يدق مصنعو النسيج ، أجراس الخطر، مهددين بموجة تسريح كبرى للعمال، بعد أن خسر القطاع أكثر من 300 مؤسسة في السنوات الخمس الأخيرة، مطالبين الحكومة بالتدخل لوقف إسناد الرخص للعلامات الأجنبية التي اكتسحت السوق التونسية مؤخرا. وأصدرت الجامعة العامة للنسيج التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل بيانا أعلنت فيه عن إطلاق حملة وطنية تحت عنوان «البس تونسي»، للدفاع عن المنتج المحلي، في دعوة تهدف إلى حماية آلاف الوظائف في صناعة الملابس. ويعد قطاع النسيج من أعمدة الصناعات المعملية في تونس، سواء من حيث عدد العاملين أو من جهة مساهمته في التصدير منذ السبعينات، حيث تقوم ولايات بأكملها في الساحل التونسي على هذه الصناعة التي تستقطب اليد العاملة من متوسطي المستوى الدراسي. وشهد القطاع بعد الثورة ، أزمة متعددة الجوانب أدت إلى إغلاق العديد من المؤسسات، سواء المحلية أو المصدرة بصفة كلية، بسبب منح الحكومة العديد من التراخيص لعلامات فرنسية وإسبانية وإنقليزية، لفتح محلاتها في تونس، وهو ما جعل هذه الأخيرة تستأثر بحصة كبيرة من السوق. كما تسببت انتفاضة العاملين في قطاع النسيج على المصنعين عقب الثورة والمطالبة بالرفع من أجورهم إلى وقف التصنيع بعدد من الوحدات الكبرى التي قررت إما الإغلاق النهائي أو خفض عدد العمال. وتقول الجامعة الوطنية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة إن قطاع النسيج فقد أكثر من 40 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس الماضية منذ 2011. وقال رئيس الجامعة، بلحسن غراب، في تصريحات صحفية «بعد أربع سنوات من الثورة، يعاني قطاع النسيج في تونس حالة من التدهور، وتم فقدان حوالى 40 ألف فرصة عمل في هذا القطاع، إضافة إلى أن أغلب العلامات التجارية التونسية، تراجعت أمام نظيرتها الأجنبية، التي دخلت البلاد بعد الثورة». وأشار رئيس الجامعة، إلى أنّ قطاع النسيج تحوّل من أول قطاع مشغل، وأول قطاع مصدّر، إلى قطاع يعيش صعوبات كبرى، «من خلال إغلاق أكثر من 300 مؤسسة عاملة في هذا المجال، منذ 2011». ويبلغ عدد شركات النسيج في تونس 1769 وحدة، منها 1484 مؤسسة تصدر إنتاجها كلياً، وتشغل هذه المؤسسات أكثر من 175 ألف شخص، حسب الجامعة الوطنية للنسيج. وتعترف وزارة الصناعة ، بالصعوبات الكبرى التي يتعرض لها القطاع الصناعي في تونس، لا سيما صناعة النسيج، لا سيما أن 3493 مؤسسة صناعية أغلقت أبوابها بين 2007 و2015، منها 1868 أغلقت في الفترة المتراوحة بين 2011 و2015، أي بمعدل 374 عملية إغلاق في السنة. ويعد قطاع النسيج الأكثر تأثرا بموجة الغلق، نتيجة تراجع القدرة الشرائية في السوق المحلية، وهو ما أثر على مستوى الطلب، فضلا عن الاحتجاجات الاجتماعية التي أجبرت عددا مهما من أصحاب المؤسسات على غلق مصانعهم والبحث عن أسواق أكثر استقرارا. كما أدى دخول اتفاقية الألياف المتعددة لتجارة المنسوجات والملابس الجاهزة، والتي خولت للصين ترويج منتجاتها من النسيج من دون رسوم قمرقية، إلى تأثر المصانع المحلية التي تفتقد للقدرة التنافسية التي تمكنها من الصمود أمام غزو السلع الصينية. وتقر وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، بأن القطاع يواجه صعوبات نتيجة التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، فضلا عن منافسة المنسوجات الآسيوية، خاصة في الأسواق الأوروبية. وتشير البيانات الرسمية لوزارة الصناعة إلى أن 1750 مؤسسة في القطاع تمثل ٪32 من العدد الإجمالي للمؤسسات الصناعية حافظت على نسق نشاطها خلال السنوات الخمس الماضية. ودعت الوزارة، المهنيين إلى التنسيق معها لمجابهة التحديات المستقبلية للرفع من القيمة المضافة لقطاع النسيج والملابس. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن دولا عديدة مرت بنفس الأزمة التي يمر بها قطاع النسيج في تونس معتبرين أن البلدان التي لن تكون قادرة على الصمود في وجه المنافسة الصينية هي أساسا تلك التي ركّزت اقتصاداتها على قطاع النسيج والملابس، وبصورة أدقّ، تلك التي تخصصت في المناولة في مجال خياطة الملابس بهدف التصدير، على غرار تونس والمغرب وبلدان أوروبا الوسطى. وتؤكد المصادر ذاتها أن قطاع النسيج، ومنذ نشأته، لم يتطور كثيرا، وأنه ظل أقرب إلى القطاع الخدماتي منه إلى قطاع صناعي، معتبرة أن الدولة التونسية لم تحم هذا القطاع بسبب الامتيازات الديوانية الكبيرة التي منحتها للمستثمرين إلى جانب منح التراخيص للعلامات الأجنبية لدخول السوق المحلية دون دراسة مسبقة على انعكاساتها على الاقتصاد المحلي. ويعتقد خبراء الاقتصاد أن العوامل التي صنعت، في فترة ما، «ربيع النسيج التونسي»، تلاشت مع تراجع قدرة القطاع على المنافسة التي كانت نابعة أساسا من التسهيلات الكبيرة والإعفاءات المقدمة للاستثمار الخارجي ومن الضغط على الأجور، علاوة على عامل القرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية، وهي عوامل لم تعد كافية، ، للمحافظة على نحو 180 ألف فرصة عمل.