أثار الحديث مؤخرا عن الزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية من قبيل الحليب والقهوة والسكر والشاي وغيرها من المواد بداية سنة 2015 خفيظة العديد من أهل الشأن السياسيّ والإقتصادي حيث اعتبرها البعض «لغما في طريق الحكومة القادمة» فيما لم يستبعد آخرون أن تكون ثمرة «تنسيق بين حكومة مهدي جمعة وممثلي الحكومة القادمة لتجنّب تحمّل تبعات القرار مستقبلا» في حين رأى فيها خبراء ومراقبون تناقضا في سياسات الحكومة الحالية باعتبارها تطالب من جهة بهدنة اجتماعيّة لإيقاف غول الإضرابات ومن جهة أخرى تقرّر الترفيع في الاسعار ممّا من شأنه التأثير على المناخ الاجتماعي وتأجيج الاوضاع خاصّة أنّ منظّمة الدفاع عن المستهلك قد حذّرت من تبعات تدهور القدرة الشرائيّة للمستهلك ودعت إلى هدنة في الأسعار. «التونسيّة» تطرّقت إلى الموضوع ورصدت آراء سياسيين وممثلي منظّمات عرفت بدفاعها عن «الزواولة» فكانت الورقة التالية. قال فتحي الجربي عن حركة «وفاء» إنّ المشكل اليوم في سياسة الحكومات المتعاقبة هو كيفية رمي الكرة للآخر في المسائل التي تثير حفيظة المواطن البسيط للتملّص من تبعات القرار مبيّنا أنّ الترفيع في الأسعار اليوم هو نتيجة طلب رجال الأعمال وضغطهم على الحكومة مؤكّدا انّ سياسة الترفيع في الأسعار هي سياسة خاطئة تجّر بالبلاد إلى الهاوية خاصّة في ظلّ غياب الإتحاد العام التونسي للشغل الذي قال إنّه ساهم في ذلك من خلال صمته وافتقاره إلى إستراتيجيّة إقتصاديّة موضّحا أنّ هذا الإخير لا يهمّه سوى تموقعه ورغبته في المحاصصة على حدّ تعبيره. الحكومة مجبورة من جهته نفى رياض المؤخّر عن حزب «آفاق تونس» أن يكون هدف قرار الترفيع في أسعار بعض المواد الأساسية زرع الألغام في طريق الحكومة المقبلة او أنّه نتيجة التنسيق مع الحكومة القادمة لكي لا يتحمّل أيّ كان تبعات الزيادة في الأسعار مستقبلا لكنّه أوضح أنّ الحكومة الحاليّة وجدت نفسها مجبورة على ذلك لمواجهة العراقيل الإقتصاديّة مبيّنا انّ الإرتفاع في الأسعار فرضته عدّة عوامل أهمّها ارتفاع كلفة الإنتاج وإحتكار السوق والتوزيع وانهيار الدينار التونسي مؤكّدا أنّ الترفيع في سعر الحليب جاء بطلب من منتجي الحليب وتهديداتهم بالإضراب وأنّ ذلك جعل الدولة تخيّر الترفيع في سعره على فقدانه. من جهة اخرى أكّد المؤخّر انّ الإشكال اليوم يكمن في أنّ الزيادة في الأسعار تتمّ في اسعار المواد الإستهلاكيّة التي تشهد بدورها ارتفاعا ب8 بالمائة في السنة وأنّ ذلك مشكل، وعلى الحكومة القادمة أن تعمل على حلّه شأنه شأن مشاكل التوزيع التي تمكّن اصحابها من تحقيق هامش ربح مضاعف عن ذلك الذي يحقّقه الفلاح طيلة سنة من الزمن. قرار سيثقل كاهل المواطن امّا بوجمعة الرميلي القيادي ب»نداء تونس» فقد أكّد انّ حكومة مهدي جمعة هي حكومة قائمة الذات تتمتع باستقلاليّة قراراتها ممّا يعني انّه لا دخل لأيّ كان في قرار ترفيعها للأسعار لكنّه أشار إلى أنّ توقيت الزيادات غير ملائم وأنّ من شأنه ان يؤجّج الشعب الذي سئم الترفيع في الأسعار في ظلّ تجميد الزيادات في الأجور وتدهور المقدرة الشرائيّة. و أضاف الرميلي أنّه اجتماعيا لا يجوز اتخاذ مثل هذا القرار في الوقت الراهن لأنّه سيثقل كاهل المستهلك مبيّنا انّ الجميع على دراية بمشكل صندوق الدعم وأنه كان أجدر بأصحاب القرار التفاوض ودراسة الموضوع مع اطراف اخرى كالإتحاد العام التونسي للشغل ومنظّمة الأعراف ومنظّمة الدفاع عن المستهلك مؤكّدا انّ ذلك ضروريّ لما للقرار من تبعات ستنعكس سلبيّا على قدرة المواطن الشرائيّة. و شدّد الرميلي على أنّ البلاد في حاجة إلى حلول إستثماريّة خارقة للعادة في ظلّ الانفلات الامني وعدم الإستقرار شرط أن لا تكون على حساب ضعفاء الحال تجنّبا لخلق احتقان اجتماعيّ مؤكّدا انّ قرار الترفيع في الأسعار هو هديّة غير سارّة بالمرّة للحكومة القادمة وأنّه سيحمّلها مسؤوليّة ايّ قرار تتخذه. إجراءات لا شعبيّة لم نستغربها امّا علي الجلولي القيادي بحزب «العمّال» فقد قال: «في الحقيقة نحن لم ولن نستغرب الزيادات في الاسعار ومجمل الاجراءات اللاشعبية التي اتخذتها أو ستتخذها الحكومة القائمة، هذه الحكومة التي تواصل مثل سابقاتها تحميل فاتورة الازمة الاقتصادية للشعب أي لغير المتسببين فيها، وطبعا المتسبب في الأزمة هي الخيارات المُتّبعة والواقفون وراءها دولة ومؤسسات وطبقات ثرية. ونحن في «حزب العمّال» نعتقد جازمين أنه طالما ظلت الخيارات المتبعة هي نفسها، فان الاجراءات ستبقى هي نفسها وهي إثقال كاهل الفقراء من أجراء وكادحين ومهمشين بزيادات متتالية في الاسعار بما فيها أسعار مواد الاستهلاك الاساسية وقد أعلنت وزارة التجارة عن زيادة سعر لتر الحليب بداية من شهر جانفي 2015، علما أن هذه الوزارة شنفت اذاننا بكون بلادنا حققت الاكتفاء الذاتي من هذه المادة ولم تعد تلتجأ للتوريد. اذا ففي الوقت الذي ينتظر الفقراء تخفيضا في سعر الحليب أو على الاقل المحافظة عليه(1.060مي الآن) هاهي «تهدينا» زيادة ب60 مليما بمناسبة العام الجديد، ونفس الامر حول الطماطم المعجون ومعاليم الكهرباء...،أما عن التساؤل عن توقيت هذه الزيادات وان كان المقصود منها تعقيد مهام الحكومة المقبلة، فهذا في اعتقادنا لا قيمة له بل هدفه إلهاء الناس بمسائل ثانوية ووهمية عوض اعتنائهم بالاسباب الحقيقية للزيادات وهي الارتهان لنفس خيارات التفقير والاستغلال، وعوض اعتناء الشعب التونسي ببنود قانون المالية وميزانية العام الجديد التي أتت كميزانية لمزيد انهاك جيب التوانسة بمواصلة التخفيض في ميزانية الدعم بدعوى الترشيد، ومواصلة الضغط على الانتدابات والتشغيل والاستثمار في التنمية، مقابل مزيد التداين وخلاص الديون العفنة لنظام بن علي. نحن نعتقد ان هذه الزيادات وغيرها من الاجراءات اللاشعبية انما ترتبط رأسا بطبيعة هذه الحكومة التي لا تختلف جوهريا عن كل الحكومات السابقة لها، وستكون حكومة «النداء» والمتحالفين معه من نفس الطينة لان الجوهر هو نوعية السياسات المتبعة، فطالما لم تكن هناك مراجعة للسياسة الجبائية تقوم على العدل وعدم حصرالنصيب الاكبر من الضريبة في الاجراء، وطالما لم تتحمل الدولة مسؤوليتها في النهوض بالاستثمار العمومي في المناطق المحرومة، وطالما لم تتخذ إجراء وطنيا يتمثل في التوقف عن دفع ديون اللصوصية في انتظار التدقيق فيها، وطالما لم تتخذ اجراء شعبيا يتمثل في تجميد الأسعار، فان أوضاع الشعب ستسير نحو مزيد من التدهور بما قد يفرض عليه مجددا الخروج للشارع دفاعا عن لقمة العيش وعن كرامته التي لا معنى لها ان كان جائعا ومحروما. اننا في «حزب العمال» لا نرى لآلام الشعب نهاية إلا بخيارات تنموية جديدة، خيارات شعبية وطنية تراعي أوضاع الفقراء وتحقق العدالة وهو ما عبرت عنه المقترحات والبدائل والبرامج التي اقترحتها «الجبهة الشعبية» بما فيها ما اقترحه نوابها في البرلمان بمناسبة نقاش ميزانية العام الجديد وخاصة ما يهم تجميد الاسعار والزيادة في الاجور والتشغيل والتنمية الجهوية، خارج ذلك فان أياما صعبة تنتظر قفة المواطن ومعيشته والعديد من الخبراء بدأوا في التنبيه لما ينتظر شعبنا من اجراءات ستزيد أوضاعه سوءا وعيشه ضنكا. «أسلوب بن علي» من جانبه قال سامي الطاهري إنّ الإتحاد العام التونسي للشغل طرح مشكلة الأسعار ضمن النقاط الثمانية التي اثارها عند مناقشته لميزانيّة 2015 مؤكّدا انّ الإتحاد عبّر مرارا عن رفضه للترفيع في أسعار المواد الأساسيّة والمحروقات لكنّه لم يقع سماع موقفه وتمّ تعديل الميزانيّة في وقت قياسيّ وبطريقة مستعجلة مؤكّدا انّه تمّ الإتفاق منذ جوان 2014 على التهدئة لكن المفاجآت الغير سارّة كانت في الموعد ممّا يوحي بوجود مشكل في سياسة الحكومات المتعاقبة. و أكّد الطاهري انّه كان من الضروري إتخاذ إجراءات سياسيّة لا شعبيّة من شأنها الحدّ من ظاهرة التهريب والاحتكار والتهرّب الجبائي لا إثقال كاهل المواطن والتضييق عليه في قوته وحياته. و انتقد الطّاهري اتخاذ مثل هذا الإجراء في الوقت الراهن المتزامن مع إنشغال الناس في التحضير لنهاية السنة وللانتخابات الرئاسيّة في دورها الثاني مؤكّدا انّ هذا يتأتى في خانة تصيّد الفرص لتمرير الزيادات وهو امر كانت تتبعه الحكومات السابقة بما فيها حكومة بن علي مشيرا إلى أنّ هذه المسالة لا يمكنها إلا صناعة التوتّر وتأجيج الوضع الاجتماعي. لا بدّ من التريّث من جانبه قال سليم سعد الله إنّ الحكومة لم تقرّر رسميّا الترفيع في الأسعار لكن مدير مجمع اللحوم والألبان أثار بتصريحاته حول الزيادة في سعر الحليب بداية من 2015 موضّحا أنّ القرار بُرمج منذ أشهر لكنّه ترك للتفاوض فيه مع الحكومة القادمة مؤكّدا أنه كان لحكومة مهدي جمعة نيّة الزيادة في سعر الحليب لكن في اجتماع جمع منظّمة الدفاع عن المستهلك مع ممثلي كلّ من وزارة الصناعة والفلاحة والتجارة تمّ التأكيد على أنه لا يمكن للمواطن تحمّل أعباء هذه الزيادة وتمّ تثقيلها على صندوق الدعم للثلاث اشهر المنقضية بعد التفاهم مع حكومة مهدي جمعة وترك القرار للحكومة القادمة لكن تصريحات مدير مجمع اللحوم والألبان اجّجت الوضع وجعلت البعض يحتكرون كميات كبيرة من الحليب أو الشروع في بيعه بالسعر الجديد داعيا الجميع إلى الحذر في تصريحاتهم منبّها من خطورة هذا التصرّف مطالبا الجميع بضرورة التبليغ لدى مصالح وزارة التجارة أو منظمة الدفاع عن المستهلك عن كلّ من يخالف الاسعار الحقيقية لبيع الحليب.