أثارت القرارات والأحكام التي أصدرتها مساء السبت الماضي محكمة الاستئناف العسكرية بتونس في قضية المتهمين بقتل شهداء الثورة وجرح مواطنين ضد كل من وزير الداخلية الأسبق رفيق الحاج قاسم وأربعة مسؤولين أمنيين سابقين هم علي السرياطي وجلال بودريقة ولطفي الزواوي وعادل التيويري الى جانب مجموعة أخرى من المتهمين موجة شديدة من الاحتقان في صفوف نواب المجلس الوطني التأسيسي بمختلف توجهاتهم الفكرية والايديولوجية، قرّر على إثرها النواب إحالة ملف القضية التي اعتبرها بعضهم بالقضية الدستورية من القضاء العسكري الى القضاء المدني، عبر استعجال النظر في مشروع القانون عدد 44 لسنة 2012 المتعلّق بأحداث دوائر مختصة في المحاكم المدنية تختص بالنظر في قضايا شهداء وجرحى الثورة، والتعجيل بإرساء منظومة العدالة الانتقالية. توتر وارتباك وشيء من الإحباط...تلك هي الصفات التي ميزت الأجواء العامة بالمجلس الوطني التأسيسي أمس على خلفية الأحكام المخففة وغير المنتظرة في حق شهداء وجرحى الثورة، زاد في تغذيتها تنفيذ العشرات من أهالي شهداء وجرحى الثورة ومكونات من المجتمع المدني لوقفة احتجاجية أمام المجلس سادها الكثير من الغليان، عبّروا خلالها عن استيائهم واحباطهم الشديد من القضاء العسكري، داعين إلى ضرورة القصاص العاجل ممن اعتبروهم مجرمين أيديهم ملطخة بدماء أبنائهم، مع الابتعاد عن المزايدات والصفقات السياسية التي تحوم حول قضيتهم التي اعتبروها العمود الأساسي للثورة، وهو نفس الأمر الذي أرغم مصطفى بن جعفر رئيس المجلس إلى تخصيصه جلسة استثنائية في الغرض، مع اقراره في تصريح صحفي استعجال النظر في القانون عدد 44 لسنة 2012 المتعلق ببعث دوائر عدلية في حق شهداء وجرحى الثورة كأول تفاعل له كسلطة تشريعية، وتأكيده أنّه يتابع بانشغال شديد ما يجري في القضاء العدلي والمدني والعسكري. سخط على القضاء العسكري صبّت جل تدخلات النواب خلال الجلسة العامة في خانة السخط على أحكام القضاء العسكري، داعين في هذا الصدد الى ضرورة انصاف شهداء وجرحى الثورة، مع التسريع بإحداث هيئة الحقيقة والكرامة وتفعيل منظومة العدالة الانتقالية. وأوضحت يمينة الزغلامي رئيسة لجنة شهداء وجرحى الثورة خلال مداخلتها أنّ كل من الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي 2011 بما فيها حكومتي علي العريض وحمادي الجبالي لم تستجب لقرارات لجنة شهداء وجرحى الثورة، داعية في ذلك حكومة المهدي جمعة المكلّفة الى اعطاء الأولوية المطلقة لقضايا شهداء وجرحى الثورة، مضيفة أنّ تأمين المرحلة القادمة والذهاب الى انتخابات يستوجب البت النهائي في قضايا شهداء وجرحى الثورة. من جهته أدان هيثم بن بلقاسم رئيس كتلة «المؤتمر من أجل الجمهورية»، الأحكام المخفّفة على المتهمين المباشرين، معتبرا إياها أحكاما غير دستورية بالمرة وخيانة لدماء الشهداء، من منطلق أنّ توطئة الدستور نصّت على الوفاء لدماء الشهداء حسب قوله، وهو موقف تواصل معه بشدة محمد الحامدي أمين عام حزب «التحالف الديمقراطي» ورئيس الكتلة الديمقراطية سابقا، مبيّنا أنّ أحكام القضاء العسكري ظالمة، وتساهم في اكتساح الثورة المضادة للفضاءات، وأنّ المطلوب حسب قوله هو تفعيل العدالة الانتقالية والتصدّي لظاهرة الافلات من العقاب، وهي رؤية توافق معها بشدّة كلّ من النائب أحمد السافي عن حزب العمال الشيوعي والنائبة سامية عبو عن التيار الديمقراطي، حيث شدّد الأول على ضرورة فتح ملفات الأرشيف السياسي، وتطهير القضاء، ملاحظا أنّ الأحكام الصادرة تثبت تواطؤ القضاء العسكري مع المنظومة السابقة، أمّا الثانية فقد أعلنت عن تعليق عضويتها في المجلس كنائبة إلى حين المصادقة على مشروع القانون عدد 44 المتعلق بإحداث دوائر مختصة للنظر في قضايا الشهداء والجرحى واخراجها من دائرة نظر القضاء العسكري. مسؤولية حكومات ما بعد الثورة وفي سياق متصل عقدت لجنة شهداء وجرحى الثورة مؤتمرا صحفيا، أوضحت خلاله يمينة الزغلامي رئيسة اللجنة أنّها وأعضاء اللجنة كانوا ينوون إعلان استقالتهم في حال عدم تجاوب مكتب المجلس لتمرير القانون عدد 44 لسنة 2012، مطالبة في ذات الصدد بضرورة التسريع في تركيز هيئة الحقيقة والكرامة وتفعيل قانون العدالة الإنتقالية الذي يمكّن حسب قولها من إعادة النظر في كافة القضايا الصادرة بشأنها أحكام باتة بحسب توضيحها. أما محمود البارودي عضو لجنة شهداء وجرحى الثورة فقد اعتبر أن «مسؤولية هذا الملف تتحمّلها الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 2011 مشيرا الى انه لم يقع بعد تحديد قائمات الشهداء والجرحى ولم تفعّل العدالة الإنتقالية» مطالبا بتنقيح القوانين المعمول بها وسحب مثل هذه القضايا من القضاء العسكري بالإضافة إلى بعث لجنة مساءلة علنية لكل المسؤولين عن هذه الجرائم . القطع مع ظاهرة الإفلات من العقاب وفي تصريح أدلى به ل «التونسية» حول الموضوع، عبّر المولدي الرياحي رئيس كتلة «التكتل من أجل العمل والحرّيات» عن استغرابه واستيائه من أحكام القضاء العسكري في قضايا شهداء الثورة وجرحاها،في إطار تغير الوصف القانوني، متسائلا عن الجهة التي بيّنت أنّ كل المتهمين في قتل الشهداء لم يصدروا أوامر بإطلاق الرصاص على المواطنين رغم توفر الأدلة ضدهم. وأكّد الرياحي أنّ حزبه يعتبر أن التعويضات المادية أو الترفيع فيها لا تضمّد جراح عائلات شهداء وجرحى الثورة، مطالبا بضرورة القطع مع ظاهرة الإفلات من العقاب وضمان محاكمة منصفة لقضايا شهداء وجرحى الثورة.