«لأنّ الصيّادين الكبار عندما تميد الأرض تحت أقدامهم يعودون دائما إلى اللّه، فإنّ مؤسسي السوق، عندما انهارت البورصة وخاصة «وولستريت» أطلقوا صرخة: «لقد كان ماركس محقا». تذكّر الجميع في العالم تنبؤات المفكّر الألماني بالإنهيار الذاتي للرأسماليّة، وأصبحت عبارة «أنقذوا البنوك» استغاثة كل الحكومات. وقد ظهر القلق جليّا في حوار «تولون» الشهير في 25 سبتمبر 2008 مع «نيكولا ساركوزي» والذي حاول فيه هذا الاخير الدفاع عن النظام الرأسمالي لطمأنة الفرنسيين بقوله: «هذا النظام (الرأسمالي) حمل الإشعاع الخارق للحضارة الغربية منذ سبعة قرون»، كما فجّر وزير المالية الألماني مفاجأة أخرى بإعلانه أنّه قارئ جديد لماركس في حوار ل «سبيغال»، تضاعفت بعده مبيعات مؤلف «رأس المال» ثلاث مرّات، كما ظهر مؤلف ينقد «الرأسمالية» بعنف ويؤسس لما يشبه الفرضيّة الشيوعيّة. (آلان باديو) وتواترت من ثمّة الأحداث مثل الملتقى المنتظم في لندن القلب النابض «للماليّة العالميّة» والذي جمع أكبر الاسماء في الفلسفة من الماركسي السلوفيني «سلافوج زيزاك» الى «توني نيري» أو «جاك رانسيير» ليفكّروا جدّيا في مستقبل وأفق الفكرة الشيوعيّة. في كل الأحوال فإنّ محرّما بدا بصدد السقوط، فلم يعد إسم «ماركس» مثارا للخوف والدمويّة التي تُحرك لترهيب الطبقات الوسطى وإخضاعها لتلك المساومة المعهودة: «الامتيازات أو الفقر» ثمّ ألم تشجّع صحيفة «التايمز» حديثا قراءها على إعادة اكتشاف هذا الزخم من الأفكار الذي يكتسحنا في هذا الضباب (المقصود بالضباب الأزمة المالية)، وخصّصت «شالنجر» صورة غلافها للتحليل الاقتصادي الماركسي. لكن البعض أيضا حاول إستثارة «الذاكرة السوداء» لماركس المتواطئ والمتسبب في الانحرافات اللينينيّة والماويّة، والمسؤول عن التقتيل الجماعي الذي ارتكبته أحزاب الدول الإشتراكية في القرن العشرين. هكذا إذن فإن المنظّر الذي تحدّث عن مراكمة «رأس المال» سيجد تلاميذ جدد في شخص «آلان مانك» مثلا والذي لم يتردّد في إعلان نفسه «الماركسي الأخير في فرنسا» في عدّة مقالات كتبها حديثا. لكن، من هو ماركس الذي يعاد درسه وتبنّيه من كلّ هذه الكتل العمّالية للسوق المعولمة؟ إن هذا السؤال يعدّ ضروريا لفهم الأزمات الحديثة للرأسماليّة كما أعلن في عدّة مرّات «باسكال لامي» المفكّر الأوّل الذي طرح الدور «الثوري» للرأسمال الذي يحطّم في طريقه كلّ الحدود ويقلب كل البنى التراتبيّة والمعتقدات الموروثة، فقد ركّز ماركس على «المسألة الإجتماعية» التي تتأثّر بالثورة على الظلم والكره الذي يتسبّب فيه المال هذا «الثور الذهبي» الذي ينحرف بأكثر الفضائل نبلاً نحو كل ماهو مخجل ومهين للإنسانيّة. الأكيد أنّ ماركس لم يكن يتوقّع في كل الحالات هذا الإمتداد الواسع للرأسماليّة التي أعتبرها ظاهرة غير عقليّة، في مبادئها، ومرعبة في تصوّرها للمستقبل.