بقلم: جيهان لغماري «لسنا طُلاّب كراسي» هذه هي الجملة السحريّة التي لا تغيب عن خطاب القائمات الحزبية والمستقلة في محاولة لإبعاد شبهة «تهمة» هم في الأصل مترشحون ومتنافسون لكسب ودّها! ما هذا التناقض بين دخول الانتخابات ورصّ الصفوف وحملات شارعية وجهوية، وفي نفس الوقت إظهار «التعفّف» عن كراسيها؟. لماذا إذن هذه التجاذبات داخل الكيان الحزبي الواحد وتكتيكات اللحظات الأخيرة وهذا التمويل العمومي من جيوب دافعي الضرائب والسفرات المكوكية بين الولايات والمدن والأرياف والأحياء الراقية والشعبية والأزقة والمقاهي، ثم في مرحلة لاحقة حضور تلفزي وإذاعي لتقديم فكرة عن أهداف القائمة المترشحة، لماذا بعد كل هذا «الضجيج»، يمجّون أسماع المواطنين بشعار شعبوي «أخلاقوي» مُفْرَغ من المعنى ومن الأخلاق: «لسنا طُلاّب كراسي» ؟. صحيح أنّ مفهوم الكرسي قد ارتبط في المخيال الشعبي وحتى عند النخبة بفكرة الاستبداد ومراكز النفوذ والجمع بين كل السلطات بقبضة من حديد، كما ارتبط الكرسي بالمال والجاه والشهرة والفخامة، وأنّ من يتذوّق أبّهته يسعى دائما وبكل الأساليب على خِسَّتها للالتصاق الأبدي به!، ولكن ألم يحن الأوان لتعمل الطبقة السياسية بجد وصدق على تقديم مفهوم جديد للكرسي يقطع مع ما علق به من أدران وتشويه؟. الفكرة ممكنة التطبيق لكنها مرتبطة أساسا بالسياسيين، أي أن يُصبح الكرسي مرادفا للعمل وخدمة الشأن العام، أن يكون صاحبه كفؤا لإدارته وصاحب مشروع واضح وعملي وأن يخضع في حال فشله للمساءلة، أما الأهم فهو أن لا يقع «شخصنته» بل العمل على تحويله إلى فعل مؤسساتي داخل منظومة واضحة المعالم، له دور محدد فيها بقطع النظر عن شخصية الجالس على الكرسي. قد يكون لأزمات المراحل الانتقالية والأخطاء الفادحة للسياسيين دور في إحباط المواطن العادي وإطلاقه لأحكام قطعيّة مع الأسف سلبية ضدهم، مما جعل الأحزاب وفي مسعى للنأي بنفسها عن هذا الحُكْم القيمي، تعمد إلى شعار «لسنا طُلاّب كراسي»، ولكن ما هو دورها في تغيير هذا المعيار الشعبي القاسي؟، هل تكتفي بمسايرته مع ما في ذلك من نفي لأيّ دور قيادي لها رغم أنه لبّ العمل السياسي، بل هو سبب وجودها أصلا؟. الديمقراطية شكلا على الأقل، تفترض انتخابا لكل المسؤوليات العليا في البلاد مع ما يقتضيه ذلك من مناصب واضحة المعالم، كما تفترض بالأساس تيارات سياسية مختلفة تتنافس عبر الصندوق على تلك المسؤوليات لخدمة الشأن العام. بهذا التبسيط، يصبح الحديث عن عدم طلب كرسي المسؤولية نوعا من الفكاهة السمجة وغير المقبولة ممن قد يُسيّرون شؤون البلاد مستقبلا. يجب أن تقتنع الأحزاب بقدرتها على تغيير صورتها السلبية عند العامة، والحملة الانتخابية وما بعدها مهما كانت النتائج، فرصة سانحة قد لا تتكرر، بالاستغراق الكامل في تقديم برامجها بعيدا عن الأحلام السريالية والضحك على الذقون، وأن لا تقتصر حملتها على شتم الأطراف الأخرى وشيطنتها، وأن تعمل بعد الانتخابات على خلق أقصى حالة من التوافق السياسي الذي يعيد الاستقرار للبلاد والطمأنينة للمواطن، لتبدأ عجلة النهوض الاقتصادي في الدوران بأقصى سرعة في مناخ اجتماعي تغلب عليه مُسحة التوافق والقدرة على إدارة الأزمات في إطار مدني ديمقراطي مؤسساتي. بهذا المجهود فقط، يمكن أن يُصبح مفهوم «الكرسي» إيجابيا وعندها سيقول لكم المواطن: ما دمتم في خدمة الشأن العام، اطلبوا الكراسي ولو في.. الصين!