إعدام 35 طنّا من «الموالح» المتعفنة وخبز «فاسد» يصبح «لبلابي» التونسية (تونس) قد تكون «الفضائح» التي كشفها مؤخرا لفيف من أجهزة الرقابة في مناطق متفرقة من ولاية أريانة اختزلت الآثار العميقة لحالة الوهن التي طالت مفاصل الدولة على امتداد الرباعية الأخيرة. بل إنه يبدو جليا اليوم أن استشراء مفهوم الإفلات من العقاب ومحاولات الإرباك التي طالت أجهزة الرقابة خلال السنوات الأخيرة كادت تعصف بمرتكزات الأمن الصحي القومي وتعيد البلاد إلى حقبة أمراض التخلف بعد أن اكتسبت منظومة صحية صلبة تضاهي ما هو موجود في كثير من البلدان المتقدمة. عودة الرقابة تلك الفوضى العارمة هي اليوم آخذة في التفكك مع العودة القوية لأجهزة الرقابة منذ تشكل حكومة الصيد رغم الكثير من مظاهر التشويش التي استهدفتها وبدا جليا أنها جاءت نتاجا لاستنفار «المستكرشين» إزاء استعادة الدولة لزمام المبادرة. تفكيك هذا العالم يؤدي كل يوم على كشف معالم «فضيحة» من الحجم الثقيل وقد لا يصدق الكثير أنها تحصل في تونس سلع متعفنة تصل إلى بطون الناس في كل شبر وحين. جهاز الرقابة الاقتصادية التابع للإدارة الجهوية للتجارة بأريانة والمعروف باحترافه للضربات الكبرى توغل مؤخرا بالتعاون مع جهاز الشرطة البلدية وإدارة حفظ الصحة التابعة لوزارة الصحة مسافات طويلة داخل عالم الغش ومافيا المخازن المشبوهة. دجاج فاسد 3 أطنان من الدجاج «الفاسد» كان يغطيها النمل وضعت كما اتفق في صناديق بلاستيكية داخل مسلخ عشوائي ضبطها مؤخرا ذاك اللفيف من أجهزة الرقابة في منطقة سيدي ثابت من ولاية أريانة. لكن حكاية «النمل» تلك بدت بمثابة لا شيء أمام هول ما اكتشفته أجهزة الرقابة التي حجزت مؤخرا 35 طنّا من السلع الفاسدة داخل مصنع عشوائي بمنطقة حدائق المنزه اختص في إنتاج «الموالح» ديدان و«ثعابين» صغيرة كانت تغطي أجزاء واسعة من المنتوجات التي كانت مخزنة داخل براميل حالتها «ما أنزل بها الله من سلطان» وتسبح في بركة من المياه الآسنة التي تغطيها طبقة سميكة من الأدران والفطريات أما حالة المبنى ذاته فقد اختزل همومها القول بأنها أشبه ما تكون بتلك السجون الكثيفة في بعض مناطق أمريكا اللاتينية. منكهات متعفنة أما في سكرة فقد ضبط جهاز الرقابة الاقتصادية بأريانة بالتعاون مع الشرطة البلدية والرقابة الصحية 28 ألف لتر من المشروبات الروحية داخل مصنع يفترض أن يحترم التراتيب الصحية وتبين لاحقا أنها ممزوجة بمنكهات منتهية الصلوحية منذ أمد بعيد وتشكل بذلك مخاطر صحية جسيمة على من يتناولها. فضائح الغش المدوية امتدت إلى مادة العجين الغذائي حيث تم مؤخرا بمنطقة الغزالة ضبط 12 طنا من هذه المادة «ماقرونة»تم استيرادها من سنغافورة وتبين أنها منتهية الصلوحية... علما وأن الخطورة التي اتسم بها هذا الملف أفضت إلى إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضدّ المورد. شبكات دولية وفيما بينت التحريات أن توريد الكميات المذكورة قد تم فيها احترام كل الإجراءات الإدارية والجمركية فقد لاحظت أن عملية التوريد تمتد أياما قليلة قبل انتهاء المدة القصوى للصلوحية وهو ما يؤكد أن تونس لم تعد مستثناة من ظاهرة معروفة على الساحة العالمية وهي تعمد مؤسسات دولية كبرى تعريف منتوجاتها شبه فاسدة أي التي اقترب أول انتهاء صلوحيتها في بلدان الجنوب وذلك عن طريق شبكات احترفت الأتجار في هذا الصنف من السلع وتحقق أرباحا طائلة بفعل هامش الربح الكبير الذي تحصل عليه من المصنع. أما داخل مطعم بمنطقة المنازه فإن أعوان المراقبة الذين يجرون وراءهم سنوات طويلة من الخبرة شاهدوا خلالها فضائح كثيرة فأن البعض منهم لم يستطع مقاومة أثر الصدمة لحوم ومواد غذائية مختلفة ملقاة على أرضية تغطيها الأوساخ فيما «الخبز» يكسوه «الإخضرار» بعد أن غمزت الفطريات من كل حدب وصوب لكن صاحب المطعم الفاخر ألحّ إلاّ أن يطيل في أنفاس تلك البطائح المتعفنة ومنتهية الصلوحية ويقدمها ضمن مكونات أكلة «اللبلابي» العظيمة. ثراء فاحش هكذا استشرى الغش في تونس وصار العبث بصحة الناس مصدر ثراء فاحش لبارونات «السلع الفاسدة» بل إن الأخطر من ذلك هو «الانفجار» الغريب للمخازن والمصانع العشوائية التي تتواتر كالفطر في كل الأحياء وتمارس داخلها أخطر أساليب الغش بلا أي واعز أو شفقة وتتدفق السموم في بطون الناس. إن تلك السلع المتعفنة والتي قامت أجهزة الرقابة بإعدامها رغم الظروف القاسية ودرجة التعفن المقززة التي أردركتها عديد التجوزات تؤشر لكون المعركة ضدّ الارتداد إلى التخلف الذي بلغ مداه في الرباعية الأخيرة مازالت ستستنزف كثيرا من التركيز والجهد والجرأة وأن أجهزة الرقابة بشقيها النظامي والإداري هي في الصفوف الأولى وإلى مضيها قدما في فتح المخازن والفضاءات التي كانت «محصنة» سيغير كثيرا من الأشياء.