يعقد اليوم المجلس الوطني التأسيسي جلسة عامة لمناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال وذلك بعد سجال طويل داخل اللجان حول نقاط الخلاف التي أدت إلى تأجيل النظر فيه في أكثر من مناسبة رغم صبغته الاستعجالية ومطالبة العديد من الأحزاب والهيئات الحقوقية والأمنية بإصداره في أقرب وقت لحاجة السلطة القضائية الملحة لإطار تشريعي يحدد طرق التعاطي مع قضايا الإرهاب. ورغم محاولة لجان التشريع العام والحقوق والحريات والتوافقات تجاوز نقاط الخلاف فإن النقاش العام لن يكون حسب جل المؤشرات أقل حدة من النقاش الذي دار في اللجان والذي أدى في أكثر من مناسبة إلى تأخير النظر في هذا المشروع. فنقاط الخلاف التي تم تداولها في لجنتي التشريع العام والحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بقيت عالقة ولم يستطع النواب التوصّل إلى أرضية توافقية وهو ما استدعى الاستنجاد بلجنة التوافقات، حيث وقف نواب المجلس على عديد الثغرات التي تضمنتها صياغة فصول مشروع القانون وعلى نقائص يمكن أن تنحرف بتنفيذ احكامه, وهو ما جعل لجنتي التشريع والحقوق والحريات تتأخران في تقديم تقرير مفصل حول مضامين مناقشة هذه الفصول في حين لم تتمكن لجنة المالية من النظر في الجزء الخاص بها وهو مكافحة غسل الأموال لانشغالها خلال المدة الماضية بمناقشة قانون المالية التكميلي. وقد بررت رئيسة لجنة التشريع العام كلثوم بدر الدين بطء عمل اللجنة بصعوبة مناقشة هذا القانون الذي وصفته بالدقيق «حتى يكون ناجعا ومراعيا لحقوق الإنسان». نقاط الخلاف ويعد تحديد مفهوم الإرهاب في حد ذاته أحد نقاط الخلاف حيث عجزت لجنة التشريع العام عن تعريف دقيق لمفهوم الإرهاب وقالت كلثوم بدر الدين إن غياب تعريف شامل للإرهاب بالقانون كان «خيارا مقصودا» وأشارت إلى أنّ المشروع تضمّن تحديدا دقيقا وموسعا لكل ما يفترض أنها أعمال إرهابية حتى لا يبقى رهين تعريف ظرفي يكون اليوم موسعا لكنه قد يصبح ضيقا مع تشعب جرائم الإرهاب وتطورها. وقد أدى الخلاف حول تحديد مفهوم الإرهاب إلى انقسام النواب إلى شقين: الأول يطالب بضبط تعريف واضح ومحدد لمفهوم الإرهاب حتى لا تنسحب أحكام هذا القانون على غير الإرهابيين, والثاني يرى أن مفهوم الإرهاب مدقق في المواثيق الدولية ولا داعي إلى تكراره في هذا التشريع. ومن الإجراءات التي أثارت جدلا بين النواب ،التنصت على الارهابيين وتصويرهم واختراق مجموعاتهم حيث اعتبر شق من النواب أن التصوير والتسجيل يعتبران تجسسا على المواطنين وأنهما إعادة لممارسات النظام السابق, في حين شدد فريق آخر على ضرورة ضبط هذه الإجراءات والجهة المخولة للقيام بها حتى لا تصبح أداة تجاوز. كما دعّم عدد من النواب الفصول المتعلقة باختراق المجموعات الإرهابية من قبل عناصر من الأمن الوطني معتبرين إياها من أهم آليات تفكيك هذه المجموعات من الداخل ومعرفة مخططاتها في حين استنكرها البعض الآخر. ولم يقتصر الجدل داخل أروقة «التأسيسي» على التنصت على الإرهابيين إذ أعربت كذلك منظمات حقوقية عن خشيتها من أن يكرر مشروع قانون الإرهاب الانتهاكات التي تضمنها قانون 2003 الذي استخدمه النظام السابق لسحق المعارضة. كما أشارت هذه المنظمات إلى أنّ مشروع القانون لا يضمن أيضا وجود رقابة قضائية كافية على تدخل الأجهزة الأمنية خلال التنصت في خصوصيات الأشخاص أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، وهو ما يمثل اعتداء على الحقوق الأساسية. تجارة السلاح بين الإرهاب واللاإرهاب سحب العمل الإرهابي على تجارة السلاح كان أيضا من نقاط الخلاف التي احتد حولها النقاش صلب المجلس التأسيسي حيث طالب شق من النواب بتصنيف تجارة الأسلحة كعمل إرهابي بقطع النظر عن إثبات العلاقة بين التاجر والمنظومات الإرهابية في حين يعتبر شق ثان انه إذا كانت تجارة الأسلحة مقترنة بتمويل المجموعات الإرهابية فهي عمل إرهابي أما إذا كانت لا تمت للإرهاب بصلة فلا يمكن تضمينها في هذا التشريع باعتبار وجود عديد الفصول في النصوص التشريعية الأخرى تنظم آليات التعاطي والعقاب مع هذه الجريمة صلب المجلة الجزائية. واضافة الى نقاط الخلاف المحورية اختلف النواب أيضا حول عديد الفصول المتعلقة بالبحث في آليات لتحجير السفر إلى أماكن القتال والنزاع ,والامتناع عن الإبلاغ عن الجرائم الارهابية ومدة الاحتفاظ بالمشتبه فيهم, وتوسيع صلاحيات اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب, وضرورة توفير الآليات التي تمكن من التصدي للإرهاب بأساليب ناجعة دون الانزلاق في ضرب منظومة الحقوق والحريات التي كرسها الدستور . كما اختلف النواب كذلك حول مدى احتفاظ المحامين بالسرّ المهني، وعدم تفعيل عقوبة الإعدام بجرائم القتل كما ينصص عليه القانون الجزائي. «هيومن رايتس» متخوفة ورغم إقرارها بالتحسن الحاصل في مشروع قانون الإرهاب مقارنة بقانون 2003 قالت منظمة «هيومن رايتس» إن المشروع الحالي مازال يتضمن أحكاما مثيرة تبعث على القلق، وأشارت المنظمة إلى وجود بعض مواد قد تفتح الباب أمام محاكمات سياسية بتهمة الإرهاب، وتمنح القضاة سلطة مفرطة في العمل بإجراءات استثنائية وتقيّد قدرة المحامي على الدفاع بطريقة فعّالة. كما دعت منظمة «هيومن رايس» المشرّعين إلى تعديل مشروع قانون مكافحة الإرهاب بما يجعله متناسبًا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بالمحاكمة العادلة، والحياة الشخصية، وحرية التعبير منتقدة عدم وجود رقابة قضائية كافية على تدخل الشرطة في خصوصيات الأشخاص أثناء عمليات مكافحة الإرهاب. في المقابل يرى مرصد استقلال القضاء أن مشروع قانون الإرهاب تضمن مزايا كثيرة، مؤكدا أنه لا توجد فيه عيوب أساسية في مستوى القانون مقارنة بالتشريع السابق. كما اعتبر المرصد أن النص الجديد أقلّ صرامة من السابق لأنه يتجه نحو إقرار المعايير الدولية في مكافحة الإرهاب، خاصة أنه يتجه لأول مرّة لجبر أضرار ضحايا الإرهاب وعدم تسليم أشخاص حوكموا بجرائم إرهابية إلى بلدان يتوقع أن يتعرضوا فيها إلى التعذيب.