سامية عبو: 'شو هاك البلاد' ليست جريمة ولا يوجد نص قانوني يجرّمها    ما الجديد في القروض المسندة من قبل صندوق الضمان الاجتماعي ؟    عاجل : سعيد يأمر بإدراج حكم جديد ضد من يعرقل المرفق العمومي    البرلمان يعقد جلستين عامتين اليوم وغدا للنظر في عدد من مشاريع القوانين الاقتصادية    الحماية المدنية التونسية تشارك في عملية بيضاء لمجابهة حرائق الغابات مع نظيرتها الجزائرية بولايتي سوق أهراس وتبسة الجزائريتين    هذا ما قرره قاضي التحقيق في حق المحامية سنية الدهماني    وزارة الفلاحة: مسافرة قدمت من المغرب جاءت بالحشرة القرمزية على ثيابها ثم انتشرت في البلاد    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    تونس تحصد 28 ميدالية ذهبية وتفوز بالمرتبة الأولى في المسابقة الاسكندنافية الدولية لزيت الزيتون    منظمة ارشاد المستهلك تدعو رئيس الدولة الى التدخل للتسريع في تسقيف أسعار اللحوم الحمراء للتخفيض في اسعار الاضاحي    عشرات الهزات الأرضية غير المسبوقة تثير الذعر في جنوب إيطاليا    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    وزير الأعمال الإيطالي يزور ليبيا لبحث التعاون في مجالات الصناعة والمواد الخام والطاقة المتجددة    اليونان.. محاكمة مصريين بتهمة التسبب في إغراق سفينة مهاجرين    انطلاق مراسم تشييع جثامين الرئيس الإيراني ومرافقيه..    عاجل/ تركيا تكشف معطيات خطيرة تتعلق بمروحية "الرئيس الإيراني"..    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي (بلاغ)    كوبي - ياسين القنيشي يتوج بذهبية دفع الجلة ورؤي الجبابلي يحرز فضية سياق 1500م    ميسي يقود تشكيلة الأرجنتين في مباراتين وديتين قبل كوبا أمريكا    الرابطة 1 (مرحلة تفادي النزول) مواجهات صعبة لفرق أسفل الترتيب    الرّابطة الأولى : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الحادية عشرة من مرحلة تفادي النزول    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    حادث مروع بهذه المنطقة..وهذه حصيلة الجرحى..    كان يتنقل بهوية شقيقه التوأم : الاطاحة بأخطر متحيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ...    العثور على جثة شاب في بحيرة جبلية    أريانة : الإحتفاظ ب3 أشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    سليانة: إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    الحكومة تتطلع إلى الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة 9 خلال اقتحام جيش الاحتلال لجنين    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    دعما لأهالي غزة : مهرجان جربة تونس للسينما العربية يقدّم برمجة خاصة للجمهور    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    جدل وضجّة وتهديدات بالقتل: لماذا منع رشدي بلقاسمي من تنشيط ورشة بمساكن؟    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    عروض ثريّة للإبداعات التلمذيّة.. وتكريم لنُجوم الدراما التلفزيّة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    الافريقي يرفض تغيير موعد الدربي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    النادي الإفريقي: اليوم عودة التمارين إلى الحديقة .. ومعز حسن يغيب عن الدربي    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملحمة بن قردان... درس للتّاريخ والجغرافيا
نشر في التونسية يوم 23 - 03 - 2016

سيظل يوم 7 مارس 2016 خالدا في تاريخ تونس الحديثة وفي تاريخ بلدة بن قردان بالتحديد. فما جرى لم يكن مجرد حدث إرهابي تعاملت معه قوات الأمن بماهو مطلوب وإنما هو أخطر من ذلك بكثير. فالعملية الإرهابية كانت تطمح لتنصيب إمارة داعشية في بلدة بن قردان في مرحلة أولى ليتم بعدها مباشرة السيطرة على كل منطقة الجنوب من قابس إلى مدنين إلى تطاوين عبر الإسناد من داخل الجمهورية وخارجها. ولكنها فشلت فشلا ذريعا وفي وقت قياسي وحتى عدد الشهداء لم يكن كبيرا بالنظر إلى حجم العملية من حيث الإعداد والتخطيط. هذه الحادثة كانت محل دراسة من طرف الاستاذ الجامعي والكاتب المهدي ثابت منشورة بمركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية.
التّشابه مع أحداث قفصة 1980:
اختيار بن قردان لتكون إمارة داعشية لم يكن من فراغ وإنما هو أمر له وجاهته من وجهة نظر أصحابه. إذ من المعلوم أن بن قردان منطقة حدودية ممتدة على فضاء صحراوي شاسع إلى الحدود مع ليبيا. وهذا أمر حيوي ومهم للجماعات الإرهابية القادمة من القطر الليبي الشقيق الذي بدوره يعيش فوضى أمنية كبيرة. فهذا العامل يسهل تسلل المجموعات الإرهابية ويساعد في إدخال الأسلحة والسيارات وهو ما حصل فعلا. فبن قردان بالنسبة لمن خطط للعملية هي نقطة التقاء قوات الإسناد من الغرب والشرق أي من داخل الجمهورية ومن ليبيا وحتى من الجزائر فالفضاء الصحراوي هو مجال حيوي لنشاط هذه المجموعات. كما أن وجود عدد من شباب المنطقة الذي انضم للتنظيم من سنوات وأصبح محل ثقة القيادات مكّن من تخزين السلاح في أماكن مختلفة يصعب الوصول إليها أو التفطن لها . ولكن مشكلة العقل المدبر أنه لم يقرأ التاريخ وإنما اعتمد مقاربات ظنية جعلت كامل المخطط يسقط بالضربة القاضية. وكانت العملية شبيهة جدا بالتي وقعت في قفصة سنة 1980. رغم الاختلاف في الفكر والأهداف بين المشرفين على العمليتين. فالمعلوم أن عز الدين الشريف الرجل الثاني في قيادة عملية قفصة بعد أحمد المرغني قد سبق المجموعة إلى قفصة بنية التهيئة للعملية ثم أرسل للقيادة في طرابلس بأن الأرضية ممهدة وأنه بإطلاق أول رصاصة سينضم إلى المجموعة عشرة آلاف مقاتل وسيتم السيطرة على المدينة بسهولة ليتم بعد ذلك الإسناد الجوي من الطائرات الليبية وتتم السيطرة على كامل منطقة الجنوب التونسي بمساعدة قوات على الأرض قادمة من ليبيا. ولكن بمجرد انطلاق العملية وجد عناصر المجموعة أنفسهم وحدهم في العراء أمام فيلق من الجيش التونسي بقيادة العقيد عز الدين بالطيب الذي أفشل العملية كاملة في ظرف 48 ساعة وتم قتل واعتقال أغلب عناصر المجموعة .إن من خطط لعملية بن قردان لم يتخيل هذا السيناريو ولم يضعه في اعتباره وإنما نظر إلى سرت الليبية وإلى الموصل العراقية حيث الواقع يختلف بالجملة والتفصيل عن بن قردان إذ كان يتصور أن أهالي المدينة سيرحبون بالمهاجمين وسيؤيدونهم بالنظر إلى حالة التهميش التي تعيشها وأن هذا سبب كاف لتأييد هذا التنظيم وسيناريو سرت والموصل سيتكرر مع بن قردان وربما كان المخطط أو المخططون يتوهمون أن بالمكان حاضنة شعبية بالنظر لعدد الشباب من هذا التنظيم من أبناء المدينة المنتشرين في سوريا والعراق وليبيا . ولكن كل تقديراتهم في الأخير كانت خاطئة تماما كأشباه المحللين وأشباه الخبراء في التنظيمات الإسلامية الذين اعتبروا أن هذه المدينة منبت للإرهاب والتهريب حتى أصبحت هذه المقولة متلازمة يرددها كل من هبّ ودبّ.
الأثر الإعلامي للحدث :
ولكن لسائل أن يسأل لماذا حظيت هذه العملية بكل هذا الاهتمام الإعلامي والسياسي محليا ودوليا رغم انها تتنزل في خانة العمليات الإرهابية التي تحدث تقريبا بشكل يومي في مختلف أنحاء العالم ؟إن ما يميز عملية بن قردان عن غيرها من العمليات الإرهابية كونها كانت لها أهداف بعيدة المدى تهدد كيان الدولة وتؤثر بشكل كبير جدا في المحيط الإقليمي وقد تدخل المنطقة في أتون صراعات ستفتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي في البلاد والإقليم. ولذلك كان النصر في هذه العملية ذا بعد استراتيجي إذ حطم مؤامرة كبرى حيكت ضد البلاد وضد أمن المنطقة عموما. الأمر الثاني المهم جدا في العملية هو الأداء الأمني والعسكري الذي كان على درجة من الحرفية وأعاد الاعتبار للمؤسسة العسكرية التي تلقت ضربات موجعة في عديد الأماكن في البلاد ومنها جبل الشعانبي نتيجة غياب التجهيزات بسبب الإهمال الذي لحق هذه المؤسسة لعقود. الأمر الثالث المهم هو الأداء الرائع لمختلف تشكيلات الحرس الوطني من فرق مختصة وغيرها التي تلاحمت مع المواطنين في سابقة لم تعرفها البلاد من قبل وهو ما أثار اهتمام المتابعين الأجانب. الأمر الرابع والذي حوّل بن قردان إلى أيقونة و أمثولة في الوطنية هي تلك الهبة الشعبية المنقطعة النظير لمساندة القوات العسكرية والأمنية والتي ما كان أداؤها ليكون بهذا الشكل الرائع لولا الدفع المعنوي من مواطني المنطقة رجالا ونساء وهذا باعتراف القيادات الامنية ذاتها. لقد ساهم المواطن في بن قردان مساهمة فعالة في هذا النصر الساحق على قوى الإرهاب وفي إفشال المخطط الذي كان يستهدف البلاد. فالأهالي في بن قردان لم يخوضوا معركة الدفاع عن مدينتهم وإنما خاضوا معركة الدفاع عن تونس وهو ما جعل الواقعة حدثا وطنيا حقيقيا.
غبار المعارك والاستنتاجات العشرة:
الآن وقد انجلى غبار المعركة وخفت الحماس وعادت العقول إلى التفكير الهادئ الرصين؟ ما أهم الاستنتاجات من هذا الحدث الجلل؟
1 - إن أول استنتاج من حيث الأهمية هو: - الفشل الذريع لمخطط رهيب كان يستهدف البلاد ولو نجح لا قدّر الله لدخلت البلاد في حالة من الفوضى يعلم الله مداها.
2 - الاستنتاج الثاني والمهم هو تكسر أسطورة داعش على أرض بن قردان. فالتنظيم قد تلقى ضربة قاصمة ليس من السهل أن يتعافى منها بسهولة وقد يعيد النظر في الكثير من أهدافه واستراتيجياته.
3 - الإستنتاج الثالث والمهم هو فشل مخطط ضرب المسار الديمقراطي الذي تنتهجه البلاد بصعوبة. إذ من بين أهداف العملية ضرب هذا المسار وإفشاله وهو ما يعني تقاطع أجندات هذا التنظيم مع أهداف قوى إقليمية ودولية معادية للديمقراطية في تونس وفي كل المنطقة العربية مما دفع ببعض المحللين إلى القول أن هذا التنظيم هو أداة تستعمله هذه القوى لتحقيق أهدافها في وأد الربيع العربي.
4 - الاستنتاج الرابع هو كمّ الإحترام والتعاطف اللذين حظيت بهما تونس في مختلف بلاد العالم وهو ما سيعود بالفائدة على البلاد سواء بالدعم الإقتصادي للتجربة التونسية الوليدة أو بالدعم العسكري الذي تحتاجه البلاد وأعني بالدعم التجهيزات العسكرية التي تحتاجها القوات المسلحة التونسية.
5 – الاستنتاج الخامس الذي أثبتته الأحداث من خلال زيارة رئيس الحكومة الى بن قردان هو حالة التلاحم بين الشعب والقيادة في فترة الأزمات . فالاستقبال الحافل الذي حظي به الصيد في المدينة ليس قناعة بالأداء الحكومي بقدر ما هو تعبيرعن حالة وطنية عالية تتطلب اللحمة والتضامن بين الجميع في هذا الظرف العصيب. وكان شعار المستقبلين للصيد «بالروح بالدم نفديك يا علم» في لحظة فارقة تقشعر لها الأبدان. وكانت درسا للعديد ممن يدعون حب هذه البلاد وهم يسعون الى خرابها. كان هذا اللقاء درسا للسياسيين في ضرورة الإلتفاف حول الراية الوطنية عندما يكون الوطن مستهدفا. لم يطالب أهالي بن قردان بالتنمية ولم يبدر منهم ما يسيئ لمقام الدولة قولا أو فعلا وإنما تصرفوا بما تستوجبه اللحظة بعيدا عن الأنانية والنفعية المقيتة اللتين استفحلتا في البلاد.
6 - الاستنتاج السّادس هو سقوط متلازمة الإرهاب والتهريب. إن من أدخل السلاح ليس المهربون وإنما هم الدواعش من أبناء المدينة الذين يعرفون جيدا مسالك الصحراء ونقاط التمركز الأمني في هذه المساحة الشاسعة من الأرض المفتوحة. لقد لعب المهربون دورا مهما في الكشف عن بعض تفاصيل العملية وفي مد الأمن بمعطيات ساعدت على ملاحقة المجرمين. إن التهريب لمن لا يعرف هو ثقافة في بن قردان وممارسة لها طقوسها وشروطها وليس كل شخص مؤهلا ليكون مهربا. إن كل اختصاصات التهريب موجودة إلا تهريب السلاح فهو لم يثبته أي محضر أمني ولم يثبت من خلال اعترافات عناصر هذه المجموعة تورط أي من مهربي بن قردان في التعاون مع الدواعش .بل إن المهربين لهم علاقات استخبارية مع الأمن وهذا ليس جديدا بل هو من عهد بن علي.
7 – الاستنتاج السابع سقوط مقولة أن بن قردان حاضنة للإرهاب .هذه المقولة التي رسخت في عقول العديدين نتيجة الضخ الإعلامي ممن يسمون أنفسهم خبراء .لقد طعنت بن قردان «شرفهم الأكاديمي» وبرهنت عن زيف مقولاتهم وعن تهافتهم المعرفي (خبراء مزيفون) بل تحولت بن قردان إلى مفخرة للتونسيين في العالم. لكن هذا لا يمنعنا من القول بأن من أشرف على الجانب التنفيذي للعملية ومن قدم لها الدعم اللوجستي هم من أبناء بن قردان سواء من قدموا من الخارج مثل مفتاح مانيطة ومحمد كردي أو من الخلايا النائمة التي هيأت المنازل وأماكن الإختباء للمهاجمين ومن أرشدت القتلة للوصول إلى منازل الشهداء من الأمنيين علما أن القتلى في العملية من أبناء المدينة هم خمسة فقط والبقية من مختلف ولايات الجمهورية إلى جانب عنصر جزائري كان قد اكترى منزلا قريبا من منطقة الحرس ومكث فيه ثلاثة أشهر قبل تنفيذ العملية. والإحصائيات المحلية تقول إن عدد الدواعش سواء الذين غادروا المدينة أو من بقي فيها الى حد تنفيذ العملية لا يتجاوز المائتي عنصر من مدينة يعد سكانها مائة وعشرون ألف نسمة وهو عدد ضئيل مقارنة بعدد السكان. كما أن عددا مهما من هذه العناصر قتل في العراق وسوريا وليبيا.
8 - الاستنتاج الثامن هو ضعف العمل الأمني الإستباقي . فالظاهر أن المجموعة المهاجمة قد عملت في أريحية كبيرة طيلة المدة قبل العملية وتمكنت من السيطرة على قلب المدينة ومداخلها لفترة تتجاوز الساعة قبل أن تنطلق عملية المقاومة الفعلية من الأجهزة الأمنية والعسكرية. وهذا يطرح عديد الأسئلة حول الجاهزية الإستخبارية للمنظومة الأمنية التونسية . ولا ننسى ذلك النقابي الأمني الذي صرح في وسيلة إعلامية على الملإ وقال «إننا اخترقنا هذه المجموعات ولنا فيهم مخبرين» ومر الأمر دون أدنى مساءلة لهذا الشخص رغم خرقه واجب التحفظ في مثل هذه الأمور.
9 - الاستنتاج التاسع هو أن الحرب مع هذا التنظيم لازالت طويلة وأن من شروط النصر عليه النأي بالأجهزة الأمنية عن التجاذبات السياسية وأن يتحول الأمن التونسي إلى أمن جمهوري دوره حماية الوطن والمواطن. وأن ترتقي الطبقة السياسية بخطابها إلى مستوى يجعل منها رافعة مهمة في محاربة الإرهاب لا في المناكفات السياسية التي قزمتها في نظر المواطن .كما لا يمكن أن نحارب كل الظواهر السلبية ومنها ظاهرة الإرهاب في ظل واقع الإعلام في بلادنا . ولا أبالغ إذا قلت إن الإعلام قد ساهم مساهمة فعالة في انتشار هذه الآفة وفي مدها بالمعلومة الضرورية في الوقت الذي تريد . كما انحرف بالإهتمامات الوطنية إلى مسائل بعيدة كل البعد عن الأولويات التي يجب أن يطرحها الإعلام الجادة. إن من شروط النجاح في محاربة الإرهاب إعادة النظر بعمق في ملف الإعلام. فالدواعش ليسوا فقط في التنظيمات الإرهابية وإنما هناك أيضا دواعش الإعلام ودواعش الإقتصاد وهم لا يقلون خطرا على البلاد من دواعش السلاح.
10 – الاستنتاج العاشر والمهم هو أن بن قردان قبل 7 مارس 2016 ليست بن قردان بعد هذا التاريخ. وهذا يحيلنا إلى مجموعة من الإستحقاقات الأمنية والإقتصادية لهذه المدينة. والظاهر أن الحكومة تفطنت لهذا الأمر وبدأ العمل على هذا الصعيد.
لقد تفطن الجميع للأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة التي يمكن أن تكون خاصرة رخوة لتنفيذ مخططات تستهدف أمن البلاد واستقرارها. فهي مدينة ساحلية تطل على البحر الابيض المتوسط بطول سواحل تتجاوز الثلاثين كيلومترا كما تنفتح على الفضاء الصحراوي من الجنوب في اتجاه ليبيا وهذا يجعل البلاد أمام استحقاق أمني كبير لتأمين حدود هذه المدينة التي هي حدود البلاد في الأخير من البر والبحر بما يعني إعادة النظرفي التجهيزات الأمنية سواء داخل المدينة أو في المراكز المتقدمة داخل حدود المعتمدية كما يجب إعادة النظر في عديد العناصر الأمنية التي تؤمن كامل المعتمدية. والملف الأمني يبقى في الأخير من اختصاص الأمنيين ولا يمكنني الخوض فيه.
وعلى المستوى الاقتصادي تبقى المدينة متفردة بعديد الخصائص التي لا نجدها في أية مدينة تونسية أخرى. فبن قردان تعتمد في نمط عيشها على التجارة الموازية وعلى التهريب وعلى «الصرف» (التعامل بالعملة ومبادلتها خارج النظم البنكية)وعلى تجارة المحروقات إلى جانب كونها مدينة فلاحية بها قرابة مليون شجرة زيتون ومرشحة في السنوات القريبة القادمة لتكون المدينة الأولى في إنتاج زيت الزيتون. أما البنية الصناعية في المدينة فتكاد تكون منعدمة إذا استثنينا بعض الوحدات المختصة في تصبير سمك التن وتعليبه ليروج في السوق الداخلية وفي الخارج. هذه الخصائص تجعل الدولة مطالبة في مرحلة أولى بأن تتعامل مع الأمر الواقع كما هو وكما كان لأكثر من عشرين سنة مضت دون أن تخضع لضغط لوبيات المال والأعمال المتضررين من التجارة الموازية التي تحافظ على القدرة الشرائية لشريحة عريضة من التونسين من بنزرت إلى بن قردان. للتوضح جلية الامر ،عدد المحلات التي تشتغل على التجارة الموازية في معتمدية بن قردان يتجاوز 4000 محل. وهناك من هذه المحلات من يؤمن عيش مجموعة من العائلات. والحل يتمثل في مرحلة أولى في تقنين التجارة الموازية وذلك عبر وضعها تحت منظومة الجباية العمومية لتدخل الدورة الإقتصادية للبلاد . كما يجب التسريع بإنجاز منطقة التبادل الحر مع الشقيقة ليبيا التي ستحل العديد من المشاكل التي تؤرق المسؤولين وتحد من ظاهرة استفحال التجارة الموازية في غياب البدائل الفعلية.
الآن تعيش بن قردان حالة من الشلل التام في ظل غلق معبر رأس جدير وتوقف جلب المحروقات من ليبيا سواء عبر المعبر أو عبر المسالك البرية . وهذا الأمر ينذر بالخطر الشديد. فرغم أن المواطنين هناك مازالوا منتشين بالانتصار الساحق على الإرهاب ومتفهمون لضرورة الدواعي الأمنية لغلق المعبر والمسالك الصحراوية فإن ذلك لا ينفي بداية الشعور بالضجر والقلق نتيجة خواء الجيوب وحالة الكساد العامة في المدينة. ولذلك أنصح السلطات بأن تسرع في فتح المعبر بعد أن تطبعت الحياة في المدينة . وهذا أراه أولوية مطلقة مع ضرورة تأمين المعبر وتجهيزه بتجهيزات حديثة تمنع دخول ما يهدد أمن البلاد من أسلحة وغيرها.
خاتمة :
إن بن قردان التي تكسرت على أرضها أسطورة داعش تستحق من تونس أن ترفع عنها معاناة السنين التي امتدت لعقود. فدولة الاستقلال همشت هذه المدينة سواء في عهد بورقيبة أو في عهد المخلوع بن علي أو في فترة الثورة. فلا يليق بدولة أن يرتبط مصير مدينة من مدنها بدولة أخرى ولو كانت جارة شقيقة. ونرجو ألّا تكون الاستفاقة الأخيرة للحكومة من خلال حزمة الوعود التي قدمها الحبيب الصيد للمدينة والمتمثلة في جملة من المشاريع الحيوية مجرد ردة فعل تتبخر مع مرور الأيام . إن بن قردان التي كانت بوابة الدفاع الأولى عن تونس يمكن أن تتحول إلى كابوس يؤرق حكومة البلاد إذا لم تتفهم طبيعة هذه المدينة وخصائصها وخاصة إذا حاولت أن تضيق عليها عيشها . وأنصح رئيس الحكومة بأن يعود إلى التاريخ القريب وبالتحديد إلى رمضان 2010 أو ما عرف في بن قردان ب«انتفاضة التراويح» التي أجبرت المخلوع بن علي على إعادة فتح المعبر عندما أراد القضاء على التجارة الموازية بإيعاز من الطرابلسية ومن أصحاب المال والأعمال. فتوقف الحياة الإقتصادية في بن قردان أثر كثيرا في عديد المدن الأخرى داخل البلاد ذلك أن بن قردان هي محج التجار من مختلف المدن داخل الجمهورية ومنها تسترزق شريحة عريضة من العائلات التونسية وهذا عامل إضافي يجعل هذه المعتمدية ملفا حارقا على مكتب رئيس الحكومة و مجلس الوزراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.