كتبت قبل أيام عن زميلنا سمير المسعودي المكلف بالإعلام بوزارة الثقافة بعد إيقافه بتهمة الاعتداء على عون أمن في المسرح الروماني بقرطاج(دهس قدمه بعجلة سيارته كما ورد في الرواية الرسمية) وطالبنا بحل المشكل بشكل ودي لأنه لا يعقل أن تتطور الأمور إلى هذا الحد بين من هو مكلّف بخدمة الصحافيين ومن هو مكلّف بحفظ أمن مرتادي المهرجان، ومن حسن الحظ أن نداءنا لم يذهب سدى وأطلق سراح سمير بعد أن كانت جلسته محددة في البداية ليوم 16 أوت ... كتبنا ما كتبنا بصدق دفاعا عن مبدإ لا عن شخص، ولم نتوقع أن نتعرض للموقف الذي عشناه يوم الجمعة الماضي: ، كان المسرح مكتظا كما يوحي بذلك المأوى المقابل لجامع العابدين(سابقا) – ولا أعلم ماهي تسميته الثورية الجديدة- والذي يستخلص دينارا تونسيا أصيلا عن كل سيارة، ثم يغادر كل الأعوان المسخرين لجمع الأموال بالمأوى مع بداية الحفل ولا يبقى أحد لحراسة السيارات، ولذلك نحن نسأل مقابل ماذا تدفع هذه الدنانير كل ليلة ومن يستفيد منها خاصة أن هذا المأوى كانت تستغله شعبة قرطاج للتجمع الدستوري برئاسة صهر الرئيس المدلل صخر الماطري؟ حين بلغنا الباب المخصص نظريا لدخول الصحافيين، وجدناه مكتظا بغير الصحافيين وكأنه يوم الحشر(بالمناسبة لعلي أسأل هل يحشر الصحافيون أو لا يوم الحساب العظيم)، كل يحمل تذكرته وينتظر أن تفتح في وجهه «أبواب الرحمة». حاولنا التسلل حتى بلوغ البوابة المغلقة فنصحنا أحد رجال الأمن بأن نجرب حظنا من الباب الآخر المخصص لكبار الشخصيات VIP ، وهو ما فعلناه شاكرين ممتنين للنصيحة ومسديها. لم يكن الوضع بأفضل حال فالباب مغلق وشخص وحيد يملك المفتاح هو المكلف ببروتوكول السيد وزير الثقافة. انتظرنا نصف ساعة وأكثر، اتصلنا بمدير المهرجان وبعثنا له بإرسالية قصيرة دون جدوى جربنا مع زملائنا في المكتب الصحفي ، فقيل لنا بأن ننتظر قليلا حتى قدوم الغوث . فعلنا ذلك بطيب خاطر حتى جاء زميلنا رمزي المنصوري، كنا نرقب سير الأمور من وراء قضبان البوابة، اتجه رمزي نحو حامل المفاتيح وكأنه رضوان خازن الجنان، أخبره بصوت هادئ بأننا صحافيون ولابد من دخولنا لنقوم بمهمتنا التي من أجلها جئنا، فرفع السيد المكلف بالبروتوكول - حامل النظارات الطبية الخفيفة الذي ورث هذه المهمة عن أحد أباطرة وزارة الثقافة الذي كان يرأس وداديتها وشعبتها وتروى الحكايا عن نفوذه وصلاته بذوي القربى والمرضي عنهم- ، رفع سيد البروتوكول صوته قائلا بنبرة ساخرة وحائرة «الباب هذا عندو إمّاليه؟ صحافيين يحبوا يدخلوا من هوني؟ ما يدخلوش» احتج زميلنا عضو المكتب الصحفي للمهرجان بكثير من الأدب المضمّخ بالحرج، فردّ عليه «خازن جنة مهرجان قرطاج» بالنبرة ذاتها المتعالية «برة اشكي للوزير» ولم نكن نعلم أن السيد وزير الثقافة يعاني أيضا حتى من الشخص الذي يفترض أن يكون أكثر الناس كياسة ولطفا وأدبا ولطفا وأخلاقا رفيعة...أو ليس هو المكلف بالبروتوكول؟ هنا انتهى الفصل الأول من الحادثة، في مهرجان يشغل 160 عونا من حجّاب وزارة الثقافة كل ليلة(وكلهم من الذكور لحكمة لا يعلمها سوى من قام بالكاستينغ) ، ولا أحد يسأل هل يحتاج المهرجان هذا العدد؟ وهل كلهم مؤهلون لأن يكونوا أعوان استقبال أو مراقبة أو حماية إضافة إلى أعوان الأمن الذين يسدد المهرجان نظير خدماتهم 55 ألف دينارا؟ فجأة اندفع عون برتبة ملازم أول اسمه (...) عريض المنكبين واسع الصدر مكتنز البطن ليأمرنا بالمغادرة «بره روّح لدارك»، ولم يكتف بذلك بل تفوه بكلام بذيء وبسب ّ الجلالة، ودفع إحدى زميلاتنا متسببا في جرح ذراعها، أرعد الرجل وأزبد كما اشتهى أمام مرأى الجميع مرددا العبارات النابية نفسها بإيقاع وإصرار وكأنه الأسد في عرينه وعلينا أن نهرب إلى جحورنا مادام قد زأر علينا .... لم أسكت، رددت على هيجانه وانفلاته، ذكّرته بأن الصحافة التونسية هي التي دافعت عن جهاز الأمن حين بات هدفا سهلا إبان الثورة وبأنه عليه أن يحترم الزي الذي يرتديه، وبأن تونس بعد الثورة تستحق أمنا أفضل مما يمثله هذا الملازم الأول الذي وجد من يتطوع ليشهد لفائدته بأنه لم يخطئ في حقنا ، ومن حسن حظنا أن كان من بين رجال الأمن الحاضرين من تبرّأ من صنيع زميلهم واعتذر بدل المرة مرات بل وحاول دفع هذا الهائج للاعتذار و«ربي يهديه». كانت المسألة أكبر من» ربي يهديه» أو يهدينا وإن كنا يوم جمعة، فلا شيء يبرر هذا السلوك إزاء صحافيين استظهروا بشارات الاعتماد، بل إن رئيس ديوان وزير الثقافة تدخل بنفسه وكاد يصيبه ما أصابنا... اتجهنا إلى مركز الاستمرار بقرطاج لتقديم شكاية بالسيد الملازم الهائج وبعد انتظار طويل وحديث أطول مداره أن هذا الهائج لا يمثل جهاز الأمن وبأن رؤساءه سيتخذون ضده الإجراءات المناسبة لتأديبه قيل لنا «عودوا في الغد لتقديم شكواكم لدى منطقة الأمن بقرطاج».... قبل سنوات، وحين كان سمير بلحاج يحيى مديرا لمهرجان قرطاج، كان المهرجان يستعين بخدمات أعوان من شركات متخصصة في الحراسة يرتدون أزياء موحدة وكان أعوان الأمن يراقبون الأوضاع من بعيد ولا يتدخلون إلا عند الضرورة ، لم يكن هناك هذا الجيش من العسس ولم يكن أعوان الأمن في تماس مع رواد المهرجان إلا عند الضرورة فما بالك بصحافي جاء ليقوم بعمله ... كانت تحدث مشاكل أي نعم، ولكن لا أذكر أن الأمور بلغت هذا الحد من التطاول والترهيب والتعنيف اللفظي والبدني ... ولأني أعرف أن في الداخلية تفقدية عليا فسأشتكي هذا الملازم الأول الذي لا يفرق بين واجبه في حفظ الأمن ونزعته الذاتية في التعدي على الآخرين ، حين يصبح حافظ الأمن هو نفسه من يعتدي بالدفع واللكم والإهانة من حقي أن أخاف على ابنتي، أما مهرجان قرطاج فليذهب إلى الجحيم ....إنه لا يحتاج أصلا إلى صحافيين فبعض الكتبة يقومون بالمهمة باقتدار دون عنت ودون وجع رأس، وليهنأ المهرجان بأجنفه الجديد على أمل أن لا يحمل هو أيضا القبقاب والسطل ليتوضأ سيده وولي نعمته وليهنأ أمننا الجمهوري بهذا الملازم الأول الذي مازال لم يسمع بأن بن علي هرب ولن يعود، ختاما أسأل نقابتنا هل ينبغ أن تسفك دماؤنا حتى تتحركي؟