تواصلت ، الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي المخصصة لمناقشة مشروع الدستور مناقشة عامة ، وتواصل معها التباين في قراءة النواب لفصول هذا المشروع، بل إن التباين والاختلاف بين الكتل النيابية برز بأكثر عمق ووضوح خلال هذه الجلسة وأصبح كل طرف متشبث بموقفه أكثر لاسيما كتلة حركة «النهضة» التي بدا نوابها ماضين بأكثر عزم في الدفاع عن مشروعهم في الدستور خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي جدت بمصر وسقوط حكم الإخوان حتى أن النائب النهضوي الصادق شورو أكد في مداخلته أنهم «سيتصدون لأصحاب الردة ولن تقوم لهم قائمة». وانتقد نواب كتلة النهضة المعارضين لمشروع الدستور واعتبروا أن رفضهم لبعض فصول الدستور هو محاولة منهم لعرقلة أشغال المجلس الوطني التأسيسي واسقاط الدستور واعادة سيناريو مصر. قوى الردة تحلم بإسقاط الدستور خلال مداخلته، أكد النائب عن كتلة «النهضة» الصادق شورو أن الحرية مبدأ اساسي في الإسلام ذلك أن شرط دخول الإسلام هو قوله «لا إله إلا الله» أي لا خضوع سوى لله فقط وليس للسلطان أو الحاكم على حد تعبيره. وأضاف في هذا السياق أن دستور الإسلام سبق كل الدساتير وأن الإسلام جاء ليحرّر المستضعفين من الطغاة والمستكبرين. كما أفاد أن الإسلام دين وسط «لا افراط فيه ولا تفريط»، مشيرا إلى أن الانسان إذا فرّط في الحرية شرّع للاستبداد وإذا بالغ فيها شرّع للفوضى، داعيا في هذا السياق إلى ضبط الحريات في الحدود التي لا تخرج بها عن الافراط ولا عن التفريط، كما دعا إلى ضرورة ضبط حرية التعبير حتى لا تصبح مدخلا لضرب الاسلام وضبط حرية الضمير حتى لا يخرج المسلم عن دينه. وأضاف أن مشروع الدستور لا يرتقي إلى طموحات الشعب التونسي المسلم،لأن السيادة العليا في نظره لله وليست للناس ثم للشعب. كما أكّد أن قوى الردة تحلم بإسقاط الدستور بل تحلم بإسقاط المجلس الوطني التأسيسي، مشيرا إلى أن من قالواإن سيناريو مصر سيعاد في تونس انما هم واهمون وأنه سيتم التصدي لهم ولن تقوم لهم قائمة. من جهتها انتقدت النائبة عن كتلة «النهضة» هاجر عزيز أصوات بعض الأحزاب والمجتمع المدني التي تعالت تطالب بكونية المبادئ العامة وحرية الضمير والمزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية، وقالت في هذا السياق إن اصرارهم على صلاحيات رئيس الجمهورية يعكس رغبتهم في ارساء نظام رئاسي أي أنهم يبحثون عن دكتاتور جديد على حد تعبيرها. كما أضافت أنه عند البحث في المجلة الجزائية لا يوجد قانون يجرم أو يعاقب شخصا عن حرية ضميره لذلك فهي لا ترى جدوى من تضمين حرية الضمير في الدستور. وانتقدت من جهة أخرى اعتراض البعض عن ذكر الاسلام في التوطئة، مشيرة إلى أنها لا ترى في ذلك مبررا سوى ثرثرة لا أساس لها. وبدورها أكدت النائبة عن كتلة «النهضة» سناء حداد أن دستور 59 نص على تعاليم الاسلام ولم ينص على مدنية الدولة وانه مع ذلك لم يتهم أي شخص النظام السابق بأنه أرسى لدولة دينية كما يتهمون الآن حركة «النهضة» وعلّلت ذلك بأن النظام السابق كان يقوم على النفاق السياسي والتشريعي لذلك لم تُوجه له أية انتقادات. وأضافت أن الفصل الأول هو قاطرة الدستور وقع تطبيقه في البلاد منذ أكثر من خمسين عام، مشيرة إلى أن الشعب التونسي مسلم والدولة ملزمة بتطبيق الإسلام. نريدها دولة مدنية واضحة المعالم وخلافا لمداخلات نواب كتلة «النهضة»، دعا سمير الطيب الناطق الرسمي باسم المسار الاجتماعي الديمقراطي قائلا «نريدها دولة مدنية واضحة المعالم» مؤكدا أن أحكام الفصل 141 أبدية تفوق في قانونيتها ودستوريتها بقية القوانين. وأضاف أن هذا المشروع لا يرتقي الى مستوى مشروع بل يبقى مسودة وجب مراجعتها مقدما الحل وهو انجاح عمل لجنة التوافقات، لأن المعارضة حسب قوله «تريد لهذا المجلس النجاح وتريد لهذا الدستور النجاح». غير أن النائب المستقل الناصر البراهمي، أكد أن التوافق وهم وكذبة رغم أن الجميع يدعو له، مؤكدا أن المسؤولية تتحملها الأغلبية الحاكمة بزعامة النهضة وبمساندة ضمنية إذا لم تكن علنية من قبل رئيس المجلس مصطفى بن جعفر فجاء المشروع معارضا للتوافق ومؤكدا رغبة الطرف الغالب في المجلس في إقامة دولة يمكن أن تصبح بسرعة دولة دينية، على حد تعبيره. وقدّم البراهمي ملاحظات في المضمون وأشار إلى أن هذا الدستور ليس بدستور الثورة لأنه تجاهل مطالب العاطلين عن العمل والجائعين والعطشى والجهات المهمشة داعيا إلى أن ينص الدستور في فصله الأول بالإضافة إلى أن «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها» على أن «العدالة الاجتماعية هدفها». مشروع الدستور يؤسس لدولة دينية كما أكد البراهمي أن مشروع الدستور الحالي يفتح الباب أمام التأويلات ويؤسس لدولة دينية لذلك رأى أن عبارة «تأسيسا على تعاليم الاسلام ومقاصده» هي صياغة من الممكن جدا أن تصبح فخا لأن لكل التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية فهما خاصا للتعاليم فمنهم من يقدم نفسه أنه اسلامي وسطي مؤمن بالدولة المدنية ومنهم من يصرح علنا بعدم ايمانه بالديمقراطية ويدعو إلى إقامة الحدود وحتى ارساء نظام الخلافة. وأبدى تخوفه من أن يصبح الربط بين الدين والسياسة هو المدخل إلى الفتنة والارهاب، مشيرا إلى أن الشعب التونسي يعيش على وقعه في ظل الحكومة الشرعية التي قال إنها فتحت أبواب البلاد على مصراعيه لدعاة التكفير ومحترفي الارهاب من رابطات حماية الثورة. ولتجنيب البلاد المحن وويلات الفتن اقترح البراهمي في باب علاقة الدين بالدولة أن تحذف عبارة «تأسيسا على تعاليم الاسلام ومقاصده» أو على الأقل الاكتفاء بعبارة «تأسيسا على مقاصد الاسلام»، إلى جانب تعديل الفصل السادس ليصبح «الدولة تحمي كل الديانات وتضمن حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر كما تضمن حياد المساجد ودور العبادة وتمنع توظيفها لغايات حزبية أو سياسية وتعتبره جريمة يعاقب عليها القانون». كما طالب في باب الحقوق والحريات بإزالة الغموض من الفصل 35 ليصبح «الحقوق النقابية كالإضراب وحرية الممارسة النقابية داخل المقرات وفي مواقع العمل حقوق مضمونة وانتهاكها جريمة على الدولة مسؤولية مقاومتها». من جهته قال النائب المستقل الطاهر هميلة إنه كان من الممكن ان يقع اختصار هذا الدستور الى النصف، وأضاف أن قضية الهوية طغت على مشروع الدستور مما اضاع الكثير من الوقت والجهد لان الهوية في نظره ثابتة ولا تغيير. واعتبر هميلة أن الانزلاق في الهوية ناتج عن الخوف من الماضي، مشيرا إلى أن الاصل هو الخوف من المستقبل لان الماضي شيء جامد لا خوف منه. وانتقد هميلة بشدّة الجلسة الافتتاحية التي قال أنها أهدرت فرص التوافق ووصف الجلسة بكتّاب.