ألقت مبادرة رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي الداعية إلى تشكيل حكومة «تكنوقراط» بظلالها على الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي التي انعقدت أمس قصد تدارس مستجدات الوضع العام بالبلاد خاصة بعد اغتيال المناضل السياسي شكري بلعيد وما تبع ذلك من مبادرات سياسية على حد تعبير رئيس المجلس مصطفى بن جعفر. وقد اختلفت آراء نواب المجلس الوطني التأسيسي في ما يتعلق بمبادرة رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي الداعية إلى تشكيل حكومة «تكنوقراط»، بل إن اختلافهم بلغ حد انقسام الآراء حول شخصية رئيس الحكومة المؤقتة. إذ أن هناك من اعتبره دكتاتورا تصرف بأحادية والتف على الثورة وهناك من رأى أن الجبالي أكد بقراره أنه رجل دولة وطني غلّب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية الضيقة. انطلاقة متوترة وصف النائب عن حزب حركة نداء تونس ابراهيم القصاص الوضع الذي آلت إليه البلاد أثار حفيظة بعض النواب الذين اعتبروا أنه تلفظ بعبارات غير لائقة، وقد دعا القصاص النواب إلى ضرورة الادلاء بتصريحات من شأنها أن تساهم في التوافق لأن تونس لا تحتمل التقسيمات. غير أن مداخلة القصاص ودعوته النواب إلى تهدئة الوضع لم تجد صداها. النائب عن الجبهة الشعبية حطاب البركاتي أشار إلى أن سلسلة الاغتيالات ستتواصل مضيفا أن الجبهة الشعبية نبهت منذ فترة لتنامي ظاهرة العنف انطلاقا من قتل لطفي نقض عضو حركة نداء تونس بتطاوين، وهو ما أثار غضب نواب حركة النهضة الذين لم يشاطروا البركاتي رأيه وعبروا عن استيائهم الشديد. ردة فعل نواب حركة النهضة لم ترق للنائب حطاب البركاتي الذي أكد أن الأفكار والآراء تختلف ولكل طرف أدواته التحليلية الخاصة، مبديا استغرابه الشديد من ردة فعل نواب كتلة النهضة. كما أشار إلى أن الجلسة العامة مرفوضة شكلا نظرا لتغيب رئيسي الحكومة والجمهورية عنها في الوقت الذي تشهد فيه البلاد منعرجا خطيرا. اتهام الجبالي بالالتفاف على الثورة التباين في الأراء والمواقف تواصل خلال هذه الجلسة العامة وخاصة حول حكومة «التكنوقراط»، إذ اعتبر النائب عن كتلة المستقلين الأحرار رمضاني دغمان أن دعوة رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي إلى تشكيل حكومة كفاءات فيه تعد على استحقاقات الصندوق وعلى المجلس الوطني التأسيسي صاحب الشرعية الأصلية. وأضاف أن دعوة الجبالي التفاف على الثورة وهي عبارة عن عودة إلى الديكتاتورية، خاصة وأن تصرف رئيس الحكومة كان تصرفا أحاديا وهو على حد تعبيره سابقة خطيرة من نوعها، مشيرا إلى أنه كان من الضروري العودة إلى المجلس التأسيسي. موقف رمضاني دغمان تبنته أيضا كتلة حركة النهضة المتمسكة بشرعية الصندوق، حيث شدد نائب رئيس كتلة النهضة وليد البناني أن البعض كان ينتقد الجبالي ويتصيد أخطاءه واليوم أصبح من مؤيديه، مشيرا إلى أن المصلحة الوطنية تقتضي أن تبقى حركة النهضة موحدة والاّ تخرج من الحكم، كما أضاف أن من يأمل بأن حركة النهضة ستنقسم هو واهم. وحرص البناني على التذكير بأن حركة النهضة منتخبة من الشعب. من جهته أكد النائب عامر لعريض أن المجلس هو الشرعية الأصلية والوحيدة وأن من يشكك في هذه الشرعية لا يؤمن بالانتخابات ولا بإرادة الشعب. بينما ذهب النائب من نفس الكتلة نجيب مراد إلى أبعد من ذلك واعتبر أن من زيف الانتخابات يريد اليوم الطعن في شرعية المجلس التأسيسي، في إشارة إلى الباجي قائد السبسي، مضيفا ان محاولة الانقلاب فشلت يوم 6 فيفري وأن محاولة الانقلاب هذه انطلقت مع حرق مقامات الأولياء الصالحين من قبل اللائكيين واليساريين. كما أكد أن المحاولة الانقلابية الثالثة كانت مع دعوة الباجي قائد السبسي الى حل المجلس التأسيسي. نواب كتلة المؤتمر كانوا من أنصار هذا الموقف حيث أشارت النائبة اقبال مصدع إلى أن الحل المقترح من قبل الجبالي يؤكد الخلل في مسار حكومته الخاطئ الذي دأبت عليه منذ بدايته، مضيفة أن الإشكال الذي تعاني منه الحكومة يتمثل في غياب الارادة السياسية وغياب الاستماع الى الحلفاء. كما أكدت ان الكفاءة وحدها لا تكفي، مشيرة إلى أن الجبالي سعى إلى ارضاء المعارضة ومن شكك في شرعيتها، في حين أنه كان من الأجدر الاستماع إلى الحلفاء قبل الاتجاه إلى توسعة تحالف الحكم. وذكّرت أن المرزوقي كان قد نبه إلى سعي حركة النهضة نحو الهيمنة والتغلغل في مفاصل الدولة، مؤكدة أن الاشكال سياسي والحل يبقى سياسيا. الجبالي وطني في المقابل وصف نواب الكتل المعارضة رئيس الحكومة بأنه رجل وطني غلب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية الضيقة وذكّر النائب عن حركة نداء تونس عبد العزيز القطي بالتعليق الذي نشره رئيس الحكومة على صفحته الرسمية والذي يقول فيه «إني اخترتك يا وطني»، مشيرا إلى أن ذلك كان ردة فعل منه تجاه التخوين والثورة المضادة والعديد من الاتهامات التي وجهت إليه من داخل حركة النهضة، والذي يؤكد على حد تعبير القطي بأن الجبالي فكر في المصلحة الوطنية قبل المصالح الحزبية الضيقة. وأضاف أن دعوة الجبالي إلى تكوين حكومة «تكنوقراط» هو اعتراف ضمني منه بأن الحكومة المؤقتة قد فشلت، مشيرا إلى أن الجبالي يرفض المرور عبر المجلس التأسيسي لأنه يدرك بأن الأغلبية سوف ترفض مقترحة. ودعا القطي إلى ضرورة تفعيل مبادرة الاتحاد من أجل تحديد مدة عمل المجلس التأسيسي. وعبر رئيس كتلة التكتل المولدي الرياحي، عن تمسك كتلته بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، مشيرا إلى أن للمجلس التأسيسي دورا كبيرا في انجاح التوافقات بين مختلف القوى السايسية، مبديا استغرابه ممن يدعون حرصهم على الوطن وفي ذات الوقت يدعون إلى حل المجلس الوطني التأسيسي. كما أكد أن كتلة التكتل تساند مبادرة الجبالي من أجل تعاقد سياسي جديد، داعيا إلى ضرورة النأي بالجهاز التنفيذي عن التجاذبات الانتخابية، وأن تتوافق العائلات السياسية على تشكيل الحكومة وعلى برنامجها. كذلك أكد النائب مهدي بن غربية مساندة الكتلة الديمقراطية لمبادرة الجبالي لأنه في نظره لا حلّ اليوم إلاّ في حكومة تكنوقراط.