قدم مساء السبت الفارط المخرج يوسف الصيداوي عرض لمسرحته " القناصة " و ذلك بفضاء التياترو بالعاصمة امام جماهير غفيرة غصت به القاعة و خلفت تعاليق و اراء متعددة تشكر كل من شارك في هذا العمل الممتاز الذي يعد الاول من نوعه في تونس على اعتبار و ان المخرج قدم بأسلوب طريف اعتذاره لجميع الحاضرين الذين لم يتمكنوا من الحصول على اماكنهم و وعدهم بتجاوز المسالة و مشاهدة العرض من جديد. المشهد الأول من المسرحية جسد مهمة قناصين و هما ينطلقان فوق سطح أحد المنازل و هما يحملان بندقيتين قبل ان تتواتر الاحداث في الأداء وإلقاء النص في صورة تبرز مدى حنكة المؤلف عماد الساكت في الانتقال بموضوع النص من طرح اجتماعي سياسي حساس للغاية إلى طرح كوميدي قابل للاستيعاب والفهم والتقبل ورؤيته بمنظور آخر تعالج هموم الشعب القديمة الجديدة بأسلوب مضحك وساخر ونقدي في الوقت ذاته مما جعل الجمهور تتراوح ردود افعاله بين الضحك من نوادر القناصين وبين التصفيق في كل لحظة وضع فيها البطلان إصبعيهما على داء أو جرح. كما كان ايضا لعرض "القناصة" أسلوب جميل في الإخراج المعتمد فيه والذي كان خاليا من التعقيدات التي سئمها الجمهور فكان إخراجا بسيطا ليس بالبساطة المستهجنة أو التي تنم عن جهل في الإخراج بل هي بساطة جعلت من العرض يبدو خفيف الظل على قلوب المتفرجين،جمعت بين مكونات العرض ضمن تناسق وتناغم جميل يجعل المتفرج المسرحي والعادي بالخصوص يكون مكتفيا وراضيا. والطريف في المسرحية ايضا هي الشخصيتين اللتين تعتقدان أنه كلما ازداد عدد الشهداء ازداد الغضب الشعبي وكلما ازداد الغضب الشعبي ازدادت الثورة خطوة نحو النجاح بل ويذهبان إلى أكثر من ذلك فلولا وجود القنّاصة والشهداء لا يمكن أن تنجح الثورة ولا يمكن للتاريخ أن يدون ثورة خالية من الثورة والقنّاصة. كما ان مسار المسرحية يكتسي بعدا عبثيا لا يرتبط بوحدة الحدث أو الفعل والزمن و تم التركيز على عنصر التشويق والغموض لتقديم جملة من المواقف الكوميدية الطريفة المرتبطة أساسا بمحاولة تحقيق تشابك مرئي بين عالمين متناقضين عالم الآن وهنا منه لتسليط الضوء على الأسباب الخفية التي جعلت من القناص يمسك فيه سلاحه للنيل من ضحاياه والعالم النفسي الداخلي المرتبط بمخيلة هذا القناص وما يدور في عقله. المفاجئة الأخيرة في العرض جاءت من طرف الممثلين محمد اللافي وعماد الساكت اللذين اكتفيا – عمدا - بعد إعلان انتهاء مهمة "القناصة" بتغيير ملابسهما والنزول إلى القاعة ثم التصفيق وكأنهما متفرجان عاديان و لم يصعدا للركح لتحية الجمهور و ذلك للتاكيد على ان حكاية "القناصة" في الثورة التونسية بقيت بين الحقيقة و الخيال وبذلك كان غياب التحية نهاية مفتوحة ذكية واقعية لعرض "القناصة". و في خلاصة لهذه العمل المسرحي الكوميدي المضحك الذي قدمته شركة " كودفورد " فقد نال اعجاب كل الحاضرين و كان اكثر الاعمال ذكاء وطرافة و ظرافة في التعامل أو نقل هذه الأحداث. و هي مسرحية من تأليف عماد الساكت و من إخراج يوسف الصيداوي وتمثيل محمد اللافي وعماد الساكت وإضاءة رياض التوتي وموسيقى فاخر بن خالد وسينوغرافيا نزار بن خضرة و ملابس نور الدين مهذب ومساعد مخرج فاتحة المهدوي وإدارة إنتاج الطاهر رفراف.