شرع امس المجلس التاسيسي في مناقشة قانون تحصين الثورة خلال جلسة عامة انعقدت للغرض، حضرتها مكونات الحقل السياسي التي انقسمت بين مرحب به وبين معارض له، بحضور «مصطفى بن جعفر» رئيس المجلس التاسيسي . وحملت الجلسة في طياتها نقاشات حادة ابطالها نواب استبسلوا في الدفاع عن قانون العزل السياسي وبين اخرين اعتبروه فضيحة ومهزلة ستسجل كنقطة سوداء في تاريخ تونس ما بعد الثورة. وقد استاثرت مناقشة هذا القانون باهتمام وسائل إعلام من داخل تونس وخارجها التي سلطت الضوء على مداولات المجلس التاسيسي الذي انقسم نوابه بين من يرى في مشروع القانون خطأ تاريخيا ستذكره الاجيال القادمة بسوء وشق اخر يرى ان تمريره انتصار للثورة ولدماء شهدائها بعد استئصال رموز النظام السابق الذين اجرموا في حق الشعب . ومع استمرار المفاوضات من أجل محاولة الوصول إلى أرضية مشتركة، فإنه لا يبدو أن بعض الاحزاب مستعدة للاستسلام (الاحزاب الحاكمة وحركة وفاء ...)، التي تحدثت عن أهداف لا يبدو أن الطرف الآخر سيقبلها (الاتحاد من اجل تونس و...)، وتبين ذلك فى تصريحات «كلثوم بدر الدين»رئيسة لجنة التشريع العام (حركة النهضة) قالت فيها ان قانون تحصين الثورة لا يتضمن أيّة محاكمات تعسفية أو عقوبة جماعية لأي طرف سياسي مهما كانت توجهاته على عكس ما يعتقد البعض. وقد بدا رأي «سليم بن حميدان» وزير املاك الدولة (المؤتمر) منسجما معها حيث اعتبر انه من باب الوفاء للشهداء تمرير هذا القانون لتحصين الثورة من عودة الاستبداد والتزوير ...، مقترحا تغيير تسميته حتى يكون اكثر خصوصية ليصبح «قانون حماية الديمقراطية» ويتضمن اجراءات احتياطية لمنع عودة من أسماهم «رموز الفساد وازلام النظام السابق»، وهو قانون اجمعت عليه مختلف القوى الثورية في مقدمتها الاحزاب الحائزة على الاغلبية في المجلس التاسيسي على حد قوله . وقد بدا «المولدي الرياحي» رئيس كتلة التكتل في ثوب جديد بعد ان عبر حزبه سابقا عن معارضته لهذا القانون بصيغته الحالية، اذ اشار الى ان من حق كل شعب انجز ثورة ان يحميها من بقايا النظام السابق، مضيفا: «لا يمكن ان تذهب تضحيات الشعب سدى...». وكشف الرياحي ان الساحة السياسية تعج بأحزاب ظاهرها جديد وباطنها قديم وتضم رموز النظام السابق معلقا : «لا نتصور ان من كان ظالما يستطيع بعد اشهر انجاز الديمقراطية ...»، مخيرا اعتماد قانون العدالة الانتقالية لكشف الحقيقة كاملة ومحاسبة كل من اجرم في حق الشعب واعتبرها اداة لتطهير المجتمع من كل الشوائب التي التصقت به على امتداد العقود السابقة . لا مكان للدولة العميقة و في موضوع متصل طالب «وليد البناني» ( النهضة) بضرورة قطع الطريق امام منظومة الفساد التي مازالت متغلغلة في مفاصل الدولة، والتي اصبحت تخطط في العلن وتهدد من صنع الثورة بسوء العاقبة عند اعتلاء سدة الحكم حسب تعبيره، مضيفا : «لكن هذا ابعد من السماء عن الارض... ازلام النظام يهددون ويتوعدون بعد تمرير قانون تحصين الثورة ... القانون سيناقش تحت قبة المجلس التأسيسي... لا أحد يقبل وجودهم في مفاصل الدولة، الدولة العميقة لا مكان لها...». أما «عامر العريض» رئيس المكتب السياسي لحركة «النهضة» فقد أشار إلى وجود اطراف اكثر استئصالية من التجمعيين انفسهم مطالبا بادراجهم هم أيضا صلب قانون العدالة الانتقالية، موضحا ان تحصين الثورة لن يشمل الا عددا قليلا من رموز النظام السابق . تحصين الثورة ليس بدعة وتمسك محمد الصغير «النهضة» بقانون تحصين الثورة لحمايتها من كل المخاطر المتربصة بها، مضيفا ان هذا القانون ليس بدعة وانما ولد من رحم الثورة وعملت به اغلب الدول التي عاشت ثورات، معلقا: «يجب التفريق بين تحصين الثورة والعدالة الانتقالية... ولى زمن الحزب الواحد والمنقذ الاوحد...». ومن جهته اعتبر «بشير النفزي» عن كتلة المؤتمر من اجل الجمهورية ان تونس تعيش على وقع حدث تاريخي يتمثل في مناقشة تحصين الثورة، مطالبا بالاقتداء بالنموذج الليبي الذي اقر قانون العزل السياسي وهو كلام ايده ازاد بادي عن كتلة وفاء الذي نبه زملاءه من مغبة الاصابة بداء النسيان ، وتذكر مآسي الماضي ومحاسبة مرتكبيها، مضيفا: «لقد كانت البلاد والعباد في خدمة السلطان وحريم السلطان... يجب تفكيك النظام الذي فر راسه...» السبسي رئيس في قلوب التونسيين من جهة اخرى انتقد «محمد علي النصري» (نداء تونس) قانون تحصين الثورة ووصفه بالفضيحة لما له من تداعيات سلبية على مستقبل البلاد مضيفا ان هذا القانون مزق وحدة المجتمع وفكك تماسكه، مضيفا :» مجلسنا يعج بالتجمعيين ومنهم من كان أكثر الانبطاحيين للنظام السابق...» في اشارة الى ازاد بادي . و ابرز النصري ان قانون تحصين الثورة جعل خصيصا لتضييق الخناق على الباجي قائد السبسي، لكنه خاطب مؤيدي القانون بكل ثقة في النفس :» انتم على خطإ... فالسبسي هو رئيس في قلوب التونسيين مهما بنيتم من سدود ... تحصين الثورة يكون من الفقر والبطالة والنهب والسرقة ... لقد جعلتم التونسيين يترحمون على ايام بن علي...». أما «إبراهيم القصاص» «نداء تونس» فصرح أن قانون التحصين السياسي للثورة أريد به باطل داعيا الى ترك مسالة محاسبة من اجرم في حق الشعب للقضاء، مضيفا ان هذا الاجراء يشرع للانتقام من الخصوم السياسيين خاصة الذين يتبوّؤون مرتبة مرموقة في الحياة السياسية، داعيا الى ضرورة الاقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم والتحلي بالمبادئ الاسلامية السمحة كالتسامح... مضيفا: «قانون التحصين شجرة خبيثة... وانا اقول لا تحصين ولا تحمير ولا تبغيل...». من جانبه اعرب هشام حسني عن استيائه الكبير من قانون التحصين باعتباره عزلا سياسيا لا تحصينا للثورة، وراى ان التحصين يكون عبر تحقيق أهداف الثورة والقضاء على البطالة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية...، داعيا الى اعتماد تاريخ 1987 في القانون حتى يشمل عددا اخر من الاشخاص منهم من قال إن «ربي الفوق وبن علي تحت..» حسب تعبيره، مشيرا الى أن أحد الوزراء في الحكومة الحالية كان تجمعيا، واعتبر ان القانون أعد على مقاس حركة «النهضة». بينما اقترح علي بالشريفة اسقاط قانون التحصين والاكتفاء بقانون العدالة الانتقالية باعتبار ان اتباع النظام السابق هم ايضا يحملون الجنسية التونسية ولا يمكن الالقاء بهم في البحر مستشهدا بمقولة لزعيم جنوب افريقيا «نلسون مانديلا» . من جانبه وصف محمود البارودي (التحالف الديمقراطي) قانون التحصين بانه جائر ويمكن ان تحاسب به حركة «النهضة» في يوم من الايام امام المحاكم الدولية، فيما عبر «احمد نجيب الشابي» (الجمهوري) عن رفضه المطلق لهذا القانون باعتباره عقابا سياسيا جماعيا واقترح التخلي عنه والتوجه الى صناديق الاقتراع . «صحة اللحية يا تجمّع» وأكدت نادية شعبان (المسار) ان من بين الشعارات الاكثر رواجا بعد الثورة هي «صحة اللحية يا تجمع ...» للدلالة على احتواء حركة «النهضة» لبعض رموز التجمع المحل، مضيفة ان من ناشد بن علي بالامس اصبح اليوم مناشدا لحركة «النهضة» قائلة: «هناك اعادة انعاش لأساليب النظام السابق...». وبخصوص العدالة الانتقالية قالت شعبان ان هذا الموضوع تحول الى اداة لضرب الخصوم السياسيين وتحولت من عدالة انتقالية الى انتقامية وانتقائية معتبرة ان ما يقع اليوم هو استعادة سيئة لاساليب الماضي، قائلة: «غدا يمكن ان ينقلب السحر على الساحر ويجب القطع مع سلوكيات الماضي...». وتساءلت شعبان عن سبب اصدار قانون على مقاس حركة «النهضة» ومشابه لقوانين العهد السابق مضيفة: «هل لديهم نفس «التارزي»...».