تعاني الكتلة الديمقراطية بالمجلس الوطني التأسيسي منذ فترة من غياب الانسجام وتصاعد الخلافات المتواترة بين مكوّناتها الحزبية التي عجّلت في البدء بانسحاب التحالف الديمقراطي منها قبل أكثر من شهرين، وليعقبها أول أمس إعلان نواب الحزب الجمهوري انسلاخهم النهائي عن الكتلة كأبرز حدث على الساحة البرلمانية، ولتختتم سلسلة الانسحابات بإعلان النائب فؤاد ثامر عن الجبهة الوطنية التونسية استقالته لنفس الأسباب. وأفاد النائب عن الجبهة الوطنية التونسية فؤاد ثامر ل«التونسية» أنّه يأسف للانقسام الحاصل في العائلة الديمقراطية التي يعتبر أنّه ساهم في بنائها وساهم في تحقيق حلم العديد من التونسيين في توحيد الصف الديمقراطي الّا أنّه اعتبر أنّ ما حصل في الآونة الأخيرة خرقا واضحا لمقوّمات الكتلة التي يعتقد أنّها تتطلّب الأدنى المشترك في التوافق وانسجام الموقف. وأضاف ثامر أنّ الكتلة نجحت في عديد المحطات وأخفقت في أخرى ولكن الهوّة الكبيرة التي أصبحت تميّز مواقف مكّوناتها في الفترة الأخيرة جعلت من وجوده داخلها غير ذي جدوى. كما بيّن ثامر أنّ غياب التقارب المطلوب والابتعاد عن مسار فلسفة تأسيس الكتلة جلها أسباب تساهم في استحالة مواصلة العمل داخلها، منوها بأنّ عودته إليها مرتبطة بمراجعة كل شيء داخلها، ذاكرا بالأساس آليات اتخاذ القرار، ومعبّرا في ذات الصدد عن انفتاح حزبه على جميع الأطياف السياسية خاصة مكونات العائلة الديمقراطية لإيجاد أرضية مشتركة صلبة في ما بينها تواصل بها ما بقي من المرحلة الانتقالية وتكون منطلقا للمحطات القادمة. صراعات داخل الكتلة من جهة أخرى بدأت صراعات «الحزب الجمهوري» مع مكونات الكتلة الديمقراطية منذ بداية الصدام مع حزب «نداء تونس»، وقد ظهرت لحظتها المفصلية عبر اعلان الحزب الجمهوري في ديسمبر 2013 عن انسحابه النهائي من تحالف الاتحاد من أجل تونس، ولينقطع اثرها الخط الرّابط بين الحزبين، ولتستمر الصدامات بخلاف ثان مع الجبهة الشعبية، تجسّد مؤخرا في المشادات والمشاحنات التي حصلت في أكثر من مرّة بين نائب «الحزب الجمهوري» إياد الدهماني ونائب «الجبهة الشعبية» منجي الرحوي كان آخرها في الجلسة العامة الخاصة بمناقشة لائحة اللوم وسحب الثقة من وزيرة السياحة آمال كربول والوزير المكلّف بالأمن رضا صفر، حيث قال نائب «الجبهة الشعبية» منجي الرحوي حينها إنّ اسقاط لائحة اللوم وتعويضها ببيان بسبب عدم القدرة على جمع الأصوات التي تمكّن من تفعيلها هو «مهزلة»، مشيرا بصريح العبارة الى أنّ «الحزب الجمهوري» باع نفسه لحركة «النهضة» وخرج عن الصف الديمقراطي. وتواصلا مع الأزمة، بين النائب عصام الشابي الناطق الرسمي باسم «الحزب الجمهوري» ل«التونسية» أن اللقاء الذي جمع قبل يومين ممثلي الجمهوري ببقية مكونات الكتلة الديمقراطية جاء لتقييم التوترات والخلافات الأخيرة داخل الكتلة الديمقراطية، موضحا الاعتزاز بالدور الذي لعبه حزبه داخل الكتلة الديمقراطية وفخر الجمهوري بمساهمته في تأسيس المعارضة الديمقراطية طيلة الفترة التأسيسية وللمكاسب التي حققتها الكتلة على حدّ تعبيره. وأشار الشابي إلى أنّ الفترة التي تلت المصادقة على الدستور اتسمت بخلافات سياسية عميقة داخل الكتلة موضحا أنّ الكتلة الديمقراطية منذ أسابيع لم تعد تعمل ككتلة ولم يعد هناك تشاور وتنسيق في المواقف المعلنة وفي التصويت، لافتا الى أنّ اجتماعهم الأخير بممثلي الكتلة الديمقراطية كان لقاء صريحا قدمت فيه جميع الأطراف مواقفها من «الأزمة الداخلية»، وأعربت عن استحالة تجاوز الخلافات، وليعلن إثرها «الحزب الجمهوري» رسميا انسحابه من الكتلة، والانطلاق نحو البحث في صيغة تكوين مجموعة برلمانية. مواصلة التنسيق رغم الخلافات من جانبها، أكدت رئيسة الكتلة الديمقراطية سلمى بكار ل«التونسية» أن كم الخلافات والتباينات في الفترة الماضية كشفت بشكل جلي أنه لا يمكن للكتلة أن تواصل بكافة مكوناتها. وأضافت سلمى بكار النائبة عن حزب «المسار الديمقراطي»، أنّه خلال النقاش المطول في الفترة الأخيرة داخل الكتلة، وقفت على كل الاختلافات بين نوابها في الفترة الماضية كما تم تقييم مواقفهم، وأنّ الرأي قد استقر على أنه لا يمكن بتاتا أن تواصل الكتلة العمل بهذه التباينات في المواقف بين نواب الجمهوري وبقية أعضائها. وقالت سلمى بكار إنّ انسحاب نواب الجمهوري لا يعني بتاتا الانفصال عنهم ووقف التنسيق معهم، ذاكرة أنّ تقاسم المواقف والمبادئ الديمقراطية يجعل التنسيق واردا مع الجمهوري، معربة في سياق متصل عن رغبة نواب كتلتها في التروي قبل الدخول في تحالفات نيابية أو ضم نواب آخرين حتى يتم اختيار الحلفاء الجدد بروية وبما يسمح بتقديم مواقف ورؤى موحدة.