بودربالة : '' الادعاءات ضد تونس حول التعامل غير الانساني مع المهاجرين قد ثبت عدم صحتها ''    هجرة غير نظامية: تراجع عدد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا ب 18,52 %    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    ايطاليا: تراجع عدد الوافدين ب60,8% منذ بداية العام    Titre    الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه وبحوزته مخدرات    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    الاحتفاظ بمسؤولة بجمعية تعنى بشؤون اللاجئين و'مكافحة العنصرية'    هذه الآليات الجديدة التي يتضمنها مشروع مجلة أملاك الدولة    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    تالة: ايقاف شخص يُساعد ''المهاجرين الافارقة'' على دخول تونس بمقابل مادّي    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    دوري أبطال أوروبا : ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب الدور نصف النهائي    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    وزير السياحة : قطاع الصناعات التقليدية مكن من خلق 1378 موطن شغل سنة 2023    قريبا: وحدة لصناعة قوالب ''الفصّة'' في الحامة    أبطال إفريقيا: الكاف يكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإياب بين الترجي الرياضي والأهلي المصري    حماس: اجتياح الكيان الصهيونى لرفح يهدف لتعطيل جهود الوساطة لوقف إطلاق النار    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    منظومة الاستثمار: نحو مناخ أعمال محفز    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    باكالوريا: كل التفاصيل حول دورة المراقبة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    الليلة في أبطال أوروبا ...باريس سان جرمان لقلب الطاولة على دورتموند    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    أولا وأخيرا .. دود الأرض    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



، الجسد، الجنسانية، من الشّموليّة إلى اللّيبراليّة
صورة المرأة: كان علة المرأة في جسدها
نشر في الشعب يوم 27 - 03 - 2010

أ/ مالفرق بين الجنسانية sexualité لدى الحيوان و الجنسانية لدى البشر: لا تتجسّد ميزة الإنسان مقارنة بعالم الحيوان بالجنسانية ولكن ب"ليّ" هذه الجنسانية. فبخلاف الحيوان لا يتحدّد كلّ النّشاط الجنسي لدى الإنسان بالضّرورة البيولوجيّة "لإعادة إنتاج" الأنواع والحفاظ على النّسل. تختصّ النّفسيّة البشريّة بهيمنة لذّة التّصوّر على لذّة العضو. فبالنّسبة للاوعينا لا تنحصر المسألة في تغيير العالم الخارجي الذي لا يعلم عنه شيئا ولكن في تغيير تمثّل هذا الواقع بحيث يصبح مقبولا وممتعا. يمتدّ النّفسي s'étaye على البيولوجي ولكنّه لا يختزل فيه وكذلك يمتدّ الاجتماعي التاريخي على النّفسي ولكنّه لا يختزل فيه.
ب/ الميز الجنسي Sexisme
هي جملة الأحكام المسبّقة التي ترسّخ فكرة الخاصيّات الإيجابية أو السلبيّة بصفتها طبيعيّة وفطريّة. تفضي هذه المواقف إلى اعتماد مراتبيّة بين النّساء والرّجال وفرض قيم رجوليّة. يبدو الرّجل في المخيال المهيمن في ذلك الذي يختصّ بالقوّة والصّلابة والشّجاعة والفكر الثاقب والرّأي السّديد وصاحب القرار الصّائب والمقدام والقائد. أمّا المرأة فهي رقيقة، حسّاسة، منجبة، ناقصة عقل، متذيّلة ومفعول فيها.
ج/ الأبويّة أو البطرياركيّة: هي نظام اجتماعي سياسي أخلاقي عائلي يرتكز على الأفكار المسبّقة الخاصّة بالميز الجنسي. هي جملة العادات والأخلاقيّات والقواعد والتّشريعات التي تحكم العلاقة بين الرّجل والمرأة بحيث تسمح للأوّل بسلطة على الثانية في عديد المجالات بدرجات متفاوتة من مجتمع لآخر. يقتصر دور المرأة في هذا النّظام على القيام بالمهام المنزليّة وتربية الأطفال.
في بعض المجتمعات تبلغ هذه القواعد مستويات مهينة للمرأة كالعصمة التي تمكّن الرّجل من سلطة تتواصل حتى بعد وفاته إذ تحرم المرأة من القرار الذي يخصّ أطفالها وتظلّ تابعة في ذلك لأحد الأقارب من الجنس الذّكوري.
في النّظام الأبوي تنبذ المرأة المطلّقة وتوصف بشتّى النّعوت المذلّة. لقد تراجعت هذه المفاهيم البالية إلى حدّ كبير في المجتمعات الغربيّة دون أن تمّحي. أمّا في البلدان العربيّة فنلاحظ فروقا بين بلد وآخر وهذا جليّ في النّصوص القانونيّة التي تحكم العلاقات العائليّة والخاصّة بالزّواج والإرث.
نحن نندمج ونسعى في الحياة بجسدنا ونرتبط بالواقع بواسطته. في تعاملنا مع الجسد هل تنبني العلاقة على البحث عن اللذّة والرّغبة وتلبية الغرائز أم أنّ ذلك يخضع لتصوّر ورؤية خاصّة. ألا تكيّف العوامل الاجتماعية-التاريخية نظرتنا للجسد وبالخصوص جسد المرأة.
في الحقيقة كلّما فتح نقاش حول المرأة إلاّ تحوّل إلى الحديث عن الجسد وكأنّ علّة هذا الكائن البشري في جسده.
لقد اختلفت نظرة الثقافات للمرأة وجسدها ووضعت المجتمعات معايير وأحكاما ونواهي أطّرت من خلالها السّلوك الجنسي.
هكذا ينظر للمرأة وجسدها من خلال هذه المرآة وهذا المخيال المؤسّس (بفتح السين)
❊ الرّأسماليّة والفصل بين الجنسين: هيمنة مخيال التوسّع اللاّنهائي:
حملت الثّورة الديمقراطيّة في الغرب معايير وتصوّرات جديدة لعلّ أهمّها التّخلّص من صولة المرجعيّات وفصل الدّين عن الدّولة والدّعوة إلى مثل العدالة أمام القانون والحريّة الفرديّة... لكن إلى جانب هذه المخاييل التي جسّدت قطعا مع سلطة الكنيسة واستعادة نسبيّة لمثل الدّيمقراطيّة الأثينية فلقد حملت معها مثلا أخرى لعلّ أهمّها التوسّع اللاّنهائي: »لنكن أسياد الكون« (ديكارت). أدّى ذلك إلى استقلال تدريجي للمجال الاقتصادي الذي أصبح يمثّل محور الحياة.
ما علاقة كلّ ذلك بالمرأة والميز الجنسي؟
في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وقع التّأكيد على الصّفة الطّبيعيّة للإنسان. المرأة والرّجل محدّدان مسبّقا بطبيعتهما وتكوينهما البيولوجي المختلف ولا يجب العمل على تجاوز هذا التّباين. لقد فرض المجتمع تصوّرا »علميّا« ولنقل »علماويّا« لقطيعة بين ذكر وأنثى وقد اجتهد علماء التّشريح في التّدليل على هذا الفصل الطّبيعي الفطري: لقد انتقلنا من مفهوم ديني صرف للجنس إلى مفهوم »علموي« ولنقل تقني وأدواتي. أكّد علماء التّشريح على جوهريّة الاختلافات الجنسيّة بين الرّجل والمرأة وذلك من خلال دراسة كلّ الأعضاء والأنسجة. كان جليّا أنّ الهدف من كلّ ذلك هو فرض تصوّر اجتماعي مهيمن يبرّر تهميش المرأة ويحيل ذلك لأسباب موضوعيّة وفطريّة.
برز تخوّف من »السلوكات الضالّة« والمحرّفة للأخلاق والمنافية للطّبيعة وقد اعتمد ذلك على تطبيب للجنسيّة وبروز ما سمّاه البعض بعلم الجنس. فهذا رئيس البرلمان الفرنسي للثّورة يحذّر في 6 مارس 1792 من الخلط: "احذروا من قلب الأدوار". هكذا ألغت الثّورة نوادي المرأة بدعوى أنّه على المرأة أن تحافظ على "قدسيّة الحرم المنزلي".
استقلال المجال الاقتصادي يعني تعديله للعلاقات داخل المجتمع بما في ذلك العلاقة بين الجنسين. بما أنّ الطبيعة (هذه التي تجعل من الفرد يسعى لتحقيق مصالحه ...) قد أوكلت للمرأة العمل المنزلي الذي لا يمكن حسابه أو تقديره، فلقد انحصر دور المرأة في المجال الخاصّ والعائلي دون المجال العمومي الذي كان فيه حضورها محدودا مقارنة بالرّجل. فعالم المرأة هو بالأساس عالم المحدود والإنجاب والحفاظ على الذريّة والنّسل وهو بالأساس العالم العائلي. في القرن التاسع عشر اعتبرت المرأة عاجزة عن اقتحام ميادين كالبحث العلمي وحرمت منها. في الحقيقة لم يتخلّص الغرب الدّيمقراطي من رواسب التمثّل القديم للمرأة بصفتها ميّالة للخطيئة، مغوية، شيطانيّة وتجسّد الفوضى الاجتماعيّة بمجرّد خروجها من عالم المنزل.
تعتبر المفكّرة Hannah Arendt أنّ هزيمة السّياسي وهيمنة الاقتصادي والاستهلاكي هو بمثابة "توسّع للمجال الخاصّ والعائلة" وقيم العائلة الموروثة وتعمّقها في مؤسّسات الإنتاج. فحتّى بعد دخول المرأة عالم الإنتاج الصّناعي ومجالات الحياة الاجتماعيّة الأخرى فلقد حافظ المجتمع على الميز الجنسي داخل المؤسّسات والمصانع والمدارس وحتى وإن تمكّنت المرأة من الحصول على عمل فإنّه عادة ما تتقاضى أجرا أقلّ من الرّجل وهذا لا يمنعها من مواصلة القيام بالأشغال المنزليّة دون مقابل.
كلّما عرف المجتمع أزمة اقتصاديّة إلاّ وكانت المرأة من أوّل ضحاياها. فهي معرّضة في المقام الأوّل للطّرد والتّهميش. خلافا لما كان يعتقده العديد من الفلاسفة وعلماء الاجتماع بمن فيهم ماركس وأنجلس لم يكن التّقسيم الجنسي للعمل مبنيّا على أسس طبيعيّة أي طبيعة كلّ من الجنسين بل إنّ تأسيس تنظيم هذا التّقسيم جاء كنتيجة لوضع وتأسيس معايير وتصوّرات للوضعيّات الاجتماعيّة التاريخية المختلفة. ففي بعض المجتمعات البدائيّة والقبليّة احتلّت المرأة دورا محوريّا في اقتصاد المجموعة ولم تخضع لميز عنصري شبيه بما عرفته القرون الوسطى أو حتّى المجتمعات الحديثة.
لقد حقّقت المرأة مكاسب عديدة خصوصا في البلدان الغربيّة وفي النّصف الثاني من القرن الماضي لكنّ ذلك لم يمنع من تواصل النّظام الأبوي الذي اتّخذ أشكالا معاصرة لعلّ أهمّها هيمنة تصوّر بوضعي لجسد المرأة الذي تحوّل إلى سلعة قابلة للتّبادل والبيع. فلقد ازدهرت هذه التّجارة وتوسّعت مع الأزمة الاقتصاديّة وأصبحت تدرّ على أصحابها عشرات آلاف المليارات. لقد وقع توظيف التصوّر المهيمن حول المرأة لخدمة الاستهلاك الجماعي. تعترض مواد الاستهلاك عوائق عديدة، فمن ناحية يتحدّد كلّ يوم الدّخل المتوسّط للمواطن مقارنة بالمواد المعروضة في السّوق (لقد ساهمت زيارة الأجور في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية في دفع عجلة الاستهلاك وإدماج الجزء الأهمّ من الطّبقة العاملة في مجتمع الاستهلاك) والتي ما فتئ عددها يتكاثر بحيث أصبحت تزيد عن "الحاجة". كيف نخلق هذه الحاجة: هذه فتاة رشيقة القوام، تعرض الأحذية وهي تتمايل في لباس شفّاف وهذه أخرى تركب سيّارة رباعيّة الدّفع تنطلق بها كالسّهم للقاء عشيقها الذي يفتكّ منها المفاتيح ويجلس مكانها ليقود السيارة إلى عالم افتراضي. من الغذاء إلى مواد الزّينة ومواد الغسيل والشامبو والصّبغة: كلّ أشكال الإشهار ترسّخ الميز الجنسي تجاه المرأة وإظهارها في صورة التافهة والسّخيفة والضّعيفة والمتلهّفة على مواد الاستهلاك. هكذا وقع توظيف رؤية المرأة بصفتها الساهرة على حاجيّات العائلة والمسؤولة عن المنزل والكائن المغري والمحرّك للغرائز لترويج البضائع والدّعاية لها. فأدوات الإشهار لا تسعى البتّة إلى تحريك الفكر والتصوّر الخلاّق لدى المشاهد بل إنّها تتوجّه إلى مسلّماته وغرائزه الحيوانيّة وأحكامه المسبّقة التي رسّخها المجتمع. تحريك النّوازع والرّغبات والشّهوات والمتعة من خلال الشّراء.
❊ تصوّر جسد المرأة وأشكال القمع من الشّموليّة إلى اللّيبراليّة:
إنّ الخضوع للمخيال الاجتماعي المؤسّس (بفتح السّين) يؤدّي إلى الخضوع لرؤية خاصّة للجنسانية مبنيّة ومؤسّسة ومحدّدة من طرف الرّجال ولصالحهم بما أنّهم الأقوى والأكثر سلطة وإلى تخلّى النّساء عن حريّة تعريف جنسانيتهم بأنفسهنّ. تتجاذب الفتيات والنّسوة خصوصا منهنّ اللاّتي تنحدرن من أوساط تفرض على المرأة الخضوع والتقبّل، المحضورات والمحرّمات التّقليديّة من ناحية والتي تحول دون حريّة الاختيار ودعوات لتحرّر جنسي مزعوم يفرض عليهنّ التقبّل والخضوع للمعايير التي تفرضها مؤسّسات اللّباس والزّينة وغيرها.
فالصّورة السائدة للمرأة في المجتمع اللّيبرالي المعاصر تتجسّد في تلك الفتاة النحيفة والمتقبّلة لكلّ أشكال الموضة لباسا ولغة وحركة. هي تحلم بأميرها القويّ والوسيم والبهيّ الطّلعة والذي سيغمرها بحمايته ويضمن لها الحياة الرّغدة. لكن هذا الأمل يظلّ صعب المنال وحلما لا يتجاوز الصّورة والمشهد الذي تقدّمه وسائل الدّعاية والإشهار. يسقط جزء هامّ من الفتيات في حالة من الاكتئاب والانهيار النّفسي وما تلبث أن تتلقّفهنّ مؤسّسات الصيدلة لتوفّر لهنّ مختلف أنواع التّرياق من المهدّئات (إن لم يتلقّفهنّ الأصوليّون).
قامت المفكّرة Françoise Hatchuel بمقارنة بين مختلف أشكال القمع الجسدي من خلال اللّباس بصفته من بين المظاهر الأكثر تعبيرا عن هذا القمع.
قارنت بين الحجاب والتنّورة الصّغيرة وخلصت إلى ما يلي: في الظاهر تعبّر الأولى عن شكل من أشكال القمع الذي ولّى زمانه بينما يعبّر الثاني عن تحرّر جنسي يتعارض تماما مع الأوّل. في الواقع إنّهما وجهان لتصوّر واحد للمرأة ولجسدها بصفته موضوع رغبة للرّجال. فأن يقع إخفاء الجسد أو إظهاره فذلك يعني إعاقة حركته والحيلولة دون تمكّنه من حركة الفعل (في الواقع عرفت قبائل وشعوب إفريقيّة على سبيل المثال أساليب خاصّة من اللّباس الّذي يظهر جزء من الجسد دون أن يمثّل ذلك عائقا أمام الحركة وهذا لأنّ التّصوّر الطّاغي للجنسانية كان مغايرا تماما لما هو مهيمن في مجتمعاتنا الحاليّة أو مجتمعات القرون الوسطى). في كلتا الحالتين ينتقص من جسد المرأة لينحصر في صورة مغرية وشيطانيّة ومغوية ومثيرة للفتنة. في كلّ لحظة تتساءل لابسة الحجاب أو التنّورة القصيرة عن موقف الآخرين منها وهل أنّ خصلة شعرها مثيرة أو أنّ حجابها مثير. تهْوس الفتاة بمظهرها الخارجي وشيئا فشيئا يفقد الجسد دوره كمفصل لا ينفكّ عن المحيط وكلّ رغبة ومهجة وهدف وتصوّر خاصّ. فالاعتناء بالمظهر الخارجي وبعيون الناس قد أخذ الجزء الأهم من اهتمام الفتاة.
من ناحية أخرى نحن نعيش اليوم هيمنة وتوسّعا لعالم افتراضي على حساب العالم الواقعي والملموس. فهذه الصّورة الثابتة والمثبّتة والمفروضة من طرف مجتمع الاستهلاك تبدو أجمل من الحقيقة. إنّها الصّورة المثاليّة المزعومة والكمال الذي يتناقض مع الواقع المحدود والمشوب. بطبيعة الحال هناك أيضا الصورة المثالية والوهمية للمرأة في »العصور الزاهية« والعهد التليد والتي يريد أن يفرضها الأصوليون في الأذهان والمنافية أصلا لواقع المرأة الحقيقي في تلك العصور. الكل يتوهم ويوهم عوض أن يتصوّر ويخلق ويكون مسؤولا عن كل ذلك.
إخفاء الجسم بحجاب هو عبارة عن ستار مانع وهو مجلبة لأنظار الرّجال بما أنّه يعبّر عن بلوغ الفتاة سنّ الإنجاب وبالتّالي تمكّنها من إغواء الرّجال. تلخّص عمليّة الإخفاء والتستّر دور المرأة في الإنجاب أي بلوغها سنّا يسمح لها ببناء عائلة يرأسها رجل وتنجب منه أطفالا. تختفي المرأة كي لا تصبح فريسة الرّجل وضحيّة لحيوانيّته. تخفي المرأة أنوثتها لإعدادها للإنجاب. هكذا يختزل الرّجل في حيوانيّة وغريزة جنسيّة لا يمكن كبحها وهذا لا يحطّ من قيمته في نظر المرأة المتحجّبة بل هو علامة قوّة وسلطة.
بوضعة الجنس وعرضه على الملأ في وسائل الإعلام والدّعاية هو ذاته ما تفعله كلّ الحركات الأصوليّة والشّموليّة. فإذا كانت الأولى تقضي على إيروس الحياة الاجتماعيّة إشباعا وتحريضا للغرائز وصولا إلى نفادها فإنّ الفكر الشّمولي والفاشي والأصولي عامّة يسعى إلى القبض على النّفوس من خلال الجسد الذي يخضعه لمعاييره ونمطيّته. لقد شهد التاريخ على أنّ الأصوليّة بأشكالها المتعدّدة تطبق على النّسوة وتختزلهنّ في الإنجاب بينما تقطع رؤوس المثقّفين.
عرفت السّنوات الأخيرة تعدّد الفتاوى الخاصّة بالنّسوة: لباسهنّ، معاملتهنّ، قضايا الزّواج والطّلاق والإرث والحيض ... اتّفق معظم هؤلاء الفقهاء على قتل جسد المرأة وسجنه كوسيلة لقتل النّفس والفكر والإحساس والتصوّر والقرار. فجسد المرأة في رأي هؤلاء عورة ومدعاة للفتن وصاحبته ناقصة عقل ومفعول فيها. هنّ فاسدات مفسدات وشيطانيّات وضعيفات كالقطيع الضال الذي يتطلّب من يقوده ويوجّهه. نقرأ في برامج إحدى أهمّ الحركات الأصوليّة أنّ "المرأة مصنع للرّجال" ودورها المركزي يتمثّل في "إدارة شؤون المنزل". يعتبر هؤلاء أنّ حجب المرأة إكرام لها وسترها وصونها في المنزل وهم يعتمدون في ذلك على ما يصلح لهم من الأدبيّات لفرض رؤيتهم الدّونية للمرأة ولعلّ كتاب أبي حامد الغزالي: إحياء علوم الدّين يمثّل أهمّ مرجع خصوصا في القسم الخاصّ بالمرأة: "الزّواج الإسلامي السّعيد". يقول إمامنا متوجّها إلى الرّجل: "يجب أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتّبع الحقّ في جميع ذلك لتسلم من شرّهنّ. فإنّ كيدهنّ عظيم وشرّهنّ فاش والغالب عليهنّ سوء الخلق وركاكة العقل ولا يعتدل ذلك منهنّ إلاّ بنوع من لطف ممزوج بسياسة" لكن غاب عن هؤلاء أنّ الغزالي في آخر أيّامه قد تراجع عن معظم ما كتبه وصرّح به. فلقد كتب "المنقذ من الظّلال" وأعلن فيه أنّ "جلّ ما كتبه لم يكن لوجه الله..... ولم يكن باختياري وحيلتي" وهذا اعتراف بأنّ السّلاجقة قد وجّهوا مجرى حياته وهو يعّبر عن توليفته بأنّه قد "دخلها الرّيب والغلط والوهم" وقد صاغها "من أجل كسب الجاه الذي دعا إليه بقوله وفعله" (انظر الدّكتور محمود إسماعيل: الخطاب الدّيني المعاصر بين التّقليد والتّجديد، دار مصر المحروسة 2005، القاهرة، ص86)
كلّ الأصوليّات والشّموليّات تتقارب في رؤيتها للمرأة وإن اختلفت في المرجعيّات وقد تجلّى ذلك في الصّورة المهيمنة للمرأة وكذلك في لباسها. فالمرأة الفاشية على سبيل المثال هي بالضّرورة تلك التي تعتني بعائلتها وتقوم بالشّؤون المنزليّة على أحسن وجه وتسهر على راحة زوجها وتخضع للأخلاق الدّينيّة علما بأنّ التّاريخ قد شهد على تواطؤ الكنيسة أو بعض أوساطها مع الفاشيّة والنازيّة. في السّنوات العشرين من القرن الماضي كان لباس المرأة الفاشيّة الإيطاليّة متميّزا وموحّدا: تنّورة سوداء وربطة عنق وميدعة طويلة وبيضاء تخفي أشكال الجسم (الأوراك والثديين) مع قصّ الشّعر تماما كالرّجل ولفّ ما تبقّى منه بشريطة ملوّنة كي لا يتدلّى إلى الأمام مع وجود رمز يشير للفاشيّة ويلصق باللّباس.
لم يقتصر اللّباس الموحّد على الفاشيّة بل اعتمدته مجتمعات وبلدان أخرى في العهد الستاليني والماوي وفي المجتمعات البيروقراطيّة لجنوب شرقيّ آسيا.
ففي هذه البلدان بلغت الدّكتاتوريّة حدّا أصبح فيها المواطن مقيّدا في سلوكه بما في ذلك السّلوك الجنسي داخل العائلة. فالحزب حاضر في كلّ مظاهر الحياة ومجالاتها وحتى في فراش الزوجية. بطبيعة الحال كانت المرأة هي أولى الضّحايا لهذا القمع الجسدي الذي اتّخذ أشكالا عديدة: فمن السّجون في الغولاك ( 26 بالمائة من ملايين المسجونين في الغولاك كانوا من النّساء وقد أجبروا على القيام بالأعمال الشاقّة مثلهنّ مثل الرّجال) إلى التحكّم في اللّباس والتدخّل حتّى في الحياة العائليّة والزوجيّة.
في سنة 1959 ظهر كتاب للدّكتور T.S.Atarov "الطّبيب المتحصّل على جائزة الجمهوريّة الإشتراكيّة الرّوسيّة" وقد طبعت منه 100 ألف نسخة بيعت في أيّام عنوانه "قضايا التّربية الجنسيّة". بعد أن ذكّر صاحب الكتاب بمعارضة الرفيق لينين "للعلاقات الجنسيّة الحرّة" (l'amour libre) بصفته "منافيا للأخلاق الاشتراكية" ذكّر ببعض الأحكام والتّوجيهات الخاصّة بالحيض والعادة السريّة والعلاقة الزوجيّة وهذه الأحكام هي أقرب منها لفتاوى الفقهاء. من جملة هذه الأحكام نجد ضرورة تجنّب الفتيات للثّياب الضيّق خصوصا في الأماكن السّفلى من الجسم ونصح الشّباب والرّجال بأن لا يضعوا أياديهم في جيوب سراويلهم. "على الفتاة أن تتجنّب الاستلقاء على بطنها وعلى الوالدين أن يسهرا على تربية أطفالهم وخصوصا منهم الفتيات لتجنّب مخالطة الأشرار. لا يمكن للفتيات أن يمارسن مهنة النادلات في المقاهي والمطاعم ولا يمكن للجنسين أن يبنيا علاقة خارج العائلة".
"عندما تتّخذ فتاة قرارا بالزّواج، على الأولياء أن لا يظلّوا محايدين. فالزّواج السوفييتي ليس قضيّة فرديّة فحسب بل هي مسؤوليّة المجتمع والدّولة في آن واحد ... لا يجب أن ننظر للحب من جانب واحد (المرأة أو الرجل فقط) على أنّه تراجيديا ومأساة ففي المجتمع السوفييتي حيث يعتبر الخدمات العموميّة المسألة الأساسيّة ... على الطّرف (المتضرّر) أن يتجاوز شقاءه بالعمل والمساندة المعنوية لرفاقه ...". هكذا يمضي أحد الطرفين حياته مع شخص لا يكنّ له أي شعور خاص ويتغلب على هذا الوضع البائس بالعمل!
أخيرا نذكّر بأنّ زوجة ستالين الثانية قد انتحرت في الكرملين وقد اعتبر الرّفيق "أب الشّعوب" هذا العمل خيانة له. أمّا ابنته Svetlana ALLILUYEVA فلقد هربت من سطوته وهاجرت وتخلّت عن اسمها معتبرة أنّ "أحسن ما قامت به في حياتها هي مغادرة الإتّحاد السوفيتي".
حاولت الكاتبة Catherine David الغوص في العمق النّفسي لكلّ هؤلاء الأصوليّين من كلّ نوع سواء تلحّفوا بدين أو إيديولوجيا وتساءلت عن سبب هذا العصاب الذّكوري. لماذا يراد للمرأة أن تختفي حول نقاب أو زيّ موحّد ستاليني أو فاشي أو ماوي ولنقل زيّ يشير إلى تلك الوثوقيّة ويحاول طمس جسد المرأة؟ لماذا هذا الخوف من المرأة ما دامت سخيفة ؟؟." هل يعكس ذلك أزمة لدى الرّجل وخوفه من عدم القدرة على التحكّم في غرائزه الحيوانيّة؟ فعلا الرجل الأصولي يخاف من عدم التحكّم في غرائزه. فهذه المرأة الضّعيفة قادرة على الإغواء والإغراء وهنا منبع الخطر!
وحده الزّعيم والمرشد العامّ والقائد والدّكتاتور و"حبيب الشّعوب" قادر على التّحكّم في غرائزه والتّرفّع عن كلّ الإغراءات الجنسيّة: هو هتلر وستالين وكلّ مرشد وفقيه متضلّع في أمور النّساء وهو البطل الذي لا ينطق سوى بالحقّ وتلتفّ حوله الجموع وتهوس به.
لقد اقترن الميز الجنسي واحتقار المرأة بالشّموليّة والتعصّب الفكري والوثوقيّة بجميع أشكالها.
عرف الغرب خصوصا في النّصف الثاني من القرن الماضي حركة نسويّة واجهت التصوّر المهيمن والمهين للمرأة متحدّية المعايير التّقليديّة والفكر الأبوي وقد عرفت أشكالا متعدّدة بينما تباينت منطلقاتها. بالتّوازي مع ظهور هذه الحركة تحرّرت الجنسانية نسبيّا من المؤسّسات والمعايير السائدة وتخلّصت من هيمنة العائلة. تجسّد ذلك في ظهور سلوكيّات جديدة كانت تعتبر في السابق استثناء وتحدّيا للأخلاق. ما من شكّ أنّ هذه الحركة قد ساهمت إلى حدّ كبير في تحقيق مكاسب للمرأة لكنّها تغافلت عن معطيات عديدة لعلّ أهمّها أنّ اقتران الحريّة الجنسيّة مع هيمنة مجتمع السّوق والاستهلاك وسلطة المال يعني تحوّل الجنس إلى مادّة استهلاكيّة وبروز توسّع "سوق حرّة للجنس".
كما أنّ هذه الحركة اللّيبراليّة-التحرريّة (libérale-libertaire) لم تقدر على هزم الأبويّة وهيمنة الرّجل.
في الحقيقة لا يمكن لاستقلال الجسد وتحريره من سلطة البطرياركيّة أن يستند على قاعدة طبيعيّة أو بيولوجية بحته بحيث يصبح تحرير الجنس مقدّمة وشرطا محدّدا لتحرير العقل والفعل. فلا بدّ أن يتأسّس كلّ ذلك على تصوّر جديد لا ينفصل عن تصوّر لكامل المجتمع. فعلى عكس ما يعتقده البعض لا تسعى الرّأسماليّة إلى كبت الجنس بل هي تعمل على تحديد المكوّنات المختلفة للمجتمع وبالرّجوع إلى معطيات ومقاييس وتتعامل معها كما هي بما أنها تعتبر أنّ آليّات السّوق واليد الخفيّة قادرة على تعديل وتنظيم العلاقات داخل المجتمع بما في ذلك العلاقات الجنسيّة (Jean Claude Michéa).
في الحقيقة يمكن مساندة الرّأي القائل بأنّ هذا التّحرّر الجنسي المنشود لم يشمل سوى الرّجل الأبيض والشّرائح العليا من المجتمع. لقد وقعت زحزحة بعض المعايير دون أن يؤدّي ذلك إلى القضاء على علاقات الهيمنة وهذا لا يعني أنّه لم توجد مجالات ولو محدودة لجنسانية تقطع مع الهيمنة الذّكوريّة ولا تخضع لتجارة وبوضعة الجنس.
نشهد اليوم في البلدان الغربيّة وحتى في بعض بلدان الجنوب تصنيع الجنس وانتعاشة تجارة الجنس التي تدرّ مليارات الدّولارات.
على عكس ما يتراءى للبعض فلقد أدّى ذلك إلى افتقاد المجتمع تدريجيّا لجانب الإيروس ما دام الجنس يعرض على قارعة الطّريق وفي الشّاشات وما دامت وسائل الدّعاية تربط بيع البضاعة بصورة المرأة بحيث أصبحت المجتمعات تعيش حالة من الإشباع البصري بالمشاهد المثيرة للغرائز إلى حدّ النّفاد.
لقد كان لأفكار وليام رايش دورا هامّا في ترويج إيديولوجيا "التّحرّر الجنسي اللّيبرالي" لقد حاول الجمع بين النظريّة الماركسيّة والتحرّر الجنسي واهتمّ بما سمّاه الجنسيّة البروليتارية.
في نظره يمكن تحرير "البروليتاريا" بتحريرها من العادات الجنسيّة البالية. فالعالم يرتكز على شبق أصلي وهي الطّاقة الحيويّة الأولى.
تماما كما رأي فورييه اقترح رايش ممارسات إيروتكيّة قادرة في نظره على دعم الطّاقة الجسميّة والنّفسيّة. "أطلقوا الجنس وسيتحرّر المجتمع"! ذهب الوضعياتيون situationistes أشواطا أخرى إذ اعتبروا أنّ تحرير الجنس إلى ما لا حدّ له هو علامة للصحّة ومدخل للتحرّر السّياسي.
إذن أصبحت في نظر هؤلاء الغرائز الجنسيّة محرّكة للمجتمع والتاريخ ومصدرا للانعتاق. لقد اختطفت النيوليبراليّة من أيدي هؤلاء هذه الأفكار لتؤكّدها من خلال تكريس تجارة الجنس. في الحقيقة وخلافا لما يظنّه البعض ساهمت هذه الأفكار في تعميق استبعاد المرأة ولو في أشكال عصريّة. فالنيوليبراليّة لا تتدخّل في جسم المرأة التي يحقّ لها أن تتصرّف فيه بكلّ حريّة وصولا إلى بيعه. هي ترفض الأخلاقيّات الجنسيّة (Jean Claude Michéa).
لقد زال الخيط الفاصل بين "تحرير الجنسانية" و"اللّيبراليّة الجنسيّة". قطعت اللّيبراليّة أشواطا في اتّجاه تسخير الجنس والمرأة وكذلك حركة المثليّين وذلك في دعايتها من أجل البيع وفرض سلوكيّات وموضات. ترسخت هذه التوجّهات أيضا وتتقننت من خلال تقنيات الصّياغة خارج الجسم وكراء الأرحام وبيع البويضات (ovules). كما عمدت إلى تشجيع المثليّة ومأسستها (institutionnalisation ) والتّهويل من خطر معاداتها والحال أنّ نسبة اغتصاب الفتيات في تصاعد مستمرّ كما العنف الجنسي. فهي تريد أن ترسّخ نرجسيّة خاصّة ترفض لقاء الجنسين علما بأنّ ذلك يفتح لها أسواقا جديدة. إنّ هذا التّوجّه لا يمثّل البتّة انفتاحا للّنيوليبراليّة وقبولها بالاختلاف بل هو أساسا توجّه محقّر للمرأة. من ناحية أخرى عرفت السّنين الأخيرة بروز سلطة بيولوجيّة-سياسيّة biopolitique منفعيّة اعتبرت جسم الإنسان مادّة أوّليّة (سوق الإنجاب وصناعة الأعضاء) بما في ذلك جسم المرأة وأعادت للأذهان مخاطر اليوجنة Eugenisme هذه النّظريّة العنصريّة الخطيرة التي ارتبطت بالفاشية وبحركات اليمين المتطرّف.
❊ خاتمة:
الجنسانيّة تصور وبناء وتأسيس اجتماعي-تاريخي وإن هو ارتكز على أسس بيولوجيّة طبيعيّة ونفسيّة. فهيكلة الجنسانية لا تنفصم عن مفاهيمنا للثقافة والاجتماع ولدور كلّ من المرأة والرّجل والتّقسيم الطّبقي والعرقي والإثني. لهذا تختلف العادات الجنسيّة من ثقافة إلى أخرى وعبر التّاريخ. هي إذن معطى اجتماعي. الحريّة الجنسيّة وإطلاق الغرائز لا يؤدّي بالضّرورة إلى تحرير المجتمع أي أنّه لا يمكن ربط الأوّل بالثاني بصفة آليّة ومحدّدة. كلّ مجتمع قادر على بناء معايير ورؤى بما في ذلك معايير جنسيّة. بين الأصوليّة الجنسيّة التي تختزل المرأة في جسدها وكمصدر للإنجاب والفكر الشّمولي الذي يريد أن ينزع عن الجسد كلّ جنسانيّة ليشبعه إيديولوجيّا وفكرا شعبويّا من ناحية وبين اللّيبراليّة الجنسيّة التي تسخّر جسد المرأة للسّوق بل وتحوّله إلى سوق توجد علاقة وطيدة تتجسّم في الميز الجنسي واحتقار المرأة واختزالها ككائن اجتماعي ونفسي وتاريخي في مجرّد جسد وغرائز ومصدر للفوضى الاجتماعيّة وعورة وجب إخفاءها أو توظيفها لغايات منفعيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.