بعد المشاورات سيكون للكفاءات السياسية حضور أوضح في الحكومة تشكيلة الصّيد جاءت غريبة لن تعمّر أية حكومة لا تقرأ حسابا ل «النهضة» حاوره : عبد السلام لصيلع مازالت نتائج المشاورات الجديدة التي يقوم بها السيد الحبيب الصّيد غير واضحة ومازالت البورصة السياسية في البلاد بين المدّ والجزر في غموض كامل. وفي محاولة لمعرفة ما يجري التقت «التونسية» الدكتور خالد شوكات عضو المكتب التنفيذي لحزب «نداء تونس» وعضو مجلس نواب الشعب في حوار سلّط فيه بعض الأضواء على حكومة الحبيب الصّيد المنتظرة، والملابسات التي تحيط بها، وتطرّق ضيفنا الى الأوضاع الداخلية ل «النداء» كما تحدّث عن أولويّة الأولويات للحكومة القادمة.. وعن مستقبل التجربة الديمقراطية في تونس، بالاضافة الى مواضيع أخرى عامّة. تفاصيل الحوار في السطور التالية: لماذا سقطت حكومة الحبيب الصّيد قبل وصولها الى البرلمان؟ - أهمّ ما يجب الانتباه إليه في هذه الازمة، القيمة التي أضحى عليها البرلمان في نظامنا السياسي الجديد، أي ديمقراطيّتنا البرلمانيّة الناشئة، فلأوّل مرة منذ الاستقلال وقيام دولتنا الوطنية ترهب حكومة مشكلة من السلطة التشريعية وتقرر الانسحاب قبل مواجهتها. لقد قدّر رئيس الحكومة المكلّف في اللّحظة الأخيرة أن تشكيلته الحكومية ضعيفة ولا تملك الضمانات الكافية لنيل ثقة النواب، وليست محل مساندة من قبل أغلب الكتل والاحزاب السياسية، وقرّر أن يمنح نفسه فرصة للمراجعة والتعديل والاستفادة من الملاحظات المبداة قبل العودة الى باردو واجتياز اختبار الثقة من جديد. وهذا الدرس سيكون عبرة لكلّ رئيس حكومة مكلّف في المسقبل، مفادها أن مجلس نوّاب الشعب أضحى حجر الرّحى في حياتنا السّياسية. ما الذي سيقع بعد عودة الحبيب الصّيد الى المشاورات وكيف ستمضي التّطوّرات؟ - أعتقد أن رئيس الحكومة المكلّف أدرك أنّ المضيّ الى البرلمان بلا سند نيابي كاف سيجعل من حكومته ضعيفة غير قادرة على العمل مستقبلا، فقد كلّف انطلاقا من كونه قادرا على ضمان أغلبية نيابيّة واسعة، لكن تشكيلته المعلنة جاءت غريبة جدّا، فهي لم ترض حركة «النهضة» ولم تنل تقدير «الجبهة الشعبية»، ولم تضم عمليّا الى جانب «نداء تونس» سوى «الاتحاد الوطني الحرّ» الذي تلاحقه وصاحبه تهم وشبهات كثيرة. ومن هنا فإن مشاورات الحبيب الصيد الجديدة ستعمل على ضمان نيل ثقة الحكومة الجديدة أحزابا جديدة، وأن تكون للكفاءات السياسية فيها مكانة أوضح، وأن يكون برنامجها وانسجام فريقها أكثر إقناعا. لكن كيف ستحوز الحكومة على أغلبيّة مريحة في مجلس نوّاب الشعب؟ - تجربتي خلال الاسابيع الماضية في المجلس النيابي تجعلني أكاد أجزم بأن أيّة حكومة لا تقوم على تسوية مرضية مع حركة «النهضة» لن تعمّر طويلا أو تتمكن من تمرير مشاريع القوانين والاصلاحات الهيكلية الضرورية لعملها، وعندما أقول تسوية فإنّني أتحدث عن اتفاقات بين الطرفين مفتوحة على خيارات عدة وملزمة لأصحابها ودون هذه التسوية سيكون العمل الحكومي غير قويّ أو مستمرّ، وفي كلّ الاحوال سيكون عاجزا عن تحقيق آمال التونسيين وانتظاراتهم، ودون قيمة اللحظة التاريخية التي نعيش والتي تؤهل تونس لقيادة العالم العربي الاسلامي نحو دورة حضارية جديدة وإحداث القطيعة النهائية مع التاريخ السلطاني وبراديغم الطاعة المؤذي. ما هو الأفضل لتونس في هذه المرحلة: حكومة حزبية أو حكومة وحدة وطنية أم حكومة ائتلاف وطني موسّع؟ - التسمية ليست هي الأمر المهمّ. المهمّ برأيي أن تكون الحكومة مستقرّة قويّة ذات رؤية واضحة وبرنامج جريء شجاع قابل للتطبيق وفريق عمل منسجم مصمّم على النجاح ويتوفّر على الكفاءة والارادة والعزيمة والايمان بقدرات هذا الشعب الجبّار. والشعور الذي يتملكني أن عقد النخبة السياسية ، النفسية والإيديولوجيّة هي التي تدفع لولادة حكومة بغير هذه الملامح ستعمل - لا قدر الله - لأشهر ثم نكتشف بعدها أنّنا ضيّعنا وقت الامّة وأننا واصلنا السير في طريق الترقيع على غرار ما كان عليه الحال طيلة سنوات ما بعد الثورة. ألم يكن من المفروض أن يشكل «نداء تونس» حكومة من داخله مثلما يقع في الدول الديمقراطية لأنه الحزب الفائز في الانتخابات؟ - فاز يوم الاحد الماضي حزب «سيريزا» اليساري الرديكالي المعادي للاتحاد الاوروبي في الانتخابات البرلمانية اليونانية بنفس النسبة التي فاز بها حزب «نداء تونس» في انتخابات 26 أكتوبر الماضي، لكنّ الحزب اليوناني شكّل حكومته في يومين ومنح جلّ وأهمّ حقائبها لقياداته، خلافا ل «نداء تونس» الذي خضع للتهديدات والاتهامات بالتغوّل، وتنازل عن واجباته ومسؤولياته وأوصل نفسه الى حالة قد يواجه فيها بتهم التنكر لوعوده. شخصيّا كنت أفضل أن يبدّد مخاوف التغول بطريقة أخرى وأن يمضي الى تطبيق برنامجه الانتخابي بنفسه وأن يراهن على قياداته لتحقيق التغيير الذي وعد به التونسيين وعلى أساسه نال المرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية. دكتور، ماذا يجري داخل «النداء» بعدما تركه الباجي قائد السبسي؟ - يعرف الجميع أن الباجي قائد السبسي لم يكن قائدا عاديا بالنسبة لحركة «نداء تونس»، لقد كان سي الباجي «المجمع» وهو بمثابة عمود البيت الذي بغيابه سينهار السقف بالضرورة. ولا شكّ أن الامتحان الذي يعيشه «نداء تونس» اليوم بغياب مؤسسه المغادر الى رئاسة الجمهورية، امتحان عسير لا نتيجة معه إلّا أن ينجح الندائيون في بناء حزب ديمقراطي مؤسساتي حقيقيّ أو يفشل وتذهب ريحه. وأمام «النداء» فرص فعلية للنجاح لو اعتصم قادته بالحكمة والخلق الديمقراطي القويم، أما لو تحكم فيهم منطق الغنيمة والرؤية الضيقة والانانية فإن هذه الحركة التي تأسست قبل سنتين ونصف وفازت باستحقاقين انتخابييّن كبيرين قد تجد نفسها بعد فترة على هامش الحياة السياسية. ما هو الجديد بالنسبة لمؤتمر «النداء» التأسيسي؟ - لقد قلت أكثر من مرة وفي مناسبات عدّة إن «نداء تونس» سيظلّ مشروع حزب مالم يعقد مؤتمره التأسيسي، فالأحزاب السياسية كانت دائما صنيعة مؤتمراتها. ومؤتمر حركة «نداء تونس» هو أهمّ إختبار وجود ستتعرض له، والطريق الى المؤتمر لن تكون سهلة بل هي طريق وعرة مليئة بالعقبات والاشواك والتحدّيات، والذي يزيد الأمر تعقيدا ضرورة عقد هذا المؤتمر في أقرب الآجال حتّى يجد حلولا للمشاكل التنظيمية والفكرية والسياسية والقيادية المطروحة عليه. ما أعرفه أن هناك شبه إجماع داخل مؤسسات الحزب القيادية على ضرورة عقد المؤتمر قبل حلول الذكرى الثالثة لتأسيس الحزب، خصوصا لملء الفراغ الذي سيخلّفه رحيل قياداته نحو قرطاج أو القصبة. ما هي حسب رأيك أولويات الحكومة القادمة خلال المائة يوم الاولى؟ - أولوية الاولويات للحكومة الجديدة خلال الثلاثة أشهر الاولى أن تعطي للتونسيين الدلائل على جدّيتها في إحداث تغيير حقيقي كبير في حياتهم، من خلال الاقدام على اتّخاذ إجراءات شجاعة بل صادمة في مجالات كالتشغيل والامن والتعليم والصحة والاستثمار، تؤكد أن القائمين عليها واعون بحجم المشاكل التي يعيشها وطنهم ومصمّمون على سلك سبيل إنقاذيّة لا ترقيعيّة. هل بدأت تتّضح التحالفات السياسية في البرلمان؟ - البرلمان ليس هو المحدّد في صناعة التحالفات السياسية بل الحكومة الجديدة، فعندما تعرف تركيبة هذه الحكومة سيتحدّد من هي الاحزاب التي ستكون حاكمة ومن التي ستشكّل المعارضة. لكن من الاهمية الاشارة الى أن الوعي السائد داخل مجلس نواب الشعب، أي لدى غالبية أعضائه، أن النواب يجب أن يكونوا كما ورد في الدستور نوّابا عن الشعب التونسي برمّته، أحزابهم يجب أن تحلّ لديهم في مقام ثان، وأن المؤسسة التشريعية يجب أن تمارس دورها رغم اختلاف مكوناتها بقدر من الاستقلالية عن المؤسسة التنفيذية، وألّا تتراجع عن دورها لاعتبارات حزبية في مساءلة الحكومة ومراقبتها، ومن هنا فقد تمكن البرلمان من بناء تحالفات سهّلت عليه مهمّة اختيار مكتبه الرئاسي ( الرئيس ونائباه). كيف ترون مستقبل التجربة الديمقراطية في تونس، وهل خرجب البلاد من وضعها الانتقالي؟ - كنت وما أزال أؤكد على أهمية الخمس سنوات القادمة في تقرير مستقبل الديمقراطية التونسية الناشئة، فالديمقراطية ستظل دائما إن لم تنجح في إقناع التونسيين أن بمقدورها تغيير حياتهم نحو الافضل، وأن بمقدورها جعل حياتهم أكثر رفاها وضمانا لمستقبل أبنائهم في دائرة الخطر، قد ينقلب عليها في أيّة لحظة، وسيجد المنقلبون تأييدا شعبيا لجريمتهم، فالميزة التي تتوفّر عليها الديمقراطية أن لديها القدرة على توفير الخبز والحريّة معا للمواطنين. إن تجربتنا الديمقراطية مطالبة بمواجهة تراث استبدادي يزيد عن أربعة غشر قرنا، وأزمة أخلاقية وأمراض كثيرة تكاد تكون مزمنة تخترق جسد النخب السياسية التونسية، ومجموعة مفاهيم مختلّة سائدة عن الاحزاب والائتلافات والتداول علىالسطلة والنظر للأقليات.. وإلى آخر ذلك. فأمام تونس فرصة لتكون رائدة في منطقتنا، وقائدة للتاريخ العربي الاسلامي نحو الانعتاق، وهي تستحق هذه المكانة، ومؤهلة لذلك بالنظر إلى أن عمر حركتها الاصلاحية يفوق القرنين، ومكانة التعليم والمرأة في واقعها. هل صحيح أنه وقع عرض حقيبة وزارة الثقافة عليك في التشكيلة الحكومية الجديدة؟ - أنا اهتمامي كان منصبا على وجود رؤية وقيادة يضمنان وجود حكومة قادرة على تحقيق انتظارات التونسيين والاستجابة لمتطلبات المرحلة، وملاحظاتي لم تكن ويوما ملاحظات شخصية متعلقة بطموح سياسي ذاتي بقدر ما حاولت أن أتوجه بأفكار ومقترحات من شأنها تحقيق برنامجنا كحزب أنتجه التونسيون أملا في إنجاز ما عجزت عنه الحكومات السابقة. فالاهم عندي هو أن تكون هناك قيادة منسجمة ومتماسكة وفاعلة. وأرى أن هذه القيادة لا يمكن أن تتوفر إلّا في الاجيال الشابة المليئة بالطاقة الايجابية والافكار المجدّدة والخلاقة ولم أكي ولن أكون قلقا في ما يتعلّق، بأنني سأتبوّأ يوما ما الموقع الذي أساهم فيه لتحقيق مشروع حضاري وطني ينقل تونس من دائرة الدول النامية الى صفوف الدول المتقدمة.