ذكريات رائعة عشناها في صبانا نمتطي الحافلات.. ذكورا وإناثا نطلب الترحال بين جهات البلاد التونسية ضمن رحلات مدرسية طابعها ودي ولكنه مفعم بالجد لان الامر يبدأ بالترفيه عن النفس وينتهي عند الرغبة في الاستطلاع والتعرف على كنوز وجوهر هذا الوطن الحبيب ..تونس المجد والتاريخ. نركب الحافلة في غبطة وانشراح تحت وداع امهاتنا وتحت اشراف معلمينا الذين يقدمون لنا الغاية والمقصد من رحلتنا مع اول خطوة تقطعها حافلتنا الى الامام وبعدها ننطلق في الانشاد والغناء والتصفيق على ايقاع «الدربوكة» والدف ونحن ننعم من نوافذ الحافلة بمتعة الفرجة حيث السهول الخضراء وبيادر السنابل الذهبية وقمم الجبال المتعانقة وقطعان الاغنام وهي تغادر مرابضها صوب المراعي الممتدة. كانت الرحلات المدرسية ملاذنا الوحيد وقت الطفولة نتعانق حتما مع جغرافية المكان وتاريخ الزمن لوطننا الجميل.. نسافر الى العاصمة فنزور متحف «باردو» و «قرطاج القديمة» و «دار الحوت» وحديقة «البلفدير» و البلاد العربي ومنتزه «النحلي».. نقصد «بنزرت» لنحط رحالنا بشاطئ «الرمال» والميناء البحري ومحمية «اشكل» .. نرحل الى «القيروان» لنتعطر بتاريخها الاغلبي والفاطمي والاسلامي اين جامع «عقبة» وفسقية الاغالبة ومقام «أبي زمعة البلوي» وبئر «بروطة» و«رقادة» بقصورها الاغلبية.. نذهب الى «سوسة» حضر موت الرومان وفيها ننعم بسحر رمال شاطئ «بوجعفر» وميناء القنطاوي في شكله العصري البديع وقد احاطت به الفنادق الفخمة وهي تعج بالسياح من كل الجنسيات.. وقد نشد الرحال الى «مهدية» الفاطميين فنزور السور التاريخي والميناء القديم و«السقيفة الكحلاء» والمدينة العتيقة.. وكم سافرنا حيث يحلو السفر الى «قربص» الساحرة لتستقبلنا بشاطئها الصخري وعيونها الرقراقة وحماماتها المعدنية وعطر اشجارها اليانعة.. ولنا مع «طبرقة»و«عين دراهم» ذكريات لا تمحى تمتعنا فيها بجبالهما وغاباتهما وبنصب شاعرنا الخالد «أبي القاسم الشابي» وشاطئ المرجان الجميل اين تنتصب في سحر وشموخ صخور «الإبر» العجيبة.. وإذا أردنا ان نغوص في عمق صحراء الجنوب فحتما كنا نولي وجهتنا صوب «مطماطة» القديمة اين تنتشر المغاور البربرية بين أحضان الهضاب الصحراوية.. اما من ناحية الجنوب الغربي فليس اروع من زيارة واحات «الجريد» الخلابة بعيونها العذبة والمركب التاريخي «دارشريط» قبل ان نشد الرحيل نحو صحراء «دوز» و«تمغزة» لنشهد غروب الشمس ورحلة القوافل بين مسالك كثبان الرمال الصامدة. هذا هو الوجه المتحرك للرحلات المدرسية التي كتبنا فيها ذكريات رائعة أرخّنا لها بالهدايا التقليدية من تراث بلادنا وعبرنا عنها بالصور الشمسية التي تحويها الى اليوم ألبوماتنا.. عكس اليوم حيث اصبحت مثل هذه الرحلات نادرة إن لم نقل.. نسية منسية.