قال منذر بالضيافي المكلف بالإعلام بوزارة العدل في تصريح ل«التونسية» أن الحكومة قرّرت تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الى ليبيا. وأضاف بالضيافي أن «تسليم المحمودي متوقف على استكمال إجراءات التسليم مع السلطات الليبية» دون أن يحدد تاريخ التسليم. وقال بالضيافي أن ترحيل البغدادي «سيتم خلال الأسابيع القادمة بناء على تعهدات من الحكومة الانتقالية في ليبيا بتوفير شروط محاكمة عادلة له». ويأتي قرار الحكومة في أعقاب زيارة رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا عبد الرحمان الكيب الى تونس في 17 ماي الجاري والتي انتهت بتوقيع اتفاقات في المجالات الأمنية والاقتصادية. من جانبه رفض سمير بن عمر مستشار المنصف المرزوقي التعليق على خبر تسليم البغدادي قائلا ل«التونسية»: «لا تعليق لدي لكن أريد التأكيد أن ملف البغدادي من صلاحيات رئيس الجمهورية فقط». وكان المرزوقي قد وعد بتسليم البغدادي الى المجلس الوطني الانتقالي في حال توفر شروط محاكمة عادلة هناك. ورئيس الجمهورية في تونس هو المخول بتوقيع قرار تسليم السجين السياسي البغدادي المحمودي الى ليبيا. ولمزيد إلقاء الضوء على خلفيات وتداعيات هذا القرار، أعطت «التونسية» الكلمة للأستاذ البشير الصيد والأستاذ شرف الدين القليل ورجل القانون أحمد الرحموني. في اتصال هاتفي بالأستاذ البشير الصيد محامي البغدادي المحمودي أفاد أنه يندد بقرار تسليم منوبه البغدادي المحمودي الى السلطات الليبية معتبرا أن هذا القرار مخز وينال من كرامة تونس وشرف شعبها. وقال البشير الصيد «إن القرار الذي اتخذه وزير العدل نور الدين البحيري قرار مخالف للقانون وللأخلاق ولحقوق الانسان» مؤكدا أن هيئة الدفاع عن البغدادي المحمودي لطالما نبّهت إلى أنه لا يليق بتونس أن تسلم منوبه باعتبار أنه لا يوجد أي مبرّر على الاطلاق لذلك. وأضاف الصيد أن الحكومة والرئاسة تتحملان مسؤوليتهما في هذا التسليم المخالف لكل القوانين والأخلاق والمواثيق الدولية. واعتبر البشير الصيد أن قرار تسليم البغدادي وراءه خلفية سرية من الممكن أن تكون صفقة تجارية أو منفعة مالية مضيفا أن هذا يدخل تونس في باب بيع وشراء دماء الناس ويكون البغدادي قد قدمته السلطة التونسية ككبش فداء لصفقة معينة. وأشار البشير الصيد الى أن مسألة تسليم منوبه ستنتج عنها عواقب وخيمة على تونس موضحا أن هيئة الدفاع عن البغدادي ستتوجه الى الحكام الجدد في ليبيا للبحث عن حلّ. وذكر البشير الصيد أنه سيتم الاتصال بالمنظمات والجمعيات الحقوقية العالمية لمنع قرار التسليم. من جهته أفادنا الحقوقي والمحامي شرف الدين القليل أن المبدأ هو من حق كل دولة صاحبة سيادة أن تحاكم رعاياها المجرمين الذين ارتكبوا جرائم على إقليمها ولكن بالنسبة لقرار التسليم فإنه يخضع لإجراءات استثنائية. وأضاف الأستاذ القليل أن مسألة تسليم البغدادي تقتضي التأكد من أن القضاء الليبي قادر على توفير محاكمة عادلة للبغدادي المحمودي تتوفر فيها الضمانات القانونية مشيرا إلى أنه يجب على القضاء الليبي أن يبرهن ويقنع أن محاكمة البغدادي المحمودي ليست محاكمة شعبية ولا أخذا بالثأر. حقوقيون : قرار خطير وأكد الحقوقي شرف الدين القليل أن القضاء الليبي تسيطر عليه الميليشيات والمحاكمات الشعبية وتصفية الحسابات وفي ذلك خطر على حياة البغدادي المحمودي مؤكدا أنه ضدّ التسليم لأن حقوق الإنسان مازالت منتهكة في السجون الليبية. وباتصالنا بالقاضي ورجل القانون أحمد الرحموني أفادنا أن قرار تسليم البغدادي المحمودي قرار خطير باعتبار أنه سبق لرئيس الجمهورية السابق أن رفض التسليم وكذلك رئيس الجمهورية الحالي المنصف المرزوقي الذي عبّر عن رفضه التسليم ما لم تتحقّق شروط المحاكمة العادلة له مضيفا أن ما صرح به وزير العدل نورالدين البحيري لوكالات الأنباء يعكس اختلافا داخل نفس التحالف السياسي في الحكومة التونسية. وقال القاضي أحمد الرحموني أن القانون المنظم للسلط العمومية لم يعد يقتضي صدور أوامر عن رئيس الجمهورية في ما يتعلق بتسليم الأجانب لأن هذا أصبح من مشمولات رئاسة الحكومة. وأشار رجل القانون أحمد الرحموني إلى أن ما يستغرب أن الإعلام بقرار تسليم البغدادي صدر عن وزير العدل وليس عن رئيس الحكومة مؤكدا أن القانون المنظم للسلط العمومية يقتضي التشاور بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد. وأوضح القاضي أحمد الرحموني أن مجلة الإجراءات الجزائية في بابها المتعلق بالتسليم تُشير إلى أنّ التسليم يخضع لشروط منها ألاّ تكتسي الجرائم المنسوبة إلى المراد تسليمه صبغة سياسية، كما يُمنع التسليم إذا اتضح من الظروف أن طلب التسليم كان لغاية سياسية. ولاحظ القاضي أحمد الرحموني أن مسألة المحاكمة العادلة لم تخضع إلى تقييم من جانب الحكومة التونسية بل اكتفى وزير العدل بالإشارة إلى أن وزير العدل الليبي تعهّد بإجراء محاكمة عادلة متسائلا هل أنّ هذا كاف لإقرار ضمانات محاكمة عادلة. وأوضح القاضي أحمد الرحموني أن قرار التسليم يعتبر عملا إداريا قابلا للطعن أمام المحكمة الإدارية طبقا لما يقتضيه القانون المؤرخ في 1 جوان 1972 والمحدث للمحكمة الإدارية مضيفا أنه لا جدوى للطعن إذا ما سيتم تسليمه خلال الأيام القليلة القادمة باعتبار أن الطعن لن يوقف التسليم.