة. فأبجديات التشخيص العلمي تبدأ بالوقوف على مكامن الداء. وقد يهيء السيد مهدي جمعة الرأي العام الى تقبل قرارات مؤلمة ولكن التاريخ علمنا أن الشعوب تتحمل عن طيب خاطر في مراحل هامة من تحولاتها ما قد يستوجبه الظرف من اجراءات مؤلمة، والشعب التونسي مستعد بدوره لتحمل ما في مقدوره أن يتحمل من اجراءات مؤلمة شرط توفر جملة من الشروط المجتمعية وفي مقدمتها الشفافية المطلقة في مقاربة وتقييم الأوضاع والتوزيع العادل والمتكافئ لكلفة هذه الاجراءات المؤلمة بروح عالية من المسؤولية ومن الحس الوطني. فهل في مقدور السيد رئيس الحكومة المؤقتة كسر هذا الحاجز من المسكوت عنه؟ نأمل ذلك. كما يبقى لزاما على حكومة السيد مهدي جمعة أن تتخلص من براثين الاقتراض الخارجي ومن المراهنة في المدى القصير على فرص الاستثمار الخارجي، فلا الظرف الحالي يشجع المستثمرين الأجانب على المغامرة في بلادنا ولا المجموعة الوطنية قادرة على مزيد تحمّل المزيد من عبء التداين الخارجي بعد الأرقام القياسية التي حققتها حكومات ما بعد الثورة دون تقدير العواقب الاقتصادية والسياسية المترتبة عنها عموما ودون أن يكون لها أثر مباشر أو غير مباشر لا على دفع التنمية ولا على خلق الثروات خصوصا. إن بلادنا تمتلك قدرا كافيا من الثروات الطبيعية المستغلة والكامنة وفي مقدمتها البترول والغاز، غير أن الصمت عن ملف الطاقة يطرح أكثر من سؤال والحال أن النبش والبحث في دفاتره بكل تجرد وموضوعية كفيل بأن يوفر للمجموعة الوطنية ما يكفينا من موقع السيادة الوطنية على ثرواتنا عناء المزيد من الاقتراض الخارجي، وإن أخطأت الدولة في الماضي في التعاطي مع ملف الطاقة على غير ما تقتضيه المصلحة الوطنية، فإنه من غير المقبول أن تتمادى اليوم في نفس الخطأ، فهل في مقدور حكومة السيد مهدي جمعة فتح هذا الملف وكشف حسابات الربح والخسارة فيه كما هي عليه حقيقة وواقعا؟