متاحف بريطانيا تعير غانا الكنوز الملكية المنهوبة أثناء الاستعمار    الرابطة المحترفة الثانية: نتائج مباريات الدفعة الثانية للجولة الحادية والعشرين    بصورة نادرة من طفولته.. رونالدو يهنئ والدته بعيد الأم    الانزلاق الأرضي يهدد هضبة سيدي بوسعيد    مرحلة التتويج من الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يعقّد وضعية النادي الافريقي    اوّل انتصار ..ثلاثيّة امام النادي الافريقي ترتقي بالفريق الى المرتبة الرابعة    صفاقس: إحباط 22 عملية حَرْقة والقبض على 10 منظّمين ووسطاء    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بمنطقة الهوام    عاجل/ مداهمة مكاتب قناة الجزيرة في القدس ومصادرة معدّاتها..    منوبة: الاحتفاظ بمجموعة حاولت تحويل وجهة شخص واغتصابه باستعمال العنف    سوسة: منفّذ عملية براكاج باستعمال آلة حادة في قبضة الأمن    مرحبا قُدوم دينا في بيت الصديق ابراهيم وحرمه نرجس    وزير الشّؤون الدّينية يختتم الملتقى التّكويني لمؤطّري الحجيج    معهد الصحافة وعلوم الأخبار: المعتصمون يقررون تعليق مقاطعة الدروس ومواصلة الاعتصام    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    تستور: الإحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه من أجل " سرقة مواشي والإعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل".    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    طقس قليل السحب بأغلب المناطق وارتفاع طفيف للحرارة    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نورالدين النيفر (خبير أمني وباحث استراتيجي في شؤون الإرهاب) ل «التونسية»:الإرهابيون..وحوش خلقناهم بأيدينا
نشر في التونسية يوم 27 - 03 - 2014


الإضرابات العشوائية سَند للإرهاب

في القضاء على الإرهاب قضاء على المال السياسي الفاسد
بن علي وفّر الرفاهة المادية على حساب الرفاهة العقلية
هكذا زرعت الفضائيات والفايسبوك ثقافة القتل في شبابنا
حوار: صباح توجاني
ينطلق الحوار مع الخبير الأمني والأستاذ الجامعي والباحث نورالدين النيفر من تداعيات العمليات الأمنية الناجحة على تشتيت العصابات المسلحة وارباك مخططاتها الإجرامية، كما يتحدث النيفر عن اسباب ولادة هذه الآفة التي تهدد استقرار البلاد، ويطرح حلولا عاجلة وآجلة على المستويات المحلي والإقليمي والعربي والدولي...
وفي جانب آخر، يعيب الخبير الأمني على السلطة التونسية عدم استماعها الى تحذيرات الخبراء والمختصين في شؤون الإرهاب الذين لديهم تصور علمي يستند الى البحوث والدراسات الميدانية المعمقة، بشأن انتشار العصابات الإرهابية وطرق عملها وردود افعالها في حربها مع الوحدات الأمنية والعسكرية. ويربط النيفر بين تفشي ظاهرة الإرهاب وانتعاش لوبيات التهريب التي الحقت اضرارا لا باقتصاد البلاد فحسب، بل كانت الذراع القوي الذي يمد الجماعات الإرهابية بتموين الغذاء والأسلحة.
قال الخبير الأمني نورالدين النيفر في بداية حديثه ل«التونسية» إن العملية الناجحة لقواتنا الأمنية في جندوبة وقع التحضير لها منذ اكثر من شهر، اذ انها تأتي من وجهة نظر قوات الأمن الداخلي نتيجة للعملية التي وقع التعدي فيها على العناصر الأمنية والمواطن في قرية أولاد مناع من نفس الولاية ، واضاف قائلا :
« هذه العملية تؤكد ان هناك عملا جديا على المستوى الإستعلاماتي لأن هناك ضغطا على هذه المجموعة المسلحة وهناك موعد محدد للتدخل الى جانب الإعداد المادي واستعداد نفسي للأمنيين الذين نفذوا العملية. وقد وقعت مواجهة على غير الطرق القديمة بما يعني لم يقع استدراج قوات الأمن بل قامت بالمبادرة، بما يعني ان الوحدات المختصة في مقاومة الإرهاب انتقلت من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم الإستباقي. وهو ما يؤكد ان اليد السياسية التي كانت تكبح عمل الجهاز الأمني قد ضعفت اليوم، وان هناك عملا تقوم به الأجهزة المختصة سواء منها المصالح الفنية او ادارة مكافحة الإرهاب او الوحدات المختصة في مكافحة الإرهاب، وهو عمل جيد ...فقد راينا اعوانا من الحرس الوطني قد اصيبوا بجروح، مما يقيم الدليل على انهم كانوا في الصفوف الأمامية بلا خوف ولا تردد وهو ما يؤكد الإستعداد الجسدي والمعنوي لقوات الأمن الداخلي.
في الحقيقة هذه العملية تبين اننا انتقلنا في مكافحتنا للإرهاب من المرحلة الثالثة الى المرحلة الثانية، وهي مرحلة التحضير لإنطلاق العصابات من احواز المدن الكبرى، وقد نزلنا اليوم الى مواجهة عصابات متفرقة في جيوب مبعثرة. هناك ثلاثة جيوب اساسية : جيب جندوبة والشمال الغربي وهذا الجيب نابع من طبيعة التضاريس التي تربط بجبال الأوراس وتصل الى جبل الشعانبي.
الجيب الثاني وهو منطقة الشعانبي وقد وقع رصدها الآن وفهمها بشكل دقيق وابطال مفعول الإتصال العضوي الذي كان قائما بين الجماعة المسلحة هناك وتنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» خاصة العناصر الجزائرية.
الجيب الثالث في الجنوب التونسي وهو الجيب الذي يتولى جلب السلاح وتيسير تهريبه وعودة بعض المقاتلين من سوريا ومن ليبيا للإلتحاق بالجماعات وشبكة تنظيم القاعدة في تونس.
ومما نلاحظه ان قوات الأمن الداخلي اصبحت اليوم تضرب بكامل النجاعة الأمنية.. فبعد شهر واحد ينفذ الأمن عملية يسقط خلالها 3 من العناصر الخطرة التي قامت بعملية ارهابية في نفس المكان تقريبا بمن فيهم جزائري بما يبين ان المعلومات التي استقتها قواتنا الأمنية هي معلومات صحيحة، وان هناك انصهارا بين القيادة الجزائرية والقيادة الإرهابية التونسية. وهنا لا بد من ابراز نقطة اساسية تتعلق بانه في نفس اليوم تتضح العلاقة الوثيقة بين التهريب والإرهاب خاصة في سيدي بوزيد خاصة ان السيارة «ديماكس» التي تم تتبعها من طرف قوات الأمن والتي تولى احد راكبيها اطلاق النار على الأمنيين بينت ان الإرهاب في تونس اصبح ارهابا يعتمد على تهريب المخدرات والممنوعات وخاصة السلاح. وهو متكون من مجموعات من قدماء خريجي السجون وعناصر متطرفة وأخرى تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وحتى فكرية ولديها ضعف كبير في التكوين الديني...وهي كلها مجتمعة تشكل الحاضنة للفكر الإرهابي المتشدد ..

ثبت اليوم ان هناك علاقة جدلية بين الإرهاب والتهريب،وفي طرح مقترحك لحل هذه المعضلة تعرضت الى هذا التكامل الغريب بين الظاهرتين كيف برأيك بمقدورنا انهاء هذه العلاقة الخطيرة ؟
تحدثت حول هذه المسالة وأوضحت ثلاثة مستويات:
اولا :الإرهابيون ومن اجل الحصول على المال يسعون الى السيطرة على المناطق الحدودية من البلاد وما شعار «مواجهة الطاغوت» الا محاولة لابعاد قوات الأمن الداخلي عن اداء دورها في حماية الوطن من البضائع والأسلحة المهربة ومن المخدرات، فهم يريدون فضاءات حدودية يتحركون فيها بكل حرية.
ثانيا : ان هناك اموالا كثيرة جدا متأتية من التهريب وهي التي تستغل لإعاشة هذه العناصر المسلحة فهناك عناصر يقع استقطابها من المساجد وتمنح لهم اجور بين 1500 و2000 دينار ويعطونهم دراجة نارية من نوع «فيزبا» ويساعدون عائلاتهم ماديا. هؤلاء العناصر يتم تحويلهم في مرحلة اخرى من مجرد ضالعين في عملية تهريب الى عناصر اساسية تتولى استقطاب عناصر اخرى بهدف «الجهاد» في سوريا أو نقلهم للمناطق الحدودية او الالتحاق بمالي أو لتهريب الأسلحة او الإنضمام الى شبكة تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي «في مجالها الحيوي» الذي يمتد من الصومال حتى مالي. وهي مناطق ترغب هذه المجموعات الإرهابية في السيطرة عليها كما وقع الأمر في افغانستان ووزيرستان بباكستان ...
ثالثا : هؤلاء المهربون كلهم متعددو الوجوه والأنشطة، فلديهم سوابق سجنية وجزائية مختلفة من بيع الخمر خلسة الى ترويج المخدرات والعنف الشديد وبقدرة قادر اصبحوا يدعون الى التطرف وهم ينشطون في تهريب المخدرات وكل البضائع التي يمكن تسويقها في تونس حتى المواد البلاستيكية والأحذية والنحاس والحديد.
حقيقة هناك تلاعب بكتلة نقدية كبيرة بعضها من العملة الصعبة اذ أن مورّدي هذه البضائع المهربة لا يقبلون الا اموالا بالعملة الصعبة ونادرا ما يتعاملون بالدينار التونسي مما يعني ان هناك أموالا ضخت بالعملة الصعبة ثم وقع تحويلها.. وهذه الأموال هي مصدر متعدد لجمعيات وافراد وانشطة وهو أمر واضح بصفة جلية. ولكن هذا لا يمنعنا من التنبيه بانه ربما هناك تحضير لمرحلة قادمة قد يخزن هذا المال للمحطات الإنتخابية القادمة .

من وجهة نظرك ما تقييمك للتعاطي الأمني مع مشكلة الإرهاب؟
ان وضع استراتيجية متكاملة لمواجهة الإرهاب يستوجب تدخل كل الفاعلين في المجتمع ذلك ان الإرهاب ليس سببا بل هو نتيجة معقدة لأسباب اكثر منها تعقيدا. فمن الأسباب المفرزة للإرهاب نذكر التصحر التربوي الواضح الذي ادى الى القضاء على منظومة التكوين والتشغيل ...فمئات الآلاف من التلاميذ الذين ليس بأيديهم أية مهنة ولا أي تكوين حرفي يجوبون الشوارع يوميا.
ولا يخفى على احد ان المدرسة التونسية تلفظ سنويا ما لا يقل عن 120 الف تلميذ بسبب الإخفاق المدرسي من المستويات الإبتدائية والثانوية والجامعية، فهذا جيش كامل لا يملك شهائد ولا صنعة ولا حرفة ولا يتمتع بأدنى تكوين فكري.
ثم ان المناطق المهمشة لم تنل نصيبها من التنمية وظلت على حالها وابناؤها مهمشون على المدى الطويل...وبعد ثلاث سنوات من الثورة، لم نر استنباط مشروع «مارشال» للنهوض بهذه المناطق ولتطويرها تنمويا ومعيشيا...على غرار المصانع ومناطق التبادل الحر مع الجارتين الجزائر وليبيا ..
ثالثا نلاحظ ظاهرة خطيرة اخرى قليلا ما يقع الإنتباه اليها وتتعلق بالنزوح نحو المدن الكبرى وأحزمتها المحيطة بها، اذ ان الإخفاق التنموي على مستوى الجهات قد وقع اخفاؤه بادماج هذه العناصر الشبابية في بناء المدن الكبرى في حضائرها وفي عملية تطويرها العمراني ..مع اهمال تكوين الشباب وثقافته وخاصة ثقافته الدينية.
ان التصحر التربوي والفكري كان عاما، ونجد انه لم يقع العمل على دعم فكري الطاهر الحداد والفاضل بن عاشور، والفكر المقاصدي وفكر ابن خلدون والهوية التونسية عامة وفقا لإسلام معتدل. بل ان الفراغ الروحي جعل هؤلاء الشباب يتابعون الفضائيات التي تنفث يوميا فتاوى متعددة تشوه اذهانهم وثباتهم، حيث لم يجدوا سبيلا لغيرها...فضلا عن وجود ازمة ثقافية اخلاقية عامة صلب المجتمع التونسي، على خلفية ان قيم العمل لم تعد هي المهيمنة ولا قيم العلم ولا قيم المدرسة التي لم تعد هي الحاضنة على مدى اكثر من عشرين عاما مضت لعملية التطور الإجتماعي ...بل حل محلها منطق «البزنسة» المعولم وثقافة موسيقى «الهشك بشك» ونوع من الصحافة السطحية التي تجد نفسها مراقبة ذاتيا ومقموعة موضوعيا ومحاصرة ماديا...
كل هذه الأوضاع اوجدت نوعا من الثقافة الرديئة في المجتمع والتي يسهل من خلالها استقطاب هؤلاء الشباب لغياب المناعة العقلية والتحليلية في اذهانهم. فالمنظومة التعليمية فقدت مضمونها النقدي وفقدت ايضا دورها في انتاج ما كنا نسميه في حقبة الستينات «المواطن الصالح».

ثبت ان الكثير من الارهابيين «مسجلون خطرا» من خريجي السجون وليسوا من أنصار السلفية الجهادية فحسب مثلما تذهب الى ذلك بعض القراءات...؟
أخطر العناصر الإرهابية هي من لديها سوابق في المجال الإجرامي البحت، يعني لديهم ذهنية اجرامية لكن هناك جوانب اخرى، فقد راينا نوعا من افرازات ما يسمى ب «أيمة التطرف» وهؤلاء هم الذين تولوا تجنيد الشباب الحائر... فاستغلوا منابر المساجد بعد الثورة والوضعية المنفلتة في الإعلام والأمن والرقابة الإجتماعية لإستقطاب مئات الألاف الذين تم تجنيدهم في ليبيا وانتقلوا الى سوريا وكانوا يحلمون بعالم من الجنة...ولكن في حقيقة الأمر هم قذفوا بالشباب الى الموت وقد اشتغلوا على مخيال الجنة والنعيم وحور العين الذي طور ثقافة الموت.
ان شبابنا متأثر بثقافة الموت وهناك جوانب اضافية لا يتطرق اليها الجميع وهي على اهمية كبرى وتتعلق بعنصر هام يتمثل في ان هؤلاء الشباب لم يؤدوا الواجب العسكري ولا يعرفون ما معنى الخدمة العسكرية ولا خطورة السلاح ولم يتعلموا روح الوطنية ولا قيم الإنضباط..ان من اهم النتائج الخطيرة لعدم اداء الخدمة العسكرية هو الإستخفاف بالسلاح وانعدام الشعور بالوطنية واحتقار الألم الذي يشعر به الآخر والسخرية مما تعنيه لفظة حرب...فضلا عن ان هذا الجيل الجديد لم يعش الفقر وجهد الإرتقاء الإجتماعي ولم ير المعاناة مثل جيل الستينات مثلا ...وهذا يظهر جليا في العنف في الملاعب الرياضية على سبيل المثال.
نحن اليوم امام جيل باكمله لديه ثقافة عنف اكتسبها من الثقافة الرائجة الآن في بعض التلفزات والقنوات ...وهي ثقافة تطورت في فترة نهاية الثمانينات خاصة في التسعينات من القرن الماضي على ضوء حربي الخليج الأولى والثانية وحرب كوسوفو ..
فمفهوم الموت اصبح خفيفا جدا «لايت» بينما هو مفهوم عميق جدا ..ولذلك فان ثقافة فتاوي الموت تجد طريقها بسهولة الى اذهان أبنائنا فضلا عن ان المدرسة فقدت كل ادوارها، فمدرسة اليوم تنتج شبابا لا يؤمن بثقافة العمل وقيمه وليس لديه تكوين لا في الشعر ولا في الأدب ولا في اللغات ولا في السينما ولا في النوادي العلمية.
نحن اليوم حيال ازمة شبابية حقيقية في المجتمع مع تناقض بين واقعه وطموحه ..هناك طموح خيالي تلفزي وواقع يؤكد ان هناك جهات محرومة صلب المدن الكبرى حيث نجد احياء باكملها تعاني من الفقر والإحتياج وغياب تام للبنية التحتية، نحن اليوم امام واقع لابد من العمل والإشتغال عليه وفق نموذج للتنمية من اجل ارساء ثقافة جديدة ..
فاذا قدر لنا اليوم ان نبدأ تغيير المنظومة التعليمية بقيم الجدية في العمل والصدق في القول والإنكباب على مكتسبات العلم والتكنولوجيا، فاننا حتما سنجد ثمار ذلك تقريبا بعد عشر سنوات ..
أما إذا تأخر هذا الأمر فسنظل نعاني لأكثر من عشر سنوات...وفي الحقيقة اذا نظرنا الى التجارب المقارنة نجد مثلا انه في روسيا عندما تفكك نظامها التربوي والإجتماعي واشتدت ازمتها، اول ما اهتمت به هو قطاع التربية والتعليم واعادت بناء قاعدتها العلمية والتكنولوجية بقوة وهو ما فعله بوتين... مما جعله يكنى ب «قيصر روسيا الجديد».
نحن اليوم في تونس وفي كامل الوطن العربي، في حاجة الى بناء ثقافة جديدة هي ثقافة الإنتاج واستيعاب العلوم والتكنولوجيا والتمكن من القيم الإنسانية ...هي ثقافة اخلاقيات المؤسسة التي تربط العلاقات داخل المؤسسة الإقتصادية لتجعلها منتجة كميا ونوعيا ..نحن في حاجة الى اكتساب ثقافة المسؤولية والى اعادة مكانة العائلة ودورها في التنشئة الإجتماعية حتى تعتني جيدا بأبنائها..
فما ربحته العائلة التونسية من وسائل رفاهة ضرورية من تلفاز وثلاجة خسرته على مستوى تكوين ابنائها مع غياب لقيم التآزر والتضامن الإجتماعي بشكل مذهل...هذه الآليات اشتغلت بصمت.
ان قوة منظومة بن علي الدكتاتورية هي انها جعلت الجميع يبحث عن الرفاهة المادية ويضحي بالرفاهة العقلية والقيم الصحيحة فلم تعد فرحة العائلة في نجاح أبنائها بل اصبحت في شراء «البلاي ستايشن» لهم وهذه القيم وهذه التغييرات الإجتماعية العميقة التي ارساها بن علي هي التي جعلت نظامه يستمر طيلة سنوات...عبر السيارة الشعبية دون العناية بالبنية التحتية ...عبر التداين المبالغ فيه في قطاع البناء مع اغفال العناية بالسكن اللائق... وعبر ادخال فيروس الفساد الإداري من خلال احتساب 25 بالمائة من معدل النجاح في الباكالوريا مما جعلنا اليوم في حضور اجيال في الجامعة لديها تكوين ضعيف...وعندما يسافرون لمواصلة دراساتهم العليا في الجامعات الأجنبية يكونون في اسفل الترتيب بعد ان كان طلبتنا يحتلون المراتب الأولى في اكبر المعاهد الغربية.بما يعني ان مفهوم التنافس سواء في المدرسة او في مواقع العمل قد انتفى تماما.
نحن اليوم امام اقتصاد هامشي يعتمد على التهريب... اقتصاد مربح اكثر من الإقتصاد المنظم والإستثمار واقامة المصانع والتنمية الحقيقية.

برأيك هل يمكن الحديث اليوم عن إمكانية السير نحو القضاء على الإرهاب، بمعنى هل تسمح الخطة الإنفعالية للتعاطي مع الإرهاب بالنجاح في قطع دابر الإرهاب من اراضينا وهل بمقدور حكومة التكنوكراط على عكس حكومتي «الترويكا» التوفق في التصدي للإرهاب؟
انا اتحدث اليك كمتخصص في مجال الخبرة الأمنية ...فعندما اتت حكومة المهدي جمعة الى السلطة عبر الحوار الوطني وقعت عملية اساسية في تونس تمثلت في انتقال الحالة الأمنية للبلاد من المرحلة الثالثة أي فترة التجهيز لحرب أهلية انطلاقا من محيط المدن الكبرى وجبل الشعانبي وبقية البؤر،الى المرحلة الأقل منها وهي مرحلة مواجهة الخلايا النائمة وشبكات وعصابات التهريب ومهربي الأسلحة. علما أن المرحلة الأولى هي مرحلة التعبئة والتشبيك اي اقامة الشبكات وتجهيزها ومدها بالأسلحة المهربة من ليبيا وهو ما اكده المخزن الذي تم اكتشافه بجهة المنيهلة.
فتونس انتقلت مع حكومة المهدي جمعة من المرحلة الثالثة من الإرهاب وهي مرحلة شديدة الخطورة ارتكز عمل الجماعات المسلحة خلالها على الإستعداد للحرب الى المرحلة الثانية من تطور التنظيمات الإرهابية اي العصابات التي تتولى القيام بردود الفعل وتنفيذ التفجيرات وتحدي مؤسسات الدولة. وهي مرحلة تستوجب وقتا لمواجهة الخلايا النائمة وتكسير مفاصل الإرهاب.
فالمشكلة اليوم كيف نمر من مرحلة مواجهة الإرهاب الى مرحلة التصدي له ومتابعته ورصده حتى لا يدخل في مرحلة المواجهة مع اجهزة الدولة وتعريض الصفو العام والأمن العام الى الخطر...
في الحقيقة هناك اليوم عدة خطط :
الخطة الأولى والعاجلة تتمثل في وجوب تطوير المنظومة الإستعلاماتية وهنا يشارك المواطن بدور اساسي عبر توفيره وايصاله المعلومة للمؤسسة الأمنية و بالتالي تمكين الدولة من موارد مالية لشراء المعلومة.

شراء المعلومة ؟؟؟ هل تقصد عودة المتعاونين مع البوليس السياسي ؟؟؟؟
أجل اجل اقصد شراء المعلومة ولكن لا اقصد ما ذهبت اليه ...اعني شراء المعلومة من المخبرين على الحدود أو من منظمة «الأنتربول» ومعلوماتها مكلفة جدا ...فلما ترسل الدولة اطارات امنية للتدريب والتكوين في الخارج فان هذه العملية تكلف ميزانية وزارة الداخلية المال الكثير ...وفي هذا شراء لمعلومات غالية ايضا.
اما الخطة الثانية فترتكز على تكوين الوحدات المختصة في مكافحة الإرهاب وتستوجب توفير مئات الملايين ايضا ...اي ان التربصات وتجهيز الوحدات بمعدات متطورة وحديثة كلها عمليات مكلفة جدا. ثالثا العقيدة الأمنية واعني العقيدة سواء في جانبها الأخلاقي المتعلق باخلاقيات المهنة اي كيفية التعامل مع المواطنين وفق متطلبات الدستور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ...ووفقا للمعايير الدولية بخصوص احترام المواطن وكيفية التعامل مع الإرهابيين ...
كأن تسبق مرحلة الإنذار قبل استنفاد كافة سبل التحاور مع الإرهابيين في ما يسمى بالتصرف في الأزمة تماما كما حصل في كل من رواد وجندوبة..وكان رد الإرهابيين باطلاق وابل من الرصاص ورمي القنابل في الواقعتين.
لابد ان يصبح الجهاز الأمني على نفس المسافة مع كل الأفكار والإيديولوجيات ما عدا تلك التي تضع يدها على السلاح وتدعو الى العنف. اما بقية الأفكار وما دامت لم تمر الى العنف اي الى فرض نفسها قسريا على المواطنين بالتعدي على حرمتهم الجسدية والمعنوية وما لم تقم بالتنظيم المسلح او التجهيز له وفتح المجال لإنخراط عناصر تعلم فنون القتال وتقنيات التفجير وتفتح مواقع على الأنترنت لنشر التباغض والتحريض على الإعلاميين والحقوقيين والسياسيين والفنانين...فلها الحق في التواجد على الساحة حتى ولو كانت تنتمي الى السلفية.
فالسلفيون ليسوا مرفوضين من حيث انهم سلفيون بل المشكل ان بعض العناصر من هذا التيار تنتقل من مرحلة التفكير والجدال الى مرحلة التنظم العسكري- الذي يدخل تحت طائلة المجلة الجزائية - في مواجهة الدولة بعنوان «مواجهة الطاغوت» وبذلك تصبح خارج كل المعايير التي يمكن للشعب التونسي ان يغض عنها البصر أو يتحملها أو يتسامح معها.
فهذه العملية هي بمثابة المسار الطويل من اجل بناء أمن جمهوري وفقا لمتطلبات الفصل 18 من دستور الجمهورية الثانية الذي وقع التوافق بشأنه ...هذا المسار يستوجب اولا اعادة تكوين الأمنيين اعتمادا على القيم الدولية لحقوق الإنسان كاحترام المواطن وتقنيات البحث والتمكن من الوسائل التكنولوجية المتقدمة لدى الشرطة الفنية والعلمية كتحليل البصمات والصوت وكل معطيات مسرح الجريمة ...وايضا لابد من التفكير جديا من الآن في بعث وكالة وطنية للإستعلامات تكون ذات ثلاثة وجوه .
اولا وجه متكون من باحثين متخصصين في العلوم الإنسانية والإجتماعية ...الوجه الثاني يضم محللين استراتيجيين في المجال العسكري والمجال الأمني ثالثا وجه متكون من أمنيين تقنيين من الشرطة العلمية والفنية في مقاومة الإرهاب في اللوجستيك ..الى غير ذلك...ويتم التنسيق بين مختلف جهود هذه الأطراف من اجل مدّ الدولة ووزارتي الداخلية والدفاع تحديدا بكل النظريات والتحاليل الراهنة لهذه المسائل ...
مثلا عندما نفكر في الأسلحة غير القاتلة لمواجهة التحركات على غرار الخراطيش المطاطية والغازات المسيلة للدموع، فهذه مسألة فنية تقنية ولكنها تهم الرأي العام وحقوق الإنسان وتمس حتى المناخ السياسي العام ،وتعامل الدولة مع المواطنين ...وعندما ننظر في مسألة حدود التنصت في حدود المعلومات التي يجب ان تحتويها البطاقة رقم 5 للمواطنين ما هي المعطيات التي يجب ان تتضمنها؟ وهل تدخل ضمنها المعلومات السياسية مثلا ام المسائل ذات العلاقة بالقضاء؟ ..وهل تظل هذه المعلومات في مستوى البطاقة ام يقع اعتمادها عند الإنتداب في الوظيفة العمومية كما كان معمولا به سابقا ؟؟؟؟
نحن في اصعب مرحلة من بناء دولة ديمقراطية بأمن جمهوري، فهو مكلف ماديا وفكريا ايضا، حيث وجب ان توجد ثقافة متبادلة بين الأمن والمجتمع وان يثق هذا الأخير في أمنه الذي كونه وفق المعايير المؤسسة على احترام حقوق الإنسان وروح الوطنية ..وفي المقابل من حق الأمنيين ان يتمتعوا بالحماية وبحقوقهم الإجتماعية والنقابية والمادية...

سأعود بك الى الوراء قليلا لنفتح ملف عملية رواد وما شابها من شكوك في تقصير الجهاز الأمني في التعامل سلميا مع افراد العصابة الإرهابية التي تم القضاء عليها، خاصة ما عابته بعض الأطراف من الاستعمال المفرط للرصاص في مواجهة المسلحين ..
الوحدات المختصة لمكافحة الإرهاب هي وحدات تكلف الشعب التونسي مئات الملايين على مستوى تكوين عناصرها وهي مختصة من حيث عدتها وعتادها وهي طلائعية وعندما يقع الإستنجاد بها فمعنى ذلك ان الأمر خطير جدا ...انها حرب ...والحرب تعني ان يقتل الإنسان شهيدا وان يقتل عدوه دفاعا عن وطنه ...
ان ما وقع في رواد كان حربا حقيقية بين مجموعة متمرسة على القتال تتقن فنون الرماية بدقة لها مدفع رشاش من نوع «ديكا» فيه ألف خرطوشة ولو تمّ التاخر مع هذه الخلية الإرهابية وتمكينها من استعماله لحدثت مجزرة حقيقية...
المثل التونسي يقول إن «المتفرج فارس» ولكن يجب ان نأخذ في اعتبارنا المسائل التالية : ان القضقاضي قد قام بصناعة حزام ناسف وخاطه حوله وهو حزام عبارة عن قماش فيه جيوب وفي كل جيب يوضع متفجر وتربط هذه المتفجرات فيما بينها وتتصل بصاعق مشعل لها يتحكم فيه...وباقترابه من الأمنيين يتولى تفجير نفسه وتفجيرهم معه عبر الضغط على الصاعق ...والقضقاضي ومن معه مختصون في فن التفخيخ وصنع المتفجرات...وتحويل مادة الأمونيتر أي السماد الفلاحي الأبيض عبر خلطه بمواد اخرى وتجفيفها في «منشر» ...ولذلك كانت العصابة تكتري ضيعات ومنازل بعيدة عن العمران البشري ليتسنى لها اعداد مادة مثل «الكسكسي» تتولى وضعها على بساط من البلاستيك لتجف...مئات الكيلوغرامات من هذه المواد المخلوطة كان ممكنا ان تحدث كارثة فظيعة في البلاد ...
هذه المعلومات تجد الدولة نفسها في احراج في الكشف عنها في ابانها..
ان مُثقفينا مع احترامنا لإندفاعهم وحمايتهم لحقوق الإنسان لا يدركون تمام الإدراك انهم امام عصابات قاتلة ثقافتها الموت ...ان عناصرها ينتمون ويؤمنون بثقافة الموت والقتل والتقتيل، فالقتل عندهم معنى للحياة ...وهو الوسيلة لنيل الجنة ...واللذة الأبدية مع حوري العين...وانه قلب عقولهم بواسطة ما يسمى البرمجة العصبية اللسانية من خلال تعليمهم الكفاح والجهاد والقتل والإنتقام والتضحية بالنفس والنفيس...لقاء الله في العالم الأخر عبر نيل الشهادة... اي الموت ..
ضمن هذه العناصر توجد عناصر انقلبت ضد عائلاتها وآبائها واخوتها بل حتى امهاتها وزوجاتها... نحن امام شبكة تنظيمية لكن شبكة اعلامية وفكرية عالمية دولية ..تعمل فيها وكالات استعلامات وفيها مصالح استراتيجية تتعلق بالطاقة وبمفهوم الشرق الأوسط الكبير وبهز التوازن في جنوب البحر المتوسط وبصراعات دولية بين «البريكس» والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ...ويميل بعض المحللين الإستراتيجيين الى القول باننا في وضعية لا يمكن التحكم فيها بالنظر الى الجشع الذي يميز تلك القوى في محاولة التهام مصادر الطاقة في العالم العربي الإسلامي...وهو ما يفسر في جزء كبير الوجهة التي اتخذتها الثورات العربية ...من ثورة اجتماعية حولت الى حروب ارهابية ضد اكتساب العلم والتكنولوجيا وتمكيننا من مهندسين ..
فخلال السنتين الماضيتين هاجر تونس ألفا استاذ جامعي من ذوي التكوين الرفيع ..من مختلف الإختصاصات.. ان تكوين استاذ جامعي يتطلب عشرين عاما تستغرقه الدراسة في مستوياتها المتعددة..فضلا عن ان هؤلاء يحملون شهائد دكتورا دولة ويفوق معدل اعمارهم الأربعين عاما..
إنها ثروات وطنية كبرى..اضافة الى ذلك سجلت هجرة العديد من رؤوس الأموال الوطنية وتعطل تصدير الفسفاط بما كلف الدولة التونسية مليار دولار كل سنة... وقد انتفع من هذا التعطل بلد صديق مجاور وهو المغرب..كما استفادت بلدان اخرى من هجرة المستثمرين الذين غادروا تونس اليها..اضافة الى المرابيح العائدة من القطاع السياحي التي خسرتها بلادنا واضرت باكثر من 800 الف عائلة كانت تعيش على مردود السياحة.
ان هذه الظرفية الإقتصادية والجيو- سياسية تضغط كثيرا على الإرهاب سواء في نشأته ذلك انه يولد صلب الأحياء المفرخة له او من عمل الدولة التي تصبح عصبية نوعا ما ...فمن مخاطر الإرهاب انه يوجه جهد الدولة وامكانياتها نحو مواجهته على حساب الإعتناء بتنمية الجهات ووضع مخططات للتنمية والنهوض بالمناطق المهمشة واقناع المقررين الدوليين بان تونس بلد مستقر لها ان تلتزم بتعهداتها على المستوى العاجل والأجل وهو امر اساسي ...
فالإرهاب يجعل الدورة الإقتصادية تتعطل سواء في الحركة او الإستثمار وفي الراحة التي يجب ان توجد لدى المستثمرين وصلب الحراك الإقتصادي والديناميكية الإقتصادية والفلاحية سواء الموسمية او العادية وغيرها. فكل هذه العوامل تضغط بطبيعة الحال على حكومة المهدي جمعة مما يجعلها في حاجة الى تآزر واسع من طرف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ...ويجب ان نقول بكل صدق بان الإضرابات التي تقع عشوائيا انما تساعد الإرهاب، فعوض ان تعتني المؤسسة الأمنية بمكافحة الإرهاب وبصانعيه ومرتكبيه ومموليه تصبح في مواجهة حركات احتجاجية بالقنابل المسيلة للدموع وتعنى بحماية الممتلكات العامة والخاصة. وهي مسائل تضر بالإقتصاد اية مضرة في وقت نحن في حاجة لهدنة خلال هذه المرحلة للإعداد للإنتخابات القادمة ولفسح المجال لكل الأطراف السياسية لتحديد برامجها في كنف احترام الدستور والقانون الإنتخابي...حتى يكون التنافس على مستوى الأفكار والبرامج في اطار من الشفافية والنزاهة حول مصادر التمويل.
إنّ من آثار مواجهة الإرهاب الحد من المال السياسي الفاسد الذي يتأتى من التهريب ومن الدخول بشكل غير شرعي للبلاد وجعل المناخ الفكري في المجتمع جديرا بان يكون محلا لحرية التقارع بالأفكار من اجل انتخاب افضل البرامج والتصويت لأكثر العناصر نزاهة ومن اجل ايجاد مناخ من السلم الإجتماعية يسمح للمراقبين الدوليين بالقيام باعمالهم دون ان يكونوا تحت اي ضغط او تهديد مهما كان مصدره..
بل ان اكثر من ذلك، فكبح جماح الإرهاب يجعل كل المواطنين احرارا في خياراتهم والممارسة الحرة لكل نشاطاتهم مهما كانت وجهة الترهيب الذي سلط عليهم... فمن اجل ان يكون المجتمع متعددا لا بد ان يكون متسامحا بين افراده، وان يسمح لكل الأراء ان تتلاقى فيما بينها وان تصبح لها تعبيرات واسعة على مستوى المؤسسة البرلمانية التي يتشوق التونسيون الى تحقيقها بعد الموافقة على الدستور ومباشرة اثر تسجيد المجلة الإنتخابية في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تتوفر بها كل معايير المراقبة الدولية المعمول بها في عملية الإقتراع وفرز الأصوات ومسؤولية تحمل نتائج هذه الإنتخابات وخضوع كل الفرقاء لقبولها وبالتالي الإلتفاف حول دولتهم لبناء مرحلة جديدة تتميز بارساء الأمن والإستقرار الإقتصادي والإجتماعي.
اننا ازاء مرحلة جديدة لبناء مجتمع يتجاوز كافة سلبيات الدكتاتورية وثقافة السلطوية والمحسوبية، ويؤسس لعدالة بين الجهات ويرسي روح الوطنية المبنية على التآزر وانشاء جيل تحتل فيه قيم العلم والعمل مركزا اساسيا.
والذين يتباهون اليوم بالنموذج التركي يتناسون انه مؤسس على دستور لائكي وعلى قيم العمل واستيعاب التكنولوجيات ...فتركيا لديها جامعات متطورة جدا ومصنفة تصنيفا عالميا جيدا...وتركيا تحافظ على علمائها ومهندسيها وتمنحهم ارفع الأجور وتوفّر لهم مراكز بحث على درجة عالية من التطور التقني والعلمي...هناك فرق شاسع بين الصورة الخرافية لتركيا والصورة الحقيقية لتركيا...
انها تريد ان تكون قوة اقليمية تمتد ذراعها الى كل العالم العربي وصولا الى المغرب العربي لتكون بذلك طرفا يجد مكانه في اوروبا الموحدة وتركيا مازالت تحلم بالإمبراطورية العثمانية القديمة ...وتحلم بسوق للشركات وللبورجوازية واصحاب راس المال الأتراك الجدد، مما جعلها في المرتبة 16 عالميا وهي تطمح لأن تحتل المرتبة 8 في حدود عام 2020 ..
ان تركيا تخطط على عشرات السنين للأمام ....وللأسف نحن لا نخطط على مدى عشرات الأسابيع..

الإرهاب لا دين ولا انتماء له، ولذلك فهو يضرب كافة دول العالم تقريبا، كيف ترى مستوى التنسيق العربي لمكافحة هذه الأفة ؟؟؟
التنسيق من اجل مواجهة الإرهاب يرتكز على مستويين، اولا على المستوى الداخلي لا بد من ارساء منظومة تعليمية تنتج الإنسان المتفتح على القيم العالمية المستندة الى احترام حقوق الإنسان ، ولا بد ان تصبح هذه الثقافة هي ثقافة الفضائيات، فهناك قنوات فضائية تقوم بدور اكبر من المدرسة ومن الأسرة، وهناك شبكة عنكبوتية تعج من خلال المواقع الإجتماعية للإتصال ك«كالفايسبوك» بكل اصناف الأفكار الهدامة التكفيرية والمتطرفة والمواقف التي تنشط خيال المراهقين والمراهقات وتجعلهم يعيشون نوعا من افلام الخيال العلمي...
فمن نتائج الثورة المعلوماتية والتكنولوجية اليوم انها تسيطر على المراهقين عبر وسائط جديدة هي الميديا الجديدة وان اخر الأبحاث في الطب العصبي تؤكد اننا نعيش ظاهرة الإدمان على المضامين المعلوماتية في «الفايس بوك» التي يقضي أمامها الشباب الساعات الطوال على حساب تمارينهم المنزلية ودراستهم عامة ....
المرحلة الثانية لمكافحة الإرهاب، اعتقد انه لا بد من التنسيق الأمني على المستوى المغاربي وعلى المستوى العربي والدولي مع حلفائنا وأشقائنا ...ومن الضروري التنسيق مع اخواننا في الخليج، وتحديدا في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات خاصة أن قيادات هذه الدول على وعي بانه من الواجب دعم جهود الدولة التونسية في محاربة الإرهاب والتطرف والتشدد، فلا انفصال بين اجزاء العالم العربي في مواجهة التكتلات الكبرى...وانا على قناعة بان ما سيحدث في مصر ستكون له تداعيات على كامل المنطقة العربية ...
فالأخطاء الإستراتيجية في قطاع التربية والتعليم في كافة الدول العربية انتجت جيلا من الشباب متفككا بلا هوية ولا خصوصية عربية اسلامية ولا مشروع سام جرجرته وسائل الإعلام والفضائيات المشبوهة لأعتى الحروب واخطرها واكثرها قتلا وبطشا بشعوبنا .
لقد خلقنا حيوانا متوحشا «سفنكسا»( كما في الأسطورة اليونانية القديمة) من رحم مجتمعاتنا ليلتهمنا ..ولذلك وجب ان نحلل تحليلا معمقا لماذا سيطرت هذه الثقافة خلال العشرين عاما السابقة فيما انخرط المجتمع فيها وضعفت المؤسسة التعليمية والتربوية؟...ان التنسيق اليوم يجب ان يكون اقليميا وعربيا ودوليا، اذ ان الفاعلين الجدد على غرار روسيا والصين والهند والبرازيل، غيروا المعطيات التي ظلت تحكم العلاقات لمدة طويلة جدا...
يجب ان نتدارك الأمرعاجلا وننسج علاقات قوية مع البلدان العربية الأخرى حتى نشكل قوة تقف في مواجهة الإرهاب والعصابات المسلحة التي ترمي الى زعزعة استقرارنا جميعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.