رئيسا الجمهورية والحكومة قد يضطران إلى إصدار مرسوم لصرف 25 بالمائة من ميزانيّة التّصرف لفترة 3 أشهر جدل واسع حول من سيناقش ميزانيّة تونس لسنة 2015 في الوقت الذي تواصل فيه مختلف الأحزاب السياسية ولا سيما الكبرى منها الصراع والتنافس في حملة الانتخابات التشريعية من أجل الظفر بمقاعد في مجلس نواب الشعب القادم وتحقيق مبتغاها بالصعود إلى سدة الحكم وتسيير البلاد، تعكف الإدارة التونسية جاهدة على إعداد ميزانية البلاد للعام المقبل وسط غموض وعدم وضوح رؤية سياسية وخاصة اقتصادية إلى جانب ظرف اقتصادي وطني ودولي غير ملائم بالمرة. فالوضع الاقتصادي العام بالبلاد لا يبعث على الارتياح والتفاؤل في ظلّ تواصل ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات محرجة مع تفاقم عجز الميزان التجاري علاوة على اهتراء القدرة الشرائية وتراجع أهم مؤشرات التجارة الخارجية والاستثمار الخارجي والداخلي. في خضم كل هذه العوامل الموضوعية والظرفية الاقتصادية الصعبة جدا من المنتظر أن تدخل تونس العام الجديد في وضعية حرجة بسبب تأثير العوامل السياسية وتداعياتها على الوضع العام في البلاد. وتعكف وزارة الاقتصاد والمالية تحت إشراف رئاسة الحكومة على وضع اللمسات الأخيرة للميزانية الجديدة لسنة 2015 والتي باتت شبه جاهزة تقريبا في انتظار المصادقة عليها من طرف مجلس الوزراء في انتظار إعداد مشروع قانون المالية الجديد. ووفق المعلومات التي تحصلنا عليها من مصادر رسمية وموثوق بصحتها فإنه من المنتظر أن تودع الحكومة مشروعي الميزانية وقانون المالية للسنة القادمة على أقصى تقدير يوم 25 أكتوبر الجاري بحسب ما ينص عليه القانون الأساسي للميزانية. من سيناقش الميزانية؟ «التونسية» بحثت في الموضوع وحاولت الاستئناس ببعض المواقف وأراء المختصين في المجال ومن ضمنهم الخبير في الجباية ووزير المالية السابق سليم بسباس الذي اعتبر أن القانون المنظم للسلط العمومية يخول لرئيس الجمهورية إصدار مرسوم جمهوري يتم بمقتضاه فتح الاعتمادات لصرف 25 بالمائة من ميزانية التصرف فقط من اجل صرف الجرايات والأجور من دون الدخول في ميزانية التصرف بعنوان الباب الأول كما أن ميزانية التنمية سوف تتعطل. وأضاف بسباس أن الإشكال والمأزق المطروحين، يتمثلان في من سيناقش ميزانية البلاد على مستوى اللجان أو الجلسة العامة للتأسيسي والحال أن الكل منشغل ومنهمك في الحملة الانتخابية التشريعية وتواجد فراغ تشريعي يهم ميزانية البلاد؟؟؟ ولاحظ محدثنا ان المجلس الوطني التأسيسي لا يعمل حاليا وأن كل النواب منشغلون بالحملة الانتخابية التشريعية وأن هناك جدلا واسعا وكبيرا حول مدى مشروعية مناقشة المجلس مشروع الميزانية والمصادقة عليها من منطلق انه «منتهي الصلاحية» من وجهة نظر العديد من المنتقدين والرافضين لرجوعه إلى الجلسات العامة للمصادقة على ميزانية البلاد. وهناك من ذهب وشدد على أنه أخلاقيا لا يمكن للنوّاب الرجوع إلى قبة البرلمان لإعادة مناقشة القوانين ومنها مشروعي الميزانية وقانون المالية للسنة المقبلة. من جهة أخرى قال بسباس إن مجلس نواب الشعب الجديد المنتظر انتخابه من صناديق الاقتراع لن يمارس صلاحياته الجديدة إلا بعد الانتهاء من جميع مراحل التقاضي وتشكيل الكتل النيابية ولن يكون جاهزا قبل ديسمبر 2014 علاوة على أن الحكومة الجديدة لن يقع تشكيلها قبل مارس 2015 مشيرا في السياق ذاته الى أنّه يتم التعرّف على الحكومة إبّان الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية. واعتبر بسباس أن نسبة 25 بالمائة للثلاثي الأول من العام القادم لن تكون كافية وأنه سيتم اللجوء إلى 25 بالمائة أخرى باعتبار أنّ النسبة الأولى لن تحل الإشكال من وجهة نظره. وشدد المتحدث على أن اللجوء إلى مثل هذه العملية يندرج في إطار استمرارية الدولة من خلال تمكين رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة من إصدار مرسوم جمهوري أو حكومي لصرف ربع الميزانية لتسيير دواليب البلاد مشيرا إلى أن دستور تونس لسنة 1959 والتنظيم المؤقت للبلاد نصا على هذا المخرج القانوني والى أنّّ دستور تونس الجديد بدوره ضمن هذه المسألة. وأضاف سليم بسباس أن تونس تعرضت إلى وضعية مشابهة في سنة 2011 وأنّه تمّت المصادقة على مشروع قانون المالية من طرف المجلس الوطني التأسيسي في سنة 2012 بصفة مستعجلة وتم اثر ذلك انجاز قانون مالية تكميلي لتعديل الوضعية المالية. ولفت الخبير في الجباية إلى أن من أولى أولويات مجلس نواب الشعب هو الإسراع بالمصادقة على ميزانية البلاد موضحا أنه قد يقع الاضطرار إلى إقرار مشروع قانون مالية تكميلي آخر لن تتمّ مناقشته قبل ماي 2015 باعتبار أن الحكومة الجديدة لن تتشكل قبل مارس القادم. سيناريو سيء جدا وأضاف سليم بسباس أن فتح اعتمادات لصرف ربع الميزانية لفترة ثلاثة أشهر فقط أمر غير محمود متمنيا ألاّ يتمّ اعتماد ذلك باعتباره سوف يصعب المهام على الحكومة الجديدة لإيجاد هامش للتحرك من اجل تعبئة الموارد الضرورية. وحسب مختصين من الإدارة وخبراء اقتصاديين فإن هذا السيناريو سيء جدّا ومن شأنه أن يسيء إلى سمعة البلاد ومصداقيتها لدى مؤسسات التمويل الدولية وهو ما قد يؤثر على تصنيف البلاد وإمكانية التقليص من تصنيفها لدى مؤسسات الترقيم الدولية الأمر الذي سينعكس سلبا على فرص التمويل والحصول على القروض الخارجية لتعبئة الموارد المالية.