توصلت لجنة التوافقات البرلمانية بالمجلس الوطني التأسيسي إلى التوافق حول الفصول 147 و148 و153 المتعلقة بالجرائم الانتخابية من مقترح مشروع القانون الانتخابي، فيما أرجأت الحسم في الفصول المتعلٌّة بالعتبة والتمويل العمومي للحملة الانتخابية إلى الساعات القادمة لغياب الإجماع حولها ورفض ممثلي الكتلة الديمقراطية والجبهة الشعبية لصيغها المطروحة للتمرير على الجلسة العامة، وهي التي تعتبر من أبرز المسائل الخلافية المثيرة للجدل في محتوى القانون. رغم ارتفاع وتيرة أعمال لجنة التوافقات ومظاهر الود النسبي بين نواب الأغلبية ونواب الأقلية في الفترة الماضية، وما عكسه ذلك من تسريع في نسق المصادقة على مجمل فصول القانون الانتخابي، عاد الخلاف من جديد ليطرح حضوره بقوة بين الفرقاء السياسيين أثناء التعريج على المسائل الجوهرية والخلافية الهامة من القانون خصوصا منها العتبة وتمويل الحملة الانتخابية، زادته تهديدات ممثلي الكتلة الديمقراطية والجبهة الشعبية بالانسحاب من أعمال اللجنة حدّة إلى جانب الاتهامات المتبادلة بين أكثرية تشير جهرا إلى أن هدف تعطيل التوافق الاستنجاد بالحوار الوطني، وبين أقلية تنبّه من سعي الأكثرية إلى تكريس المشهد السياسي الذي خلّفته انتخابات 23 أكتوبر 2011. وفي تصريح له اعتبر منجي الرحوي عضو لجنة التوافقات عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد والقيادي في الجبهة الشعبية أنّ بقاءه صحبة زملائه من المعارضة الديمقراطية داخل اللجنة بمثابة شهادة زور على قانون لا يضمن النزاهة والشفافية وسيقود البلاد نحو نتائج أسوأ بكثير من 23 أكتوبر وبين قيادي الجبهة الشعبية أن مواصلة ليّ الذراع حول مشروع القانون الانتخابي عبر تمسك حركة النهضة واتباعها بالعتبة سيدعو المعارضة الديمقراطية لمقاطعة الانتخابات القادمة إلى جانب تعليق مشاركتها في جلسات المصادقة على القانون، مضيفا أنّه في حال عدم حصول توافق برلماني حول المسائل الخلافية في مشروع القانون الانتخابي فإن نواب الجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية باستثناء نواب الحزب الجمهوري لن يصوتوا على الصيغة الحالية للمشروع، وأنهم سيدعون إلى مقاطعة الانتخابات طالما أنّها لا تضمن في أرضيتها النزاهة والشفافية، ملمحا في ذات الشأن إلى أنّ النواب الديمقراطيين لن يساهموا في محاولة تلميع صورة المجلس التأسيسي وتبييض أعمال لجنة التوافقات وإضفاء شرعية على قراراتها بعيدا عن روح التوافق الصريح، مشيرا إلى أن المشروع في صيغته الحالية لا يرقى إلى أن يكون ضامنا لانتخابات حرة ونزيهة حيث أنّه لم يتم التنصيص فيه على مراقبة الاشهار السياسي والتمويل العمومي وعلى مراقبة الهيئة للترشحات والآجال، ولم يتم إدراج عقوبة إسقاط القائمات الانتخابية إذا ما تجاوز أصحابها سقف الإنفاق الانتخابي المنصوص عليه صلبه وأن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه للمال السياسي الفاسد على حدّ قوله، داعيا في ذلك إلى ضرورة الغاء العتبة الانتخابية كون إلغاؤها سيضمن مشهدا انتخابيا معقولا وسيحمي الانتخابات من تشتت الأصوات وفتح الباب أمام فوضى القائمات ويضع المترشحين أمام سيناريو صعب مراقبته أو متابعته، كما أنّه لم ينسى أن يتهم حركة النهضة وداعميها بالرغبة في تمرير المشروع على ما هو عليه، عبر ممارسة ما أسماه بالتوافق الصوري وما يمثله من تكريس في ضبابية المشهد السياسي مستقبلا، ناهيك على العمل على تشتت الساحة السياسية طالما يخدم ذلك مصالحها ويكفل لها أغلبية برلمانية حسب قوله. وهو تصور كانت قد تواصلت معه بشدّة ريم محجوب نائبة رئيس الكتلة الديمقراطية، التي أوضحت أنّ تمسك حركة النهضة بمقتضيات المرسوم 35 الخاص بالانتخابات الفارطة في مسألة التمويل العمومي ستنجرّ عنه فوضى في القائمات وفوضى في التمويل ناهيك عن صعوبة مراقبتها واسترجاعها ممّا قد يفسح المجال امام المال السياسي من جهة ويهدر المال العمومي، من جهة أخرى مشيرة إلى أن هدف التراجع عن النص الأصلي في مسألة عتبة 3 بالمائة و إنتاج مجلس نيابي مرتبك ومهزوز، مبيّنة أنّ تمرير القانون بهذه الطريقة سيكون فضيحة على جبين المجلس الوطني التأسيسي، وأنّ الكتلة الديمقراطية حسب قولها لن تساهم في ذلك وستقاطع الجلسات العامة اذا تواصل التفرّد بالرأي، مستخلصة أنّ التوافق منعدم اذا ما تمّ التعاطي مع المعارضة بمنطق الأقلية. من جهة أخرى، التقى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بأعضاء كتلة حزبه بالمجلس الوطني وتناول اللقاء مسألة التسريع بإتمام المصادقة على مشروع القانون الانتخابي. ودعا رئيس الحركة كتلته إلى العمل على إنهاء هذا المسار في أحسن الظروف.. وشدد الغنوشي خلال لقائه بالكتلة على حرصه على البحث عن مزيد التوافقات مع بقية الأطراف داخل المجلس وبقية النقاط الخلافية لإنهاء المسار الانتقالي والوصول بالبلاد إلى تأسيس المؤسسات الدائمة. وقال عضو كتلة حركة النهضة محمود قويعة إنّ اللقاء مع رئيس الحركة لم يناقش ترحيل النقاط الخلافية في مشروع القانون الانتخابي إلى الحوار الوطني، مؤكّدا حرص كتلة النهضة على حلّ الخلافات داخل المجلس، مشيرا إلى أنّ النواب قادرون على حلّ بقية النقاط الخلافية.