يعدّ الشاذلي العزّابو من فئة المسؤولين الثقافيين القادرين على مقارعة الحجة بالحجة، دون أن يلزمك بتغيير رأيك(ما أقلهم هذه الأيام !) ويدرك الرجل أنه لا يحظى بإجماع مثقفي ولاية سوسة وفنانيها ولكنه يواصل العمل بشكل دؤوب رافعا شعار «الإدارة لا تحلّ محلّ المبدع». «التونسية» حاورته على هامش الدورة الأخيرة لملتقى المبدعات العربيات... أنت مندوب جهوي للثقافة قبل 14 جانفي وبعده، ما الذي تغير في جهاز مندوبي الثقافة ؟ طبعا سأجيبك انطلاقا من تجربتي الخاصة ، في مستوى تعاطيّ مع مشمولاتي كممثل للوزارة في علاقة بالفاعلين الثقافيين في جهتي لا يوجد تغيير كبير. (مقاطعا) وكأنك تؤكد الرأي القائل بأن الثورة لم تصل بعد إلى قطاع الثقافة ؟ لا، «ما نتصورش» التغيير موجود وإيجابي جدا، قبل 14 جانفي كان موقع المثقف والفاعل الثقافي عموما محدودا وأحيانا مهمّشا، لذلك أعتقد أن التغيير الحقيقي هو في وجود مبادرات في إتجاه قيام المثقف بدوره كمسؤول أول عن الفعل الثقافي وهذا عشته في ولاية سوسة. هل هناك أمثلة على ذلك ؟ أهم مؤشر في تقديري هو تأسيس الجمعيات الثقافية وخاصة من طرف الشباب كما أن علاقة المبدعين بالمندوبية كسلطة إشراف أصبحت مفتوحة أكثر، وتجاوزت قيود الرقابة الذاتية لدى المبدع، نحن لا نحل محل السينمائي أو المسرحي أو الموسيقي أو الشاعر، و سلطة الإدارة إن صح الحديث عن سلطة هو التأطير وتوفير الإمكانات للفاعل الثقافي وتوفير مناخ مشجع وإيجابي. هناك من يرى أنه لا بد من إلغاء جهاز مندوبي الثقافة أصلا وتعويضه بلجان منتخبة بشكل ديمقراطي ؟ في مناخ من الحرية كل الأفكار تطرح وتحترم وشخصيا أتمنى أن يأتي يوم نجد فيه البديل القادر على مزيد الارتقاء بالقطاع. في رأيك هل الصيغة الحالية لمندوبيات الثقافة هي المثلى في تنظيم الشأن الثقافي ؟ لا يمكن القول بأنها الصيغة المثلى، ولكنها صيغة مرنة وقادرة على أن تكون فاعلة، ما تحتاج إليه هو مرونة أكبر في مستوى هيكلة الإدارة والتخفيف من المركزية المفرطة في رصد الاعتمادات وخاصة دعم الإمكانيات وتمكين الجهات من صلاحيات أكبر للاستجابة لمبادرات المبدعين. في مهرجان سوسة الدولي لفيلم الطفولة الشباب كانت وزارة الثقافة هي الداعم الأكبر وربما الوحيد (باستثناء منحة بخمسة آلاف دينار من وزارة التربية) وفي ملتقى المبدعات العربيات كانت مندوبية الثقافة هي الداعم الوحيد فهل هذا وضع طبيعي في ولاية تعتبر محظوظة مثل سوسة ؟ هذا وضع غير طبيعي بالمرة ، وملتقى المبدعات العربيات الذي إنتظم بمشاركة عشر دول عربية في دورته 16 ما كان لينتظم هذه السنة لو لم تساهم المندوبية ماديا، ونحن دعمنا الملتقى لإيماننا بقيمته كمكسب هام حري أن ندافع عنه إلى آخر حد. هذا الملتقى كانت تدعمه عدة جهات كولاية سوسة و البلدية التي كانت تقدم منحة معتبرة ولكنها تخلت عن ذلك كما تخلت عن مساهمتها في كل الأنشطة الثقافية وكأنها تريد أن تقوم لوحدها بدور ثقافي في قطيعة تامة مع باقي مكونات الساحة الثقافية. هل المسرح البلدي بسوسة خاضع لسلطة المندوبية؟ لا ، هو يخضع لسلطة البلدية، أما دورنا فيتمثل في تنشيط الفضاء من حيث البرمجة ولا بد من الاعتراف من باب الإنصاف بأننا لم نجد أي إشكال في التعامل مع البلدية ومع إدارة المسرح البلدي بسوسة وهذا هو العادي و«موش مزية»، فما قيمة الفضاء الثقافي إن لم يكن في خدمة المبدع والمثقف؟ لا تنس أن المسرح البلدي تمت إعادة تهيئته بإعتمادات هامة من وزارة الثقافة. هل مازلت تتلقى التعليمات بالهاتف كما كان يحدث سابقا ؟ من قال لك بأني تلقيت التعليمات في السابق لأستمر في ذلك لاحقا؟ هو سؤال يخفي حكما مسبقا وأنت أعلم مني بأن الأحكام المسبقة غير موضوعية، أنا شخصيا «ما جاتنيش تليفونات قبل» وأريد أن أقولها لك بشكل واضح، تعاطي المسؤول الثقافي مع المسؤول السياسي مرتبط بقدرة المسؤول الثقافي على تحمل مسؤوليته، صحيح انها مهمة صعبة وخاصة في السابق لأننا كنا بين نارين نار السلطة السياسية ونار سلطة المبدع التي لا تقل شأنا بل لعلها أعتى بكثير من سلطة السياسي وهو ما أثبتته ثورة 14 جانفي. بعد الثورة تداول على وزارة الثقافة ثلاثة وزراء (باش شاوش والوزير الحالي مهدي مبروك وفترة قصيرة لمفيدة التلاتلي) فهل تغيرت طريقة تعاطي الوزارة مع المندوبيات ؟ بصدق، علاقتي بالوزارة كإدارة مركزية تكاد تنحصر في مستوى رصد الميزانية لا غير. كم حجم ميزانية مندوبية الثقافة في ولاية محظوظة مثل سوسة ؟ يقال إنها بالمليارات ؟ (يضحك) من قال لك إن ولاية سوسة محظوظة على الأقل في مجال حديثنا؟ ربما كانت محظوظة ببوجعفر ولكن ولاية سوسة ليست مدينة سوسة وهذا ما يغيب عن أذهان كثيرين. أتمنى أن يأتي يوم تصبح فيه ميزانيات المندوبيات بهذا الحجم، حسب علمي لا توجد أية مندوبية في تونس بلغت ميزانيتها المليار، وكأنك تمزح (يعيدها مرتين) الميزانية محترمة لكنها دون المأمول. أريد رقما... في حدود 600 ألف دينار ونيف، لا تنس أن لنا 9 دور ثقافة و26 مكتبة، ولكن هل تصدق أن أكثر من خمس معتمديات لا توجد فيها دار ثقافة؟ في ولاية المهدية على سبيل المثال 14 دار ثقافة على 11 معتمدية أي أن بعض المعتمديات توجد فيها أكثر من دار ثقافة، في سوسة الوضع مختلف، معتمدية مثل سيدي الهاني لا توجد فيها أية مؤسسة ثقافية لا مكتبة ولا دار ثقافة ! معتمدية كندار دشنا فيها مكتبة عمومية نهاية 2010 وإلى الآن لا توجد فيها دار ثقافة. مسؤولية من هذا التقصير ؟ مسؤولية الجميع، أنت تعرف أن هذه المشاريع تبرمج في مخططات التنمية المسؤولية مشتركة محليا وجهويا ووطنيا ، أنا نفسي أستغرب إفتقار هذا العدد من المعتمديات لمؤسسات ثقافية على أهميتها. ما صلتكم بمهرجان أوسو ؟ مهرجان أوسّو تشرف عليه جمعية مستقلة بذاتها تتفاعل معها مندوبية الثقافة كما تتفاعل مع كل الهياكل الناشطة بالمشاركة في التصور والدعم وتذليل الصعوبات. هل سينظم هذه السنة ؟ من المفروض أن ينتظم كما حدث في العام المنقضي لكن دون أن يكون على شاكلة ما كان في العهد السابق نظرا إلى غياب الإمكانيات المادية كما يجب مراعاة الجانب الأمني، وهذا المهرجان جزء هام من الذاكرة الشعبية لمنطقة الساحل منذ 52 سنة. على الرغم من كل الصعوبات وكل ما يقال عن الانفلات الأمني فإن الحركة الثقافية لم تهدأ في سوسة، ألم تواجهكم مشاكل مع أي طرف في هذا الصدد ؟ إلى اليوم لم يحدث أي مشكل «ربي يبقّي الستر»، منذ شهر مارس 2011 استعادت الحياة الثقافية حيويتها وما أنجز من فعاليات ثقافية منذ 14 جانفي 2011 أكثر بكثير مما أنجز قبل 14 جانفي على أهميته ، فمندوبية الثقافة تشرف عبر مختلف هياكلها على أكثر من 90 تظاهرة على امتداد السنة وكامل فترات السنة. ما الجديد في مشروع مسرح الهواء الطلق بسوسة؟ المشروع قائم الذات وفي مرحلة متقدمة جدا بكلفة مليوني دينار وهذا المسرح سيكون بطاقة استيعاب ب6 آلاف مقعد قابلة للتوسعة بآلاف أخرى في جهة هي أكبر قطب سياحي في تونس، واعتماداته موجودة في المجلس الجهوي لولاية سوسة. هل الوضع الحالي لمهرجان سوسة الدولي (مديره الدكتور هشام بن سعيد) يليق بسوسة كقطب سياحي وثقل سكاني مقارنة بمهرجاني قرطاج والحمامات ؟ لا يمكن المقارنة، ولكن مهرجان سوسة حافظ على نوعية من العروض الراقية في ظل ما يتوفر لديه من إمكانيات مادية محدودة ، ولا يمكنه أن يكون مهرجانا جماهيريا في فضاء لا يتسع لأكثر من 1700 متفرّج. لماذا لا ينظم عروضه في الملعب الأولمبي بسوسة؟ من حيث المبدإ الفضاء الرياضي غير الفضاء الثقافي وأنا لا أميل إلى التداخل لأنه مخلّ، أكثر من ذلك جرّب مهرجان سوسة تنظيم العروض في الملعب الأولمبي وكان الاختيار كارثة في مستوى ما كبّده من خسائر مادية لأن المهرجان كان آخر من يتحكم في التنظيم «لكل سلطته على الأبواب». قضيت سبع سنوات في المهدية(أوت 2000 أوت 2007) وفي صفاقس (2007 فيفري 2009) وأنت في سوسة منذ ذلك التاريخ، فما هي الوصفة التي مكنتك من الاستمرار ؟ (يضحك) يبدو أن القراءات قد اختلفت في تفسير ذلك. يقال إنك تحسن المناورة ؟ وهل نحن في حرب لأناور؟ ببساطة أظن أن الأمر يتعلق بالقدرة على التفاعل مع المحيط والإنصات ونفس طويل لتقبل الاختلاف، ما أعرفه أني كنت دائما وما زلت في علاقة تفاعلية مع المثقفين بالجهة التي أشتغل فيها وكثيرا ما نجحت في إرساء علاقة بناء وعمل مشترك دون أن تلغي الإدارة دور المثقف. في ما مضى كان المثقف التجمعي على رأس القائمة، هل أصبح المثقف النهضوي الآن هو المبجّل ؟ لم أعتد يوما هذه التصنيفات وهي لا تعني لي شيئا ولا أذكر أني أقصيت يوما مبدعا بسبب انتمائه السياسي.