بقلم : أبو غسان تمر بلادنا هذه الأيام بلحظة تاريخية حرجة جدا، ستكون لها بالتأكيد تداعياتها على المستقبل. وتبدو الصورة على أكثر من مستوى واحد بالغة التعقيد وشديدة الحساسية وتتطلب الكثير من الحكمة والصبر وحسن التصرف لإدارتها بأقل ما يمكن من الخسائر والتكاليف. أوضاع متفجرة في الجارة ليبيا بسبب المواجهات المسلحة التي تزداد حدتها كل يوم وتدفع بالآلاف من الأشقاء الليبيين ومن غيرهم من المواطنين العرب والأجانب لدخول تونس في ظروف صعبة أحيانا، ووسط مخاوف أن تنتهز بعض العناصر الخطيرة هذه الفوضى للتسرب إلى بلادنا أو لتهريب الأسلحة... والتهديدات الإرهابية متواصلة على امتداد كامل مرتفعات الشريط الحدودي الغربي في الكافوجندوبة والقصرين بما يؤكد أن خطر الإرهاب أصبح أكبر بكثير مما توقعنا جميعا، وبما يؤكد أن معركة البلاد مع هذه الآفة ستطول وستكون مكلفة وللأسف. ومخاوف جدية من مخاطر إقحام المؤسسة العسكرية في التجاذبات السياسية بعد الجدل الواسع الذي أثارته استقالة رئيس أركان جيش البر. ويمكن القول أن التونسيين أحسوا بأن الوطن في خطر أكثر من أي وقت مضى ، وأن البلاد تمر بلحظة فارقة في تاريخها سيتكيف على ضوء نتائجها مستقبل أبنائهم . وما يجري اليوم سواء في ليبيا أو وما جرى في الشعانبي وجبل سمامة وجبل ورغى ومرتفعات جندوبة خطير ولا يحتمل سوء التقدير ولا القرارات الخاطئة ولا الانشغال بأي معركة جانبية أخرى. فبخصوص الوضع على حدودنا مع ليبيا وإن كان من حق تونس اتخاذ كل الاحتياطات لحماية الحدود وسد الطريق أمام العناصر الخطيرة وكل من يريد بهذه البلاد شرا، فإنه يجب كذلك التروي جيدا في موضوع إمكانية غلق الحدود الذي أثير في الأيام الأخيرة أكثر من مرة. فبين الشعبين التونسي والليبي علاقات دم وروابط تاريخية تفرض على كل جانب واجبات لا يمكن التنصل منها. ولا بد من معالجة هذه الحالة الطارئة على الحدود بحكمة وبصبر وباستعداد للتضحية في حدود الممكن طبعا. وأمام ما حصل ويحصل هذه الأيام في المرتفعات الغربية لبلادنا وفي ظل توفر مؤشرات عديدة على أن الجماعات الإرهابية المسلحة أهم بكثير عددا وعدة مما كان البعض يعتقد، فإن الأمر يعني أن كل الجهود يجب أن تتوجه اليوم لمقاومة الإٍرهاب أولا وقبل كل شيء. وعدا العمل على توفير كل الإمكانيات المالية والبشرية والتجهيزات اللازمة لمجابهة الإرهاب لقوات الجيش والأمن، فمن المهم جدا تجنب كل أشكال التجاذب حول المؤسسة العسكرية. فهذه المسألة لا يجب التهاون معها وهي لا تحتمل أية مزايدة .. ولا يجب أن تستخدم كبند في حملات انتخابية انطلق بعضها قبل الأوان.. وقد رأينا بمناسبة استقالة رئيس أركان جيش البر أن البعض لم يتورع عن ذلك.. وهذا يعد انحرافا خطيرا لا يجب السكوت عنه .