بقلم: أبو غسان استضافت تونس في اليومين الأخيرين وزيري خارجية فرنسا وألمانيا. وينزل رئيس الحكومة مهدي جمعة يومي الاثنين والثلاثاء ضيفا على فرنسا على رأس وفد هام. و قد ارتفعت في السنوات الأخيرة وتيرة زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى بلادنا بشكل لافت. وكانت في غالبها لشخصيات من الصف الأول. وبدا واضحا جدا أن مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي حرصت - ولو بشكل متفاوت من بلد لآخر لاعتبارات تاريخية وحضارية وجغرافية - على أن تكون حاضرة في مختلف المراحل التي مرت بها بلادنا، وعملت على أن تكون قريبة من المستجدات التي عاشتها تونس منذ جانفي 2011. وبعيدا عن اللغة الديبلوماسية التي تطبع عادة تصريحات المسؤولين الأوروبيين الذين يزورون بلادنا أو يستقبلون ضيوفا تونسيين رسميين فإن اهتمام أوروبا بتونس يحمل أبعادا إستراتيجية لدواع بعضها داخلي ويتعلق بالدرجة الأولى بتقدم تجربة الانتقال الديمقراطي، وبعضها الآخر خارجي ويتصل بما تعيشه المنطقة المغاربية من تطورات وخاصة ما يجري في ليبيا. كل المسؤولين الأوروبيين يقولون إنهم حريصون على نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي، وعلى تجاوز بلادنا المصاعب الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها لأن ذلك من مصلحة أوروبا نفسها. ولكن هل تفعل البلدان الأوروبية وخاصة التي تربطها علاقات تاريخية وحضارية عريقة بتونس وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وألمانيا ما يكفي للإسهام في إنجاح هذه التجربة؟ وهل يكفي الدعم السياسي وحده أو الهبات والقروض حتى تستعيد تونس عافيتها خاصة على المستوى الإقتصادي؟ إن تونس في حاجة اليوم إلى الاستثمارات الأوروبية وإلى تدفق السياح الأوروبيين بأعداد أكبر لأن ذلك هو الكفيل بتوفير شروط تحقيق نسب تنمية أفضل، وظروف معيشية أحسن للتونسيين خاصة في المناطق الداخلية. أما الهبات والقروض فتبقى حلولا ظرفية واستثنائية. صحيح أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب جهدا داخليا على المستوى الأمني وعلى مستوى تحسين المناخ العام للاستثمار، ولكنه يتطلب أيضا جهودا أوروبية أكبر، ورسائل أكثر قوة ووضوحا من أوروبا، وتجسيدا حقيقيا على أرض الواقع لصفة الشريك المتميز. إلى حد الآن حصلت تونس من أوروبا على التعاطف والمساندة لتجربتها الانتقالية، والمساعدات الفنية وبعض الهبات والقروض التي تبقى هامة ومفيدة ولكنها لا يمكن أن تمثل وحدها حلا لمصاعب البلاد الاقتصادية التي ما فتئت تتفاقم . إن استقرار تونس مهم جدا لأوروبا وخاصة لشركاء بلادنا التقليديين شمال المتوسط.. وهذا يتطلب أكثر من مجرد التعاطف والقروض، ويستوجب شراكة تقوم على الاستثمار الأوروبي المباشر الذي يسهم في توفير شروط الاستقرار لبلادنا..وجوهر الاستقرار هو التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي. ولئن كان هذا من شأن المستثمرين الخواص بالدرجة الأولى فالمؤكد أنه بإمكان السياسيين أيضا الدفع في هذا الاتجاه. وهذا أهم ما ننتظره من زيارة رئيس الحكومة إلى فرنسا أو إلى غيرها من الدول الأوروبية في المستقبل.