تمر اليوم 6 افريل 2012 الذكرى الثانية عشر لوفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله . و هي ذكرى خالدة لوفاة الزعيم الراحل الذي كانت حياته النضالية زاخرة و مليئة و عامرة بسجل تاريخي عظيم و بصماته بارزة للعيان و ظاهرة للقاصي و الداني. و قد اختار الزعيم الشاب المثقف ان ينذر حياته لفائدة وطنه و شعبه فقد عاد سنة 1927 من فرنسا بعد احرازه على شهادة الاجازة في الحقوق في وقت تعز فيه الشهائد العليا على التونسيين و عوض ان يشتغل في مهنة المحاماة لتدر عليه اموالا طائلة و ارباحا مادية كبيرة و يتمتع بشبابه كما فعل الاخرون من الشبان اختار الزعيم الشاب طريق النضال و التضحية و دخل في سن مبكرة للحزب سنة 1931 و انضم الى اللجنة التنفيذية للحزب بمعية عدد من الشبان المثقفين و بعد حوالي عامين تبين له ان الجماعة لهم رؤية في اعتقاده لا تؤدي الى الأهداف السامية التي يراها الزعيم و بعد قيامه بزيارة في اطار المبادرة و الاجتهاد السياسي مع نخبة من المواطنين من مدينته ثارت ثائرة الجماعة و لاموه على هذا التصرف فاختار الاستقالة و دعا الى عقد اجتماع خارق للعادة لشرح وجهة نظره و جاءت الفرصة يوم 3 جانفي 1934 بمدينة قصر هلال و تم اللقاء في دار عياد و تبين للزعيم المحامي انه قادر على الخطابة و بأسلوبه اثر على الحاضرين و كان هذا اللقاء الحزبي الأول بأحرار الساحل نقطة تحول و نتج عنه فكرة عقد مؤتمر خارق للعادة يوم 2 مارس 1934 و انعقد المؤتمر التاريخي الحاسم في الحياة السياسية و الحزبية و نقطة تحول في حياة الحزب الحر الدستوري الجديد و انتخب المؤتمر الخارق للعادة مكتبا سياسيا اطلق عليه الديوان السياسي للحزب و انتخب الدكتور محمود الماطري رئيسا للحزب و الزعيم المحامي الشاب الحبيب بورقيبة كاتبا عاما لحزب و السادة : الطاهر صفر و البحري قيقة و محمد بورقيبة مساعدين للكاتب العام و أمين مال للحزب. وشرع الديوان السياسي في نشاطه الحثيث و رسم خطة العمل السياسي و الاتصال بالجماهير و تكوين الشعب الدستورية و الاتصال المباشر بالشعب و المناضلين في كل المدن و القرى و الارياف و شعر الاستعمار الفرنسي بخطر الخطة و اتساع نشاط الحزب و الانضمام الشعبي و التأييد الشعبي الملحوظ لقيادة الحزب الجديد و عندما شعر الاستعمار الفرنسي بخطر الخطة الداهم عمد الى ابعاد الزعيم الحبيب بورقيبة يوم الاثنين 3 سبتمبر 1934 و في هذا اليوم كان يستعد الزعيم للتحول الى مدينة الجم لعقد اجتماع شعبي بأحرار الجم. و لكن بطش الاستعمار حال دون ذلك و كانت ضربة البداية في الكفاح و ابعاد الزعيم الى قبلي المنطقة العسكرية ثم وقعت يوم 3 اكتوبر 1934 نقلته الى برج لوبوف بالصحراء صحبة مجموعة من اعضاء الديوان السياسي و المجلس الملي و بعد عامين في السجن و الإبعاد ضعفت الجماعة و طالبوا بإطلاق سراحهم و تم تسجيل محضر للتاريخ و كان الزعيم الحبيب بورقيبة الوحيد الرافض لطلب السراح و الرضوخ و الخوف من بطش الاستعمار و المحضر مسجل للتاريخ. وواصل الحزب نشاطه بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة و خطط لحوادث 9-8 افريل 1938 و قد اراد الزعيم الحبيب بورقيبة مواصلة النضال و التحريض على تنظيم المظاهرات و المسيرات الشعبية المعبرة عن مطالب الوطنيين الشرعية المطالبة ببرلمان تونسي و حكومة وطنية . و انطلقت مسيرة أولى يوم 7 افريل بمدينة حمام الانف أمام قصر الباي و الثانية يوم 8 افريل بالعاصمة قادها الزعيم المنجي سليم رحمه الله. و الثالثة قادها الزعيم علالة بلهوان رحمه الله .و انضم الى المظاهرات عدد هام من المناضلين الدستوريين و جابت شوارع العاصمة و عمدت قوات الامن و الجندرمة الى استعمال السلاح و ضرب المتظاهرين و سقط في ساحة الوغى عدد من الشهداء الأبرار يوم 9 افريل عمدت السلطات الاستعمارية الى اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة من فراشه بمعقل الزعيم و هو طريح الفراش مريض و ابنه الوحيد كان في سن العاشرة من عمره .وفي اليوم الموالي زج بعدد من من الزعماء و المناضلين في السجون . و واصل الحزب قيادة المعركة التحريرية بتوجيهات و تعليمات الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان على اتصال بشعبه بواسطة الرسائل و المقالات و بعد الحرب العالمية و اطلاق سراح الزعيم قرر قائد الكفاح التحريري القيام بمغامرة كلها تضحيات و نضال و صبر و صمود لا تقل عن صموده في برج لوبوف و تبرسق و غامر بنفسه في السفر الى المشرق عبر ليبيا للتعريف بالقضية الوطنية و عاش حوالي 4 اعوام و قام بتكوين مكتب المغرب العربي الكبير بمعية زعماء من المغرب و الجزائر و لعب و دورا هاما في المشرق للتعريف بالقضية الوطنية و القضايا المغاربية و التنسيق المحكم المحكم لفائدة استقلال البلدان المغاربية الثلاثة.و عاد من جديد سنة 1949 و قام كعادته بجولاته داخل المملكة التونسية و حرض الشعب على المعركة الحاسمة معركة الكرامة و السيادة معركة الربع الساعة الاخير. و فعلا كانت بحق الربع الساعة الاخير.وواصل نضاله من سنة 49 الى 18 جانفي 1952 تاريخ اعتقاله للمرة الثالثة فجر الثامن عشر من جانفي 1952 و في نفس اليوم اندلعت شرارة المعركة التحريرية للكفاح المسلح التي هيأها الزعيم و كان اخر اجتماع شعبي يوم 13 جانفي 1952 ببنزرت. وواصل الشعب التونسي نضاله و كفاحه المسلح و صمد الشعب و قامت فرنسا الاستعمارية انذاك بالاعتداءات على عديد المدن و القرى منها طبلبة و تازركة و حمام الاغزاز و قليبية و بئر دراسن و سوسة و الوردانين و القيروان و ماطر و المكنين و تونس. و لم يهدأ الشعب و مناضلو الحزب الا بعد زيارة منداس فرانس رئيس الحكومة الفرنسية يوم 1954/7/31 و اعلن الاعتراف بالاستقلال الداخلي و في هذا الاطار قرر الزعيم العودة الى تونس بعد الاعتراف بالاستقلال الداخلي و عاد يوم غرة جوان 1955 حاملا لواء النصر و الحرية. يوم مشهود استقبل الشعب التونسي على بكرة ابيه الزعيم الفذ و قائده الاول في يوم لم يعرف التاريخ مثيلا له على الاطلاق و شرعت تونس في التفاوض لاستكمال السيادة. سياسة المراحل هذه السياسة جاءت سريعة بالاعتراف بالاستقلال التام الذي تم ابرامه يوم 20 مارس 1956 أي بعد حوالي 8 اشهر و 17 يوما من امضاء و ثيقة الاستقلال الداخلي يوم 3 جوان 1955. و تلك هي عبقرية القيادة و قد جاءت الرهانات على النحو التالي: الرهان الأول: و ثيقة الاستقلال 20 مارس 1956 الرهان الثاني:تكوين حكومة الاستقلال 14 افريل 56 الرهان الثالث: تونسة إدارة الامن الوطني يوم 1956/4/18 الرهان الرابع:تونسة الادارة الجهوية الولاة و المعتمدين عوضا عن القيادة و المراقبين 23 جوان 1956 الرهان الخامس:تونسة الجيش التونسي اكتوبر 56 الرهان السادس: تونسة و احداث نواة الحرس الوطني عوضا عن سلك الجندرمة الفرنسية يوم 1956/9/6 الرهان السابع: تونسة الديوانة 1956/9/18 الرهان الثامن: و المغامرة الكبرى و الحدث التاريخي الهام اصدار مجلة الاحوال الشخصية حرية المراة التونسية و تعتبر اول دولة عربية و اسلامية قامت بتحرير المراة يوم 13 اوت 1956الرهان التاسع: هو ثورة العلم و المعرفة و التعليم و قد قام الحزب و حكومة الاستقلال سنة 1956 بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله على ثورة هامة تتمثل في بناء الاف المدارس بالارياف و القرى و المدن و المداشر و في الصحراء و الجبال ايمانا منه بنور العلم و المعرفة. الرهان العاشر: مساعدة و اعانة الشعب الجزائري بشتى الوسائل المادية و البشرية و الاعلامية و الديبلوماسية و بكل الوسائل الموصلة للنجاح و الدفاع و الاصغاء و التاثير حتى جاء النصر و الاستقلال للشقيقة الجزائر. و قد نال تونس ما نالها من الاعتداءات و التهديدات و القصف العشوائي في عدة جهات من وطننا العزيز بما في ذلك ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958 و قد امتزجت دماء الشعبين التونسي و الجزائري في يوم تاريخي لم يمح من الذاكرة الوطنية و هذه الحادثة الاليمة بقيت رمزا للوفاء و التضحية و الصمود يذكرها الشعبان التونسي و الجزائري. الرهان الحادي عشر:الاسراع بتخليص البلاد من آخر جندي فرنسي على قاعدة بنزرت و تم ذلك اثر معركة حاسمة جرت خلال جويلية 1961. و انتهت بالنصر و الجلاء العسكري سنة 1963 في 15 اكتوبر اليوم الخالد الرهان الثاني عشر: الجلاء الزراعي يوم 12ماي 1964 و من الصدف ان يقع امضاء وثيقة الجلاء الزراعي و تامين الاراضي الفلاحية على الطاولة التي امضيت عليها وثيقة الحماية يوم 1881/5/12. الرهان الثالث عشر:التنظيم العائلي الذي قام به الزعيم صاحب النظرة البعيدة قد اعطى اكله و جاءت النتائج حسبما توقعها الزعيم لجعل تونس متوازنة و مخططاتها قريبة من الواقع بفضل التنظيم العائلي و الوعي الذي اصبح شاملا داخل الاسرة. الرهان الرابع عشر: السياسة الاجتماعية الرائعة منذ الاستقلال للعناية بالصحة و العلاج و الوقاية و الام و الطفل و التربية و السكن الاجتماعي و التشغيل. و بعث المؤسسات الاقتصادية لتشغيل عدد هام من الشغالين و جعل الدولة اكثر من مرة تدعم المؤسسات من اجل المحافظة على اليد العاملة و المحافظة على راس المال البشري باعتبار الانسان هو الغاية و الوسيلة في سياسة حكومة الاستقلال. و قد قطعت البلاد اشواطا في هذا المجال الرهان الخامس عشر:تركيز الاهتمام للقضاء على العروشية و القبلية و دعم فكرة الوحدة القومية الصماء و الشعب التونسي كان قبل الاستقلال عروشا و قبائل و عشائر الرهان السادس عشر:القضاء على التخلف و الخصاصة و الجهل و العناية بمناطق الظل حيث كانت تونس كلها مناطق ظل من باب سعدون الى تطاوين و بنقردان الرهان السابع عشر: الحرص على جعل جسور التعاون و المحبة و الوفاق و الاخاء بين الاشقاء و الاجوار و حرصت القيادة السياسية في حكومة الاستقلال على تركيز الاهتمام بموضوع الحدود و ترسيخ مبدإ السلم و السلم الدائمة مع الاشقاء في الجزائر و المغرب . الرهان الثامن عشر: القيام بتركيز ديبلوماسية رائدة ذكية تخدم مصلحة الوطن و تحترم العلاقات بين الاصدقاء و الاشقاء و تؤمن بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و قد لعبت السياسة الخارجية التونسية دورا هاما و فاعلا على الساحة العالمية و ساهمت مساهمة فاعلة في مساندة عديد القضايا العادلة و وقفت الى جانب دول عديدة في الغرب و المشرق و افريقيا و اسيا و لازالت السياسة الخارجية التونسية على هذا الخط. الرهان التاسع عشر :الاصداع بالرأي الحر الشجاع بواقعية تنظر الى الواقع بعين بصيرة و بحس وطني شديد و قد اصدع القائد الزعيم يوم 3مارس 1965 في اريحا بفلسطين بخطاب الحكمة و الواقعية و التجربة و الخبرة و بعد النظر و الدهاء السياسي للقضية الفلسطينية الشائكة التي درسها الزعيم و تشبع بروحها و مضمونها و خلفيتها السياسية و هو الخبير بدهاء الدول المؤيدة للكيان الصهيوني و المتسبب في بعثه للوجود و قد ادرك بورقيبة هذه الحقيقة فاراد ان يسحب البساط من تحت اقدام القائلين بان العرب لا يعترفون بالشرعية الدولية و قرارات الاممالمتحدة. فأراد بورقيبة نفي هذه المزاعم الاستعمارية الكاذبة و الافتراءات المغرضة و اصدع برأيه لكن مع الاسف ضيع العرب الفرصة الذهبية الضائعة. الفرصة التاريخية : هذه الفرصة في خطاب اريحا لم يفهمها العرب انذاك و التاريخ يعيد نفسه من كان يعتبر العرب لا يحترمون الشرعية الدولية و قرارات الاممالمتحدة اليوم امريكا و بريطانيا هما اكبر مارقين على القانون الدولي و عدم الاعتراف بالشرعية الدولية في قضية الحرب على العراق و اليوم نقول امريكا و بريطانيا هما اكبر المارقين على القانون الدولي و عدم الاعتراف بالشرعية الدولية في قضية الحرب على العراق. الرهان العشرون :هذا الرهان هو قطع بورقيبة و حسم مسألة الارث السياسي مع نظام البايات عندما اعلن الجمهورية يوم 25 جويلية 1957 و قرر انتخاب المجلس التأسيسي لتولي تحرير الدستور التونسي الذي تمت المصادقة عليه يوم غرة جوان 1959 كان اول دستور رائد في الامة العربية حرره مناضلون مخلصون صادقون رائدهم خدمة تونس و تجسيم دولة الاستقلال و بناء جمهورية الدولة العصرية الحديثة. و في هذا الإطار جسم بورقيبة معاني الدولة العصرية التي تحترم القانون و الدستور. الرهان الحادي و العشرين:القاصي و الداني يعلم و يعرف أن الزعيم الحبيب بورقيبة مات يوم 6 افريل 2000 وقد عاش بورقيبة 97 عام ولم يترك بعده لا حجرة و لا شجرة و لا دينار و اليوم نحيي ذكرى وفاته الثانية عشرة وعاش لغيره كريما عزيزا شامخا و رمزا خالدا و ترك بصمات و ارثا عظيما.و رصيدا لا مثيل له طبع حياتنا و اثر فينا و في حياتنا الاجتماعية. محمد العروسي الهاني