فؤاد العجرودي: بعد عقدين من الزمن بين مهنة المتاعب الحارقة للأعصاب ودواليب الحكومة المستنزفة للطاقة بلا حدود.. يبدو أني أحتاج اليوم إلى إعادة اكتشاف وطني من جديد. لطالما اعتقدت أني خبرت الكثير عن تونس والتونسيين وأنا الذي جلت طويلا بين العمق الشعبي والبلاطات لكني لم أتصور لحظة في حياتي أن أصادف «سوقية» كئيبة صادمة كتلك التي تحدث بها مسؤول بمكتب الاحاطة بالمؤسسات صلب وزارة الصناعة. «سوقية» لم أسمعها في «أتعس» الفضاءات ولكني أضطر اليوم إلى أن أتقبلها بصدر رحب من الدولة.. نعم الدولة التي من المفروض أن تعطي المثال في رفعة الأخلاق واحترام القانون... وفي ذلك جوهر شرعيتها ونفوذها ونجاعتها! وتلك مرتكزات ما يعرف ب «هيبة الدولة»! لقد نشرت «التونسية» مؤخرا تحقيقا عنونته «تشريعات تحمي القلابين» يبسط أمام الحكومة قضية جوهرية تتعلق بمدى تطابق المنظومة التشريعية الوطنية مع متطلبات الاقتصاد المفتوح وآليات السوق ولاسيما مسألة شفافية المعلومة الاقتصادية وتقفى آثار تنقل المكاسب وهي مسائل تكتسي أهمية بالغة في تدعيم جاذبية مناخ الأعمال وبالتالي نسق خلق الثروات إلى جانب ديمومة المؤسسات الوطنية التي تحتاج اليوم صراحة الى آليات جديدة «تحجر» الافلاس اما يتغيير النشاط أو المستثمر . وفي هذا الاطار تحدثت «التونسية» إلى أطراف عدة منها مدير في المكتب المذكور أعتقد جازما أنه لم يمنحنا سوى 10 ٪ من مضمون الملف الذي يشرف عليه هذا المكتب ولاسيما المتعلقة بأساليب إفلاس المؤسسات. ومع ذلك فقد زمجر المدير المذكور وأزبد وأرعد وهو يتحدث على الهاتف إلى صحفية أسهمت في انجاز التحقيق وهي بمثابة ابنة لي.. توعد بإحالتها إلى السجن وصمّ أذنيها بشتى عبارات التهديد والوعيد محتجا على مضمون التحقيق... قبل أن يفاجئنا بعبارات ما أنزل به الله من سلطان على موقعه على الشبكة الاجتماعية.. عبارات أترفع عن سردها احتراما للذات أولا والقارىء ثانيا واكتفى بذكر أقلها قبحا وهي عبارة «صحافة المجاري». إن ردة الفعل تلك الخارجة عن التاريخ والجغرافيا معا زادت في اقتناعي بأن معركة الحكومة الحالية هي بالأساس من الداخل.. عبر وقف حد لنزيف التسيب واللامبالات الذي لم ينشأ من فراغ بل كان نتاج هجمة شرسة على الدولة بكل مكوناتها وأبعادها.. إن أول رهان أمام حكومة الصيد هو إعادة الانضباط الى الادارة وإحياء مفهوم الدولة الذي كاد يندثر بفعل جلوس الكثير من المعادين لها على الكراسي الأولى على امتداد السنوات الكئيبة الأخيرة. عفوا معالي وزير الصناعة إنك لن تعيد الحياة الى قطاعين بارزين هما الصناعة والطاقة مالم تبدأ من هنا.. أصل الداء إسمه «التسيّب» و«الانحطاط» في عقر بيت الدولة.