الإنتصار الثمين الذي عاد به المنتخب الوطني التونسي من القاهرة هو بمثابة المنعرج الذي سيحسم التأهل في هذه المجموعة في شهر نوفمبر المقبل نظرا لصعوبة التحوّل إلى مصر وهزم الفراعنة على أرضهم ، لقد كان الكلاسيكو الأخير الذي جمعنا بالمنتخب المصري بحق لقاء من فئة ست نقاط سيكون له تأثير كبير ومباشر على حظوظ كل فريق فيما تبقى من أطوار هذه المجموعة. النقاط الثلاث إذن غالية جدا دعّم بفضلها أبناء الخضراء مركزهم في صدارة المجموعة صحبة المنتخب السينغالي وبالتالي فرص التأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 2015 لكن الأهم من ذلك هو أن نقاطا إيجابية عديدة رافقت هذا الإنتصار كفكر المدرب ليكنز من طريقة اللعب المجدية التي اتبعها والإختيارات الصائبة التي أقدم عليها والتطور الملحوظ في آداء المنتخب مقارنة مع المقابلات الفارطة وأولها مباراة بوتسوانا بما يقيم الدليل على العمل الذي يقوم به الإطار الفني. 3 لاعبين ارتكاز : عقدة عقود من الزمن من أبرز ما يحسب للناخب الوطني في هذا اللقاء الهام والحاسم هو تخليه عن الطريقة التي لازمت المنتخب منذ عقود من الزمن كلما لعب خارج أرض الوطن وأصبحت عقدة تحول دونه وتحقيق النتائج الإيجابية على أرض المنافسين وهي التعويل على ثلاثة لاعبي ارتكاز. البلجيكي تخلى أول أمس على هذه الطريقة معتمدا على ثنائي فقط في هذا الدور وهما حسين الراقد والفرجاني ساسي مما سمح بالإعتماد على أربعة لاعبين ذوي صبغة هجومية كان لهم الفضل الكبير في التوجه الهجومي الذي انتهجه فريقنا والذي ترجم في العدد الكبير للفرص السانحة للتهديف وبالتالي في تحقيق الإنتصار الذي كان مستحقا ولا تشوبه شائبة بل إن فوزا عريضا فلت منا على أرض الفراعنة كان يمكن أن يكون تاريخيا. قراءة صحيحة النقطة الإيجابية الثانية التي تحسب للبلجيكي هي اختياراته الصائبة على مستوى التشكيلة وخاصة التعويل على رامي البدوي مكان المثلوثي على يمين الدفاع وخاصة فخرالدين بن يوسف مكان بن يونس في الهجوم بما أن الهدف الوحيد في هذا اللقاء جاء بفضل السرعة التي يتميّز بها مهاجم النادي الصفاقسي . أما التعويل على رامي البدوي فقد سمح لمنتخبنا بتدعيم صفوفه الخلفية وسد المنافذ أمام نقطة قوة منتخب مصر المرتكزة أساسا على جهته اليسرى بتواجد صلاح محترف تشيلسي الأنقليزي وأحمد عبد الشافي الظهير الهجومي للزمالك. هذان التغييران بالتحديد مقارنة مع لقاء بوتسوانا أكدا القراءة الصحيحة للمباراة والمنافس من قبل ليكنز وبالتالي الإضافة الكبيرة التي قدمها بفضل هذه الإختيارات والتي مهدت إلى إحداث الفارق وتحقيق الإنتصار الأغلى في الطريق نحو المغرب. تطور ملحوظ في الآداء لقاء اول أمس يمكن اعتباره أفضل لقاء على الإطلاق خارج تونس لمنتخب النسور منذ سنوات عديدة، فقد قدّم أبناؤنا عرضا كرويا رائعا جعل فوزهم على مصر مقنعا إلى حد كبير، منتخبنا لم يكتف بالدفاع ولا بالهجومات المرتدة ولم يبحث على تشتيت الكرات بل أعطى الأهمية اللازمة للهجوم وهدد مرمى شريف إكرامي في عدة مناسبات وأتيحت له أبرز الفرص السانحة للتهديف في هذه المواجهة وكان قريبا من تلقين منتخب الفراعنة درسا لن ينساه لفترة طويلة. إلى جانب ذلك كانت عملية إخراج الكرة من الدفاع وتصعيدها إلى الهجوم سلسة بكرات قصيرة وسريعة أربكت المصريين وأحدثت الفراغات في دفاعهم وأكدت أن فكرا واضحا يعمل الإطار الفني على وضعه في المنتخب وبدأ يعطي أكله بوضوح فكان التطور ملحوظا في الآداء الجماعي. «المساكني» و«الشيخاوي» : قمة الإبداع البدء بكل من الشيخاوي والمساكني جنبا إلى جنب خارج أرض الوطن كان بالتأكيد مجازفة ومفاجأة بالنسبة لكل الشارع الرياضي التونسي الذي توقع بقاء المساكني على بنك الإحتياط والإستفادة منه في الشوط الثاني لكن رؤية الفني البلجيكي كانت مغايرة ونجح في إختياره بنسبة مائوية كبيرة بمباغتة المنافس المصري منذ الدقائق الأولى والدخول بقوة في المباراة وتسجيل الهدف الوحيد مبكرا. الثنائي المساكني والشيخاوي كان تقريبا وراء كل العمليات الهجومية للمنتخب وتفنّنا في المراوغات والتمريرات الثنائية وأضفيا على أداء نسور قرطاج المتعة والإبداع. «المحسني» و«بن يوسف» صمّاما الأمان غياب أيمن عبد النور عن مباراتي بوتسوانا ومصر لم يكن له أي تأثير على الأداء الدفاعي الفردي أو الجماعي للعناصر الوطنية لأن الثنائي الحالي بلال المحسني وصيام بن يوسف برهنا في لقاء أول أمس أن الخط الخلفي التونسي بخير وقادر على مجابهة أعتى الفرق الإفريقية. منتهى التفاهم والإنسجام، القوة والسرعة، السلاسة في إخراج الكرة من الوراء إلى خط الوسط، إضافة إلى تفوق كلي في الثنائيات الأرضية والهوائية وحضور بدني مميز جعلهما يمثلان حائطا يصعب تخطيه على الهجوم المصري. تألق ثلاثي «السي أس أس» عرفت مباراة ملعب الدفاع الجوي تقديم ثلاثي النادي الصفاقسي لأوراق إعتمادهم كلاعبين أساسيين في النخبة الوطنية بعد أدائهم المميز في لقاء هام ومصيري أمام مصر وجمهورها وبالتالي فإن كل من الظهير الأيسر علي معلول ومتوسط الميدان الفرجاني ساسي والمهاجم فخر الدين بن يوسف وبإظهارهم لقيمتهم الحقيقية صاروا وبدون منازع أحد أعمدة نسور قرطاج في الاستحقاقات القادمة وهو ما سيساعد بالتأكيد نادي عاصمة الجنوب على الاستفادة من فورمتهم والذهاب بعيدا في مسابقة دوري أبطال إفريقيا.