تسعى بعض الأطراف التجمعية والدستورية إلى تشكيل لجنة حقوقية للطعن في القرار القضائي الصادر نهاية 2011، والقاضي بحل حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» ومصادرة جميع ممتلكاته وأمواله، على خلفية أن هذا القرار غير قانوني ومسيّس، وفق تعبيرها. ومن المنتظر أن يتولى محامون الإشراف على هذه اللجنة وتقديم طعون جديدة ضد قرار الحل، علما أن النية لم تتبلور بعد كمبادرة قانونية واضحة المعالم ومازالت قيد النقاش والدرس في الكواليس بين الأطراف المذكورة. وفي اتصال هاتفي أكدت المحامية عبير موسي أن قرار حل حزب «التجمع» غير قانوني لأنه ناتج عن ضغوطات من أطراف سياسية معينة خصيمة للتجمعيين. وأضافت أن قرار حل الحزب وتصفية ممتلكاته الصادر سنة 2011 كان قرارا سياسيا بامتياز ويضم إخلالات بالجملة في الأصل والشكل حسب قولها. وأوضحت عبير موسي، أن الدفوعات الأصلية في هذا القرار مجانبة للحقيقة وخالية تماما من كل إثباتات التهم التي تم توجيهها للحزب والتي تم بمقتضاها تفعيل قرار الحل كتغيير القيادة دون إشعار وزارة الداخلية وارتكاب العنف وغيرها من الإتهامات الأخرى على حدّ تعبيرها. وتابعت أنه «لا وجود لأي تكليف قانوني ورسمي من المكلف العام لوزير الداخلية آنذاك لحل «التجمّع»»، مؤكدة أنه بعد إثارة الملف على منابر الإعلام تم إظهار قرار التكليف الذي علم به المحامون وقتها عبر وسائل الإعلام، وأن المكلف العام حضر بصفة شخصية خلال الطور الإستئنافي للقضية. وشددت على أن قرار حل الحزب الحاكم في عهد النظام السابق «فضيحة قانونية بكل المقاييس». شبهات وأوضحت عبير مُوسي أن هناك شبهة كبيرة حول مسألة تكليف المكلف العام لوزير الداخلية بحل التجمع من عدمه، مبينة أن قرار الحل هو قرار سياسي بامتياز لأن الملف برمته فارغ من الناحية القانونية، وأن الهدف وقتها كان شيطنة الحزب الحاكم، عبر إستهدافه سياسيا وإعلاميا. ولاحظت موسي أن حل «التجمّع» شتت العائلة الدستورية وحوّلها إلى ملل ونحل، موضحة أن التونسيين اليوم بصدد القيام بمراجعات وتقييمات بين الحاضر والماضي بطريقة موضوعية وبمنأى عن الثورجية. واستطردت أنه لا أحد يرغب في إرجاع البلاد إلى الخلف لأنه من الضروري النظر إلى المستقبل عبر تقييم الماضي بإيجابياته وسلبياته وبدون نفاق أو إنتهازية أو «قلبان فيستة» على حدّ تعبيرها. وبخصوص إمكانية تقديم بعض التجمعيين طعون جديدة في قرار حل حزبهم، قالت عبير موسي إن الإشكال يكمن في أنه تم سابقا رفض استئناف الحكم، وأنه في حال تقديم طعون جديدة في هذا القرار، فإن هذا الأمر يستوجب أن تكون هذه الطعون غير عادية. ولاحظت أنها سمعت كغيرها بأن هناك حديثا حول هذا التمشي وأن تفاصيله تبقى غير رسمية وغير واضحة إلى حد الآن. «التجمّع» ولّى وانتهى في المقابل، اعتبر المحامي عبد الرؤوف العيادي قرار حل «التجمّع» قرارا قضائيا باتا وغير قابل للطعن. وأكد أن إثارة هذا الملف أو الجدل حول وجود مساع لتقديم طعون غير عادية في هذا الخصوص «حديث فارغ يهدف إلى إلهاء الرأي العام» على حدّ تعبيره. وعن وجود ثغرات قانونية في هذا الملف، قال العيادي إن «الثورة» هي من قضت بإسقاط النظام السابق وحزبه الحاكم، مشددا على أن قرار حل «التجمّع» باتّ وليس بالإمكان استئنافه، رغم أن هذا الأخير «ما زال يحكم». مجرد تصوّر الأزهر الضيفي عضو مجلس النواب في عهد بن علي، أشار من جانبه إلى أن إمكانية إعادة محاكمة «التجمّع» تبقى مجرد تصور لم يتبلور بعد، مضيفا أن هناك مبادرات فردية في هذا الإتجاه، وأنه تم تكليف مختصين في القانون لدراسة القضية من كل جوانبها القانونية. وأكد أن تعليق قرار حل حزب «التجمّع» لا يمكن أن يتم إلا بالإستناد إلى فقه القضاء أو ضمن العدالة الإنتقالية. ضرورة كشف الحقائق أما النائب بحركة «نداء تونس» محمد الطرودي، فقد أوضح أنه لا بد من طرح ملف حل حزب «التجمّع» برمته على الطاولة بهدف إنارة الرأي العام وكشف الحقائق للشعب، مشددا على أنه من حق التونسيين معرفة كل الحقائق التي لم يكشف عنها بعد حتى الآن بعيدا عن منطق «قطوس في شكارة». وأضاف أن تداعيات كبرى رافقت قرار حل «التجمّع»، مؤكدا أنه لا يجب شطب تاريخ 70 سنة من تاريخ البلاد بجرة قلم، وأنه كان من المفروض تقييم الإيجابيات والسلبيات في هذا الملف. ممتلكات تجمعية مصادرة ليست ملكا للدولة واعتبر الطرودي أن محاكمة «التجمّع» في 2011 كانت محاكمة سياسية اعتباطية ومتسرعة، مبينا أن الحكم لصادر ضد الحزب المذكور مسيّس، مشددا على أن إعادة المحاكمة يجب أن تكون بهدف كشف الحقائق وإنصاف الأطراف التي ظلمت من جراء هذا القرار. وأكد أن 80 % من ممتلكات «التجمّع» التي تمت مصادرتها تعود لمناضلي الحزب وليست تابعة للملك العام، على غرار عديد العقارات التجمعية وعلى رأسها مبنى المقر المركزي للتجمع في شارع محمد الخامس. مؤشرات الحكم الحالي تشجع على عودة «التجمّع» من جانبه، بيّن الناطق الرسمي باسم «الحزب الجمهوري» عصام الشابي أن نتائج الإنتخابات الفارطة ومؤشرات سياسات الحكم الحالي هي من شجعت التجمّعيين على التجرؤ ومحاولة إحياء حزب «التجمّع» المحل، مضيفا أن هؤلاء يعتقدون أن العودة إلى الوراء ممكنة، في حين أن «التجمّع» ولى ولن يعود بعد أن نبذه ورفضه التونسيون. و اعتبر الشابي أن حزب «التجمّع» عنوان لمرحلة الإستبداد والفساد، مشددا على أن العودة إلى الماضي ليست ممكنة لأن التونسيين يرفضون عودة التجمعيين مهما حاول هؤلاء ذلك. ولاحظ الشابي أن بعض الجهات تحنّ إلى عهد «التجمّع» وأنها قد لا تتوانى كذلك في المطالبة بعودة بن علي، مضيفا أن هذه الأطراف تسبح ضد التيار لأن قرار حل حزب «التجمّع» بات ومنته، على حد قوله. إحياء الموتى بدوره أكد القيادي في «الجبهة الشعبية» والأمين العام لحزب التيار الشعبي، زهير حمدي، أن مسألة الطعن في قرار حل حزب «التجمّع» لا تعدو أن تكون سوى خطوة استعراضية من طرف البعض بحكم أن «التجمّع» ما زال متواجدا في الحكم وفي مختلف مفاصل الدولة. ولاحظ أن الدعوات الصادرة عن بعض الجهات لمراجعة حكم حل حزب «التجمّع» عبارة عن محاولة إحياء للموتى لأن هذا الحكم باتّ ولا رجعة فيه. وبين في سياق متصل أن البلاد تعيش حالة من الردة في كل المستويات نظرا لعودة هيمنة مظاهر النظام السابق في مختلف المجالات تقريبا وخاصة في عوالم الإعلام والمال والإقتصاد. وشدد حمدي على أن سبب الحنين إلى الماضي الذي قد يشعر به البعض أن تونس ومنذ 2011 تمر بمرحلة هزيمة كاملة لا تليق بطموحات التونسيين، باستثناء تحقيق مكسبين اثنين هما الحريات والدستور. وأعقب بأن «المافيات» المتغلغلة في مفاصل البلاد تسعى إلى محاولة الدفع بالتونسيين إلى الحنين لزمن بن علي. يا ليت الشباب يعود يوما من جهته، قال القيادي بحركة «النهضة»، لطفي زيتون إن قيادات تجمعية سابقة قامت بعد القرار القضائي الصادر بحل «التجمّع» بتأسيس أحزاب جديدة وأنها الآن متواجدة وناشطة في الساحة السياسية. وتساءل زيتون عن الجهة الحقيقية المخولة اليوم للتحدث باسم «التجمّع» مؤكدا أنه وقع حل هذا الحزب بقرار قضائي وانتهى أمره، وأن من حق من لديه تحفظات أو اعتراض على هذا الحكم اللجوء إلى القضاء لأن القضاء هو صاحب القرار الأول والأخير في قبول طعون في قرار الحل من عدمه. و أضاف قيادي «النهضة» أن بعض الأطراف تحنّ إلى الماضي، ولكن «يا ليت الشباب يعود يوما» لأن العودة إلى الوراء غير ممكنة، معتبرا في ذات الصدد أن إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك.