عبد الجليل الجوادي إبان حكم الترويكا، صدع الحداثيون آذاننا بنقدهم و انتقادهم لحركة النهضة و توجهاتها الفكرية البالية في تقديرهم و التي تريد العودة بالتونسيين إلى القرون الوسطى بدعوتها إرجاع دولة الخلافة. يوم قالها الأمين العام السابق لحركة النهضة السيد حمادي الجبالي في اجتماع جماهيري حاشد. أمام أنصاره و محبيه، قال أنهم في حركة النهضة يمهدون لقيام خلافة سادسة. يومها قامت الدنيا و لم تقعد. و انطلقت أقلام الحداثيين و حناجرهم تولول و ترعد و تزبد. و عقدت الجلسات و البلاتوات المشبوهة. و سال الحبر بين صحافيين و إعلاميين ينددون و يهددون باجتثاث الفكر الظلامي من أراضيهم و مقاومة الرجعية بكل شراسة. و من المضحكات المبكيات، وصف التوجه الفكري لحركة النهضة بأنه قروسطي. في إشارة إلى القرون الوسطى و ما اتسمت به من التخلف و الإنحطاط الفكري و الحضاري عامة، و لو أن في الأمر بعض التفصيل. فلئن صح هذا الوصف بالنسبة للدول الأروبية، فإن الدول العربية الإسلامية كانت إبان تلك الفترة تسجل إزدهارا حضاريا و ثقافيا ملفتا للإنتباه. و الآن، يخرج علينا الحداثيون بجمعية أعادتنا إلى القرون الغابرة. جمعية تدعو إلى ممارسة المثلية الجنسية شأن ما كان عليه قوم النبي لوط عليه السلام الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم "يأتون الرجال شهوة دون النساء". فما الجديد لديكم أيها الحداثيون سوى أنكم تجترون أخطاء الماضي و تدعون إلى الشذوذ الأخلاقي الذي يرفضه كل عقل سليم. حتى الحيوان الذي لا عقل له و يتحرك استجابة لنداء الشهوة، لا يمكن أن يقدم على هذا الفعل القبيح الهجين المنكر. أناس لا يفرقون بين الجهاز الهضمي و الجهاز التناسلي لدى الإنسان ليسو آدميين. هم شواذ من بني البشر يجب أن يعاملوا من هذا المنطلق فحسب. و الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه. الشاذ لا ينظر إليه و لا يسمح له بالكلام و لا بالتعبير عن رأيه و لكن يقمع و يحاصر حتى لا ينتشر شره و تشيع الفتنة في صفوف الناس. أما أن تمنح له التراخيص و يسمح له بالعمل العلني المقنن ضمن جمعية لا أريد ذكر اسمها تنزها. و تخصص له المنابر الإعلامية ليدافع عن الشذوذ و ينظر له و يدعو إليه، فهذا ما لا يستقيم لا واقعا و لا قانونا. كيف يسمح في بلد دينه الإسلام و نسبته العروبة. بلد ينام على حضارة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ كتبت بدماء الشهداء و المناضلين من من مفكرين و سياسيين و مجاهدين بالكلمة و السيف. بلد الزيتونة التي كانت و ما تزال منارة للفكر المعتدل المناهض للتطرف بجميع أشكاله و مسمياته. كيف في مثل هذا البلد الذي صنع الربيع العربي و أعاد الثقة للشعوب العربية و حتى العالمية في مقاومة الظلم و الإنتصار عليه و زرع النخوة و الرجولة في نفوس الشباب الثائر المتمرد على أباطرة الشر، كيف يسمح لجمعية تدعو إلى الشذوذ الأخلاقي و قتل الشهامة و وأد القيم السامية الإسلامية و الإنسانية بالنشاط العلني. إلى أولئك الذين صدعوا آذاننا في منابرهم الحوارية بالتنديد بالتطرف الديني و الغلو و دعوتهم العلنية و الصريحة إلى مقاومة الظلامية و الرجعية، أين أنتم من دولة الخلافة؟ بل أين أنتم من فهم التاريخ؟ و أين أنتم من الفكر الوسطي المعتدل الذي يؤسس له الدين الإسلامي من خلال الدعوة إلى الحوار و نشر الفضيلة بين الناس. ليس التاريخ ملكا لأي جهة أو حكرا على أي حزب و ليس في تاريخنا ما نخجل منه و لكن كرهكم لكل من يختلف معكم أديولجيا جعلكم تقفزون على الحقائق و تتجاهلون التاريخ الحقيقي المشرف لهذا الشعب و لهذه الأمة. فتنقلبون على القيم الإنسانية التي تجمع عليها كل الشعوب الكافرة و المؤمنة على حد السواء. و إلى القائمين على الحكم في هذا البلد و إلى الجهات المسؤولة، أقول أوقفوا هذه المهزلة و لا تزرعوا بذور التطرف و الغلو الديني من خلال التشريع للشذوذ الأخلاقي، فإن كل غلو يقابله غلو في الطرف المقابل. و لتتوحد كل الجهود على نشر الفضيلة و الأخلاق العالية و زرع القيم النبيلة في قلوب الناشئة ضمن برامج التعليم التي تؤسس للوسطية في الفكر و المعتقد و القبول بالآخر و الإجتماع على ما تجمع عليه الإنسانية و تزكيه الشرائع الدينية على اختلافها. و ليكن سلاحنا في مقاومة الإرهاب الذي بدأ يتجذر فينا و يجد لنفسه مكانا بيننا، ليكن سلاحنا هو نشر الفكر الوسطي و نبذ التطرف بجميع أشكاله و مسمياته و مقاومة الغلو و تركيز قيم العدل و اعتماد الحوار منهجا للتعامل بين مختلف مكونات المجتمع و محاصرة كل شاذ في الفكر و الأخلاق و السلوك و مقاومته لحماية المجتمع من شروره و نزع فتيل الفتنة من جذوره.