فرنسا تنتزع لقب أطول ''باقات'' في العالم من إيطاليا !    30 مؤسسة تستكشف السوق النيجيرية    مهدي بلحاج: هضبة سيدي بوسعيد مهدّدة    اجتماع أمني تونسي ليبي بمعبر راس جدير    متاحف بريطانيا تعير غانا الكنوز الملكية المنهوبة أثناء الاستعمار    الرابطة المحترفة الثانية: نتائج مباريات الدفعة الثانية للجولة الحادية والعشرين    بصورة نادرة من طفولته.. رونالدو يهنئ والدته بعيد الأم    مرحلة التتويج من الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يعقّد وضعية النادي الافريقي    اوّل انتصار ..ثلاثيّة امام النادي الافريقي ترتقي بالفريق الى المرتبة الرابعة    صفاقس: إحباط 22 عملية حَرْقة والقبض على 10 منظّمين ووسطاء    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بمنطقة الهوام    عاجل/ مداهمة مكاتب قناة الجزيرة في القدس ومصادرة معدّاتها..    منوبة: الاحتفاظ بمجموعة حاولت تحويل وجهة شخص واغتصابه باستعمال العنف    سوسة: منفّذ عملية براكاج باستعمال آلة حادة في قبضة الأمن    مرحبا قُدوم دينا في بيت الصديق ابراهيم وحرمه نرجس    وزير الشّؤون الدّينية يختتم الملتقى التّكويني لمؤطّري الحجيج    معهد الصحافة وعلوم الأخبار: المعتصمون يقررون تعليق مقاطعة الدروس ومواصلة الاعتصام    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    تستور: الإحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه من أجل " سرقة مواشي والإعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل".    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    طقس قليل السحب بأغلب المناطق وارتفاع طفيف للحرارة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشّاعر الفلسطيني الرّاحل سميح القاسم في حوار ينشر لأوّل مرّة : صواريخ شعري أقوى من طائرات ودبّابات الصهاينة
نشر في التونسية يوم 31 - 08 - 2014


العرب نائمون... لا كرامة لهم
أعتزّ بأنّي شاعر العروبة قبل أن أكون شاعر المقاومة
قصيدتي هي كلّ شيء في حياتي وشعري صنع مجدي وشهرتي
شعر المقاومة لا يموت رغم «كامبد ديفيد» و«وادي عربة» و«أوسلو»
حاوره : عبد السلام لصيلع
كان الشاعر الرّاحل الكبير سميح القاسم يحبّ كثيرا لقب «شاعر العروبة والمقاومة الفلسطينية» ..وكان يفتخر بأنه من عائلة عربيّة درزيّة مشهود لها بالكفاح وحبّ الثّقافة والأدب والمعرفة.
سميح القاسم الذي فجعت فلسطين والأمّة العربيّة بوفاته منذ أيام معروف بتواضعه ولطفه الشّديد، ترك حوالي ثمانين كتابا في الشعر والنّثر والمسرح، أوّلها مجموعته الشّعريّة الأولى « مواكب الشّمس» الصّادرة سنة 1958.
ومن عناصر قوّة الشّاعر الرّاحل سميح القاسم أنّه عاش وتوفّي داخل فلسطين المحتلّة على خلاف غيره من شعراء فلسطينييّن آخرين غادروا فلسطين وبقوا خارجها، وعادوا إليها بعد اتّفاقيات «أُوسْلو» في بداية التّسعينات.
وظلّ سميح القاسم داخل وطنه يناضل ويقاوم الإحتلال الإسرائيلي مباشرة، وقد اعتقله العدوّ عديد المرّات، كما بقي وفيّا إلى آخر يوم في حياته للمقاومة ولمبادئه الوطنيّة والقوميّة ، لذلك كان يحظى بالمحبّة والتّقدير والإحترام في كامل الوطن العربي والعالم، وترجمت قصائده إلى معظم اللّغات وكتبت عنه الدّراسات الأدبيّة والنّقدية والأطروحات الجامعيّة.
وسميح القاسم صديق عزيز يرحمه اللّه رحمة واسعة ، تعرّفت عليه منذ سنوات طويلة ، والتقينا مرّات كثيرة وأجريت معه حوارات صحفيّة عديدة... كان مثالا للودّ والأخلاق العالية والبشاشة والوفاء... وفي زيارته الأخيرة لتونس قبل أن ينهكه المرض الخبيث جمعتني به عدّة لقاءات تخلّلتها حوارات طويلة، منهما الحوار الخاصّ التّالي تنشره «التونسيّة» تحيّة، لروحه، وللوفاء والذكرى :
تعتبر نفسك شاعر العروبة أكثر من كونك شاعرا فلسطينيّا، لماذا ؟
أنا أفتخر وأعتزّ بعروبتي، التي غرستها فيّ عائلتي منذ صغري، وخاصّة والدي ووالدتي...كما أفتخر وأعتزّ بانتمائي القومي العربي إلى أمّتي العربيّة...أنا أحبّ أن أكون دائما عروبيّا وشاعر العروبة التي تجري دماؤها في عروقي إلى آخر نبض من نبضات قلبي وإلى آخر يوم في حياتي، ويشرّفني أنّني شاعر العروبة من المحيط إلى الخليج ولا أحصر نفسي في الإقليميّة الفلسطينيّة، لأنّ معركتنا مع الحركة الصّهيونيّة العنصريّة قوميّة في الأساس، لأنّنا عرب، ولأنّ اسرائيل منذ عام 1948 م، تاريخ النّكبة التي بقيت عالقة في بالي منذ طفولتي، كانت ولا تزال تهدف إلى إلغاء عروبة فلسطين ومحوها وقطع جذورها...لذلك تتغنّى قصائدي بكلّ الوطن العربي وتهتمّ بقضاياه وهمومه... وأنا أعتبر نفسي دائما وأبدا شاعرا لكل الأمة العربية.
السّهل الممتنع
وهل لذلك فضل في انتشار شعرك الذي يردّده النّاس في كامل الوطن العربي ؟
ببساطة، لأنّ كلماتي سهلة وواضحة المعاني والأفكار، وهي تدخل في أسلوب السّهل الممتنع وهو من أصعب الأساليب الأدبيّة، وهي كذلك قريبة من النّاس ...وهي مغنّاة، يتجاوبون معها، عقلا وقلبا ووجدانا، ولأنّ دور الفنّ هو إيصال الكلمات الأصيلة والنّظيفة إلى النّاس، ولذلك ساعدني الفنّ والإعلام في الإنتشار والشّهرة، على غرار قصيدة «منتصب القامة أمشي» التي أدّاها الفنّان الرّائع مارسيل خليفة بنجاح كبير جدّا... هذا هو الفنّ الملتزم.
الإنتشار والشّهرة
لكن هل ساهمت السّجون والمعتقلات والمطاردات التي تعرّضت لها من قبل سلطات الإحتلال الصّهيونية في انتشار قصائدك وشهرتك ؟
السّجن هو الذي استفاد منّي، فعندما كانت سلطات الإحتلال تعتقلني، كانت جدران السّجن تخافني ولا تستطيع مواجهتي، تلك الجدران كانت تتمرّد على الجلاّدين وتتعاطف معي وتحتقرهم وتقاومهم هي أيضا، وبالتّالي فإنّ سجنهم دليل على خوفهم ورعبهم منّي ومن قصائدي ومن صمودي وصمود (الشعب الفلسطيني).
شاعر المقاومة
من هنا حدّثنا أكثر عن خصوصيتك وعمّا يميّزك عن غيرك ؟
أنا شاعر المقاومة وابن فلسطين وكلّ العرب...أنا إنسان قريب من قلوب النّاس، وساهمت مع شعراء الأرض المحتلّة في إبراز الشّعر المقاوم والصّامد، أذكر منهم بصفة خاصّة توفيق زيّاد ومعين بسيسو ومحمود درويش... شعري لم يساوم ولم يهادن المحتلّ... أستطيع أن أقول عنه بتواضع إنّه شعر ملحمي بصوت قويّ وجريء. وأنا أعتزّ بأنّي بقيت متجذّرا في وطني، لم أغادر فلسطين مثلما فعل غيري، وتصرّ قصيدتي على أن تكون صوتا لجميع أبناء شعبي وأمّتي.
خيانة وندم
كأنّي أفهم من كلامك أنّك تشير إلى محمود درويش الذي غادر الأرض المحتلّة سنة 1970 م ؟
محمود هو صديقي،عليه رحمة اللّه، وهو رفيق درب وعمر، لكنّي اختلفت معه بسبب خروجه من فلسطين.
لكّنك اعتبرت خروجه هذا خيانة ؟
بالضّبط...والنّاس يعرفون جيّدا سبب الخلاف بيننا... وفي «الرّسائل» ستجد أنّه كتب مايلي : «أنا نادم على خروجي»...لكن لا يهمّ، فكانت له ظروفه وأوضاعه، ولم تكن بيننا مشاعر التّنافس أو الغيرة أو الحسد.
في مواجهة يوميّة
الآن، بعد تجربتك الشّعريّة، والنّضالية الطويلة، ماذا بقي من شعر المقاومة ؟
بقي شعر المقاومة، فهو لا يموت، رغم «كامب ديفيد» و«وادي عربة» و«أوسلو» لم يأت السّلام..ومازالت اسرائيل تحاربنا وتدمّر منازلنا وتقتل أطفالنا وشبابنا ونساءنا ورجالنا وشيوخنا وتسرق تراثنا وحضارتنا وتصادر أرضنا...أمام كل ذلك وغيره بقي شعر المقاومة...فما دامت «سايس بيكو» ومادامت الأراضي العربيّة محتلّة في فلسطين، والجولان، واسكندرون، وعربستان، وسبتة ومليلية وأوغادين، وجنوب السّودان، والطّمب الكبرى والطّمب الصّغرى، وأبو موسى، فإن القصيدة المقاومة لا تموت، لذلك أنا قومي ومع استرجاع هذه الأراضي العربية المحتلّة والمقتطعة منّا، وعلى قصيدة المقاومة أن تحافظ على عنفوانها وعلينا أن ننشر ثقافة المقاومة لأن عدّونا مجرم وخبيث وشرس وغدّار جعلنا نتعامل معه بالمقاومة الدّائمة والمواجهة المستمرّة لأنّه كيان عنصري، دخيل علينا شخصيّا أنا في مواجهة يوميّة متواصلة مع هذا العدوّ ومع سلطاته القمعيّة ومع جيشه الهمجيّ، وكان شعاري دائما «إمّا أن نكون وإمّا أن نكون» في معركة صمود شعبنا الصّامد التي لا تتوقّف والتي يقودها من أجل البقاء في الوطن والأرض، رغم أنّني محاصر في وطني الذي يتقاسم فيه أبناؤه الخبز والماء والصّمود والحصار أيضا... لأنّ الفلسطينييّن شعب صمود وحضارة وإبداع يتقن، كما قلت كثيرا، فنّ المفاوضات والانتفاضات في نفس الوقت، لذلك أعتبر نفسي شاعر مقاومة وهويّة في صراع من أجل البقاء والهويّة... وهذا أشرس صراع في الوجود في سبيل التعلّق بالمكان. وقصيدتي هي كلّ شيء في حياتي إذا قلت لك عكس ذلك فأنا أكذب على نفسي وعلى النّاس.
المكان والفلسطينيّون
على ذكر المكان، ماهي أهمّيته للفلسطينييّن ؟
اليهود يريدون إخلاء وطننا من أصحابه الشرّعييّن وفق المخطّط الصّهيوني العنصري، وتعويضهم بغزاة وغرباء شراذم يأتون بهم من أنحاء العالم. لذلك فإنّ المكان مقدّس بالنّسبة للفلسطينييّن ولا يفرّطون في أرضهم التي هي أرض آبائهم وأجدادهم منذ آلاف السّنين .
نبرة عالية
أنت صاحب نبرة عالية في شعرك، ماهو مصدر هذه النّبرة العالية ؟
هذه النّبرة مصدرها قوّة المواجهة اليوميّة مع عدوّ محتلّ حاقد وخبيث .
وقد فعلت اسرائيل المستحيل لإغاظتي ولم تنجح... أنا هو الذي أغظتها وجعلتها تموت غيظا...من أجل ذلك لن أتوقّف عن كتابة القصيدة المقاومة.
وقصيدتي انتصرت على الدّبابة الإسرائيليّة وهي أقوى من الطائرة الحربيّة الإسرائيليّة... الإسرائيليّون... يخافون ترسانتي الصّاروخيّة وهي قصائدي التي دخلت كلّ بيت فلسطيني وعربي وتجوّلت بشموخ في العالم أجمع واستقبلتها الجماهير العربيّة من المحيط إلى الخليج بالأحضان استقبالا حارّا، وترجمت إلى لغات العام.
أقوى من طائراتهم
إذن، ماهو تأثير قصائدك المترجمة إلى اللّغة العبريّة، على القارئ اليهودي؟
كلّ قصيدة، من قصائدي منذ أن كان عمري 17 سنة، ترجمتها المخابرات الاسرائيليّة (الموساد) ملفّات إدانة ضدّي وهو ما عرّضني مرارا للسّجن والتّعذيب والعذاب والقمع والمطاردة والطّرد من العمل والبقاء تحت الإقامة الجبريّة والمراقبة الإداريّة. وكانت قصائدي منذ بداية شبابي أداة قويّة في مواجهة الإحتلال وإرهابه... ولكنّه فشل فشلا ذريعا في إسكات صوتي...
وقد حاول أن يتهكّم عليّ مرّة «مثقّف» اسرائيلي عندما سألني : «كم سقطت من طائرة حربيّة اسرائيليّة بقصائدك؟» ، فقلت له بكبرياء : «ليست مهمّة قصائدي إسقاط طائراتكم... بل إنّ قصائدي أسقطت أكاذيبكم وخداعكم وأوهامكم وعنجهيّتكم في محاولاتكم اليائسة والرّامية إلى القضاء على هوّيتنا العربيّة ومحو ذاكرتنا وتاريخنا ووجودنا» ...هذا هو التّحدّي.
المهمّ أن نواصل المقاومة والكفاح من أجل الحياة والحرّية والعزّة والكرامة.
قصيدتي ومجدي
من صنع مجدك : شعرك أم قضيّتك الفلسطينيّة؟
أنا أعيش دائما مباشرة في قلب الأحداث الفلسطينية والعربيّة...وإنّ أصدق الأشعار هو الشّعر الذي يقاوم الإحتلال والقبح والرّداءة والظّلم والكذب والخث وكلّ أنواع الشرّ، لأنّ الشعر في حقيقته هو أصلا مقاومة. من هنا فإن شعري هو الذي صنع مجدي وشهرتي...وشعري هو سلاحي في خدمة قضيّتي الفلسطينيّة .. وقصيدتي هي التي تسوّقني .
وكما قلت لك قصيدتي هي كل شيء في حياتي .
النّقاد
هل تهتمّ بما يقول النّقاد عنك؟
بصدق وصراحة أنا لا أهتمّ كثيرا بالنّقد وبما يكتبه ويقوله النّقاد، إيجابا أو سلبا، لأنّي أهتمّ بتطوير قصيدتي وفنّيتها وجماليّتها، من قصيدة إلى أخرى من قصائدي، ومن مجموعة إلى أخرى من مجموعاتي.
حضور المرأة
ماهو حضور المرأة في شعرك وأنت المعروف بالقصائد الوطنيّة والقوميّة الملتزمة ؟
الإلتزام في قصائدي لم يبعد المرأة من عالمي الشّعري، فالمرأة حاضرة بقوّة في شعري، وأتعامل معها ككائن إنساني وثقافي وحضاري، ولا أتعامل معها كجسد في المقام الأوّل مثلما يفعل شعراء آخرون يتعاملون مع المرأة كأثاث في المنزل وكشهوة عابرة. المرأة هي الأمّ والجدّة والعمّة والخالة والأخت والإبنة والزّوجة والصديقة والجارة... وهي المناضلة والأسيرة في سجون الإحتلال، وهي الشهيدة...وهي الكاتبة والصّحفيّة والطبيبة والمحامية والمعلّمة وقائدة الطّائرة والرسّامة...وهي العاملة في الحقل والمعمل.
لغة راقية
من عناصر قوّة قصائدك أنّ علاقتك باللّغة راقية وجميلة ورائعة... لماذا ؟
لأنّ لغتي قادمة من أعماق اللّغة العربيّة البديعة، ومن التّراث العربي الزّاخر والثريّ، وأنا منذ صغري قارئ نهم للتّراث وللثّقافة العربيّة الإسلامية والثقافة العالمية، وأنا متمسّك شديد التّمسّك باللّغة العربيّة والعروض والتّراث العربي والتاريخ العربي والحضارة العربيّة.
والشعر العربي القديم بالنسبة إليّ هو أداة فعّالة من أدوات مقاومتي للإحتلال الصّهيوني... ولا أخفي أنّ مرجعيّتي الأساسيّة هي التاريخ والتّراث العربييّن ، بالإضافة إلى كلّ ذلك أنا أعود دائما إلى القرآن الكريم. أنا إذن أحارب الإحتلال باللّغة العربيّة، لقد حاول الإسرائيليّون إلغاء اللغة العربية في التدريس، لكن كانت هناك حركة ثقافيّة من قبل المثقفين الفلسطينييّن منذ بداية الإحتلال قبل أكثر من 65 عاما أفشلت محاولاته وصمدت اللّغة العربية وبقيت لغة رسمية، لغة ثقافة وتدريس وفشل الصّهاينة في إقصاء اللّغة العربيّة وتهميشها والقضاء عليها... ولن تتمكّن إسرائيل من تنفيذ مشروعها العدواني.
الشّعر العربيّ القديم
على ذكر الشّعر العربيّ القديم، من يعجبك من الشعراء القدماء ؟
أقرأ لكثيرين مثل امرئ القيس وعروة بن الورد وتأبّط شرّا والمتنّبي والمعرّي والبحتري وابن الرومي، لكن يعجبني كثيرا الشنفرى الذي أحبّه وأحترمه من بين الشعراء الصّعاليك لأنّ لديه قدرة كبيرة على المقاومة والصّبر والشّجاعة والشّهامة...
عرب اليوم
كيف ترى عرب اليوم؟
مشكلة العرب اليوم أنّهم إلى الآن لم يقرؤوا تاريخ الصّهيونيّة كما ينبغي... ولم يعرفوا معرفة حقيقيّة ودقيقة تاريخ الاستعمار البريطاني كما ينبغي وهو الذي زرع بيننا الصّهونيّة في الشرق الأوسط وفق وعد بلفور الإجرامي والظّالم.. مع الأسف، مازال العرب في نومهم العميق، لا يستوعبون ما يحدث في العالم وما حولهم.
وعرب اليوم أمّة ليست لها إستراتيجية، لأنّم ضعفاء مشتّتون ومفتّتون.
فعلى العرب أن ينهضوا وأن يحترموا أنفسهم وتاريخهم ليسترجعوا وحدتهم وكرامتهم، لأنّهم الآن بلا كرامة، لذلك نرى كلّ قوى الشرّ في العالم تتربّص بهم وتعمل ضدّهم.
ماهي الكتابة بالنّسبة إليك؟
الكتابة شيء جميل وعادة ممتعة نعيد فيها دائما اكتشاف أنفسنا وإعادة معرفة الآخرين والتوغّل في دروب الحياة والكون والتّعبير عن أفكارنا ومواقفنا ومشاعرنا وخلجات قلوبنا.
ماهو دورك في هذه المرحلة كشاعر عربي ومناضل فلسطيني ؟
أنا أواصل التّمسّك بمواقفي الوطنيّة والقوميّة والمضيّ في قصيدتي المقاومة.
هل أنت متفائل في هذه الظروف العربيّة الحالكة السّواد؟
أنا دائما متفائل، ولا أعرف اليأس في حياتي مهما كانت الظّروف .
ماهو المستحيل ؟
أنا لا أؤمن بالمستحيل الذي هو وهم في أذهان الخانعين والعاجزين والفاشلين.
نلاحظ ظاهرة المزاح في شخصيّتك خلال أحاديثك وتعاملك مع الآخرين على عكس محمود درويش. لماذا؟
لأني أحب الحياة والناس والشّعراء والصّحافيين والأصدقاء، ولا أكرهُ أحدا، صحيح أنّني أعيش للمجتمع وتعذّبت وسجنت بسبب مبادئي وقضيّتي، لكن ذلك كلّه لم يجرّدني من إنسانيّتي وتفاؤلي ومن إيماني باللّه وبشعبي وبأمّتي العربيّة، وأن خلقني اللّه لكي أكون هكذا، وفي النهاية أنا مقتنع بانتصار فلسطين طال الزّمان أو قصر.
الموت
كتبت كثيرا عن الموت في قصائدك، فهل تخاف الموت ؟
أنا لا أكترث بالموت لأنّي متفائل وأحبّ الحياة وشعبي ووطني... وأحبّ النّاس، أنا أعتبر الموت لحظة قادمة لا بدّ منها، لكنّني لا أعرف أين ومتى؟...يجب أن نتهيّأ لاستقبال الموت بحفاوة عندما يأتي أو حين يباغتنا...أنا لا أخاف الموت ولا أحبّه في نفس الوقت لأنّي لم أكن يوما جبانا في حياتي.
لا أخاف الموت لكنّي لا أهرب منه وأرحّب به وأحتفل به عندما يزورني ويحملني معه...أحبّ أن أرتّب من الآن لعلاقة ودّية مع الموت، وليست عدوانيّة.. أريد أن أستقبله وأنا في كامل أناقتي ووسامتي.
ماهو سرّ طيبتك؟
لأني ترعرعت في عائلة طيّبة ومستقيمة، تعلّمت فيها المحبّة والكرامة والصّبر والجدّية والتّواضع وأصول الأخلاق والأدب .
هذه الحياة بحلوها ومرّها، وبتجاربها ماذا تعلّمت منها ؟
لا...يجب أن نعاملها بكآبة... لذلك تراني ضاحكا وساخرا ومتفائلا ومحبّا للنّاس...لأنّ أيّامنا معدودة، وكلّنا عابرون .
ملاحظة :
هذا الحوار هو جزء من حوار طويل مع سميح القاسم سوف يتضمّنه كتاب جديد جمعت فيه حوارات أجريتها مع شعراء عرب على مدى أكثر من أربعين عاما، من أبرزهم : عبد الوهاب البيّاتي وعبد اللّه البردّوني وسليمان العيسى وعبد العزيز سعود البابطين وسعاد الصّباح ولميعة عبّاس عمارة والأخضر السّايحي وفاروق شوشة وفاروق جويدة وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد عفيفي مطر ومحمد الماغوط وممدوح عدوان وشوقي بغدادي وهارون هاشم رشيد وأحمد دحبور ومحمد بنيس وعلي الفزّاني وعز الدّين ميهوبي وشوقي بزيع وسيف الرّحبي وقاسم حدّاد وعلوي الهاشمي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.