في يوم 21 جانفي 78 اجتمعت اللجنة المركزية للحزب وأصدرت لائحة وضعت فيها شروطا للاتحاد طلبت منه ان يستجيب لها: أولا: طرد العشرات من النقابيين من المنظمة وضعت فيهم قائمة سُلمت للقيادة النقابية. ثانيا: قبول مراقبة الحكومة لأموال الاتحاد. ثالثا: إلغاء اللوائح التي صادق عليها المجلس القومي للاتحاد المنعقد يوم 8 ، 9 و 10 جانفي 1978. واعتبر الاتحاد أن تدخل الحزب بتلك الطريقة التي أعلنتها لائحة اللجنة المركزية هو مسّ بالحق النقابي فدعا الى اجتماع الهيئة الادارية يوم 22 جانفي 78 وفعلا حضر كل اعضاء الهيئة الاداية هذا الاجتماع باستثناء عضوي المكتب التنفيذي التيجاني عبيد الذي بدأ يعدّ للانقلاب على إخوانه، وخليفة عبيد الذي بقي وفيّا دوما لزملائه من اعضاء المكتب التنفيذي ولكنه كان مريضا في المستشفى. وقد تمّ فيما بعد ايقاف اعضاء الهيئة الادارية وإحالتهم على المحاكمة إثر أحداث 26 جانفي باعتبارهم قد قرروا مبدأ الاضراب العام وبذلك اعتبروا متآمرين ضد أمن الدولة. وقد أصدرت الهيئة الاداية لائحة جاء فيها: (إن اعضاء الهيئة الادارية للاتحاد العام التونسي للشغل المجتمعين يوم الاحد 22 جانفي 1978 بدار الاتحاد بعد استماعهم الى تقارير اعضائها الذين أشرفوا على اجتماعات إحياء الذكرى الثانية والثلاثين لتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في كافة جهات الجمهورية. وبعد تحليلهم لتوصيات اللجنة المركزية للحزب الصادرة يوم 21 جانفي 1978 في خصوص ما يتعلق منها بالاتحاد والعمل النقابي وتقييمهم للوضع العام في البلاد وخاصة منذ انعقاد المجلس القومي للاتحاد ايام 8 ، 9 و 10 جانفي 1978. يعبّرون عن ارتياحهم لنجاح هذه الاجتماعات النقابية في جميع الجهات رغم المناورات المخططة والمحاولات المفضوحة التي قامت بها عناصر ارهابية لإفشال هذه الاجتماعات النقابية الشعبية، وذلك بفضل يقظة الشغالين ومسكهم لأعصابهم وعدم الانزلاق وراء الاستفزازات المتنوعة. يشهّرون بجنوح بعض المسؤولين الى لغة العنف والمغالطة وغلق باب الحوار بدل الاستجابة لطلب الاتحاد المتكرر بفتح حوار علني نزيه قصد ايجاد الحلول الايجابية للخروج من الازمة الخطيرة الحالية حفاظا على مكاسب الشعب وخدمة لمصلحة الوطن وذلك على أساس مقررات المجلس القومي الأخير والمؤتمر الرابع عشر للاتحاد العام التونسي للشغل. يستنكرون بشدّة جميع مظاهر الاستفزاز والعنف والارهاب المنظمة والموجهة ضدّ النقابيين والنشاط النقابي بأساليب متنوعة مكشوفة لم تعد تخدع أحدا، ومنها: خرق مبدأ حرية الاضراب بالتصدي للاضرابات الشرعية ومنع لجان الاضراب بالقوّة من حراسة الاضراب رغم احترام القانون وحرية الشغل. محاولات توجيه تهم ملفقة ضدّ المسؤولين النقابيين تتعلق بمواقف وقع التعبير عنها في المجلس القومي الأخير للاتحاد في حين انه لا حق لأحد في استعمالها وخلطها بالمقررات الرسمية الصادرة عن المجلس القومي قصد مغالطة الرأي العام وتتعلق كذلك بأحداث تسببت فيها عناصر استفزازية لا علاقة لها بالشغالين والنشاط النقابي. دفع بعض المرتزقة المحترفين الى الهجوم على دور الاتحاد والاضرار بها والاعتداء بالعنف على النقابيين كما حدث مثلا في توزر وسوسة وسيدي بوزيد وتسخير وسائل الاعلام الرسمية لإيهامهم بأنها خلافات بين النقابيين أنفسهم. تسليط ضغوط مختلفة على النقابيين بالترغيب ثم الترهيب للإستقالة من الاتحاد وامضاء البرقيات المصطنعة فضلا عن مهزلة البرقيات المفتعلة والوهمية إمعانا في التضليل والاستخفاف بالرأي العام. يؤكدون ان هذه الممارسات الدنيئة الموازية لتواصل الحملة الاعلامية المغرضة بكلّ ما تنطوي عليه من تضليل وافتراء، تكشف عن خطة مبيّتة تستهدف النيل من سمعة وهيبة الاتحاد العام التونسي للشغل كمنظمة نقابية حرّة ديمقراطية ومحاولة النيل من معنويات الشغالين. يعتبرون ان مقررات وتوصيات اللجنة المركزية للحزب الصادرة يوم 21 جانفي 1978 والتي أرادت ادارة الحزب بها تتويج حملتها ضدّ الاتحاد والتي تكرّس مواقف وتصريحات مدير الحزب في الاسابيع الاخيرة خلافا لمواقف وتصريحات جلّ المسؤولين في الحكومة والحزب. تمثل مسّا صارخا بالحق النقابي وتدخّلا لا حق فيه لأي كان. تجسّم خرقا فادحا لدستور البلاد الضامن للحريات العامة ولاسيما النقابية وخاصة منها الاتفاقية رقم 87. تدل على تغلّب نزعة التصلب الهادفة الى إعطاء صبغة قانونية لسياسة دكتاتورية قائمة على العنف والترهيب والمغالطة. يؤكدون مرة اخرى ان هذه التصرفات ترمي الى تلهية الرأي العام والشغالين بالخصوص عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية القائمة والتي ما انفكّ الاتحاد يدعو الى إيجاد حلول لها. يحمّلون من تسبّب في هذه الازمة من الحزب والحكومة مسؤولية تصعيدها وتعفينها قصد الايهام بوجود أزمة في صلب الاتحاد، تغطية لأزمة الهياكل السياسية الناجمة عن الخط السياسي المفروض الرامي الى كبت الحريات وخنق المبادرات الديمقراطية ودفع فئات الشعب لتبرير الاسلوب الفاشي لبعض المسؤولين في سياسة البلاد. واستنادا الى كل ما تقدم فإن اعضاء الهيئة الادارية للاتحاد تنفيذا لإرادة القواعد العمالية التي أخذ صبرها ينفذ ولم يعد بإمكانها ان تبقى مكتوفة الأيدي إزاء كل هذه التحديات السافرة. يقرّون كإجراء أولي لمجابهة الوضع: ❊الاعلان عن الاضراب العام بصفة انذارية في كامل البلاد ويوكلون الى المكتب التنفيذي أمر تحديد تاريخه ومدّته وتراتيبه. وكان الرئيس بورقيبة قد إختتم اجتماع اللجنة المركزية للحزب يوم 21 جانفي وجاء في كلمته التي نشرتها جريدة الصباح بتاريخ 22 جانفي 78 »وانا مستعد بعد المحاولات التي بذلناها دون طائل ان أقف في وجه المخرّبين الذين يستعملون الكاتب العام للاتحاد العام ستارا يحتمون به باعتبار مظهره الشعبي، ذلك ان وراء الكاتب العام يختفي أصحاب النظريات الشيوعية والبعثية ومن لفّ لفهم وكلهم يدعون انهم يسعون لتحسين حالة العمال وما يريدون في الواقع الا تفليس الدولة وتقويض أركانها وهو ما يتعيّن الاحتراس منه والوقوف له بالمرصاد وانتم تعلمون ان هذا الحزب ما دخل معركة الا انتصر فيها«. ويتبيّن من كلمة الرئيس بورقيبة أنه قد أخذ قراره بعد انتهاء اجتماع المجلس القومي للاتحاد وصدور تلك اللائحة التي سبق لي سردها وبعد استقالة الحبيب عاشور من الحزب في ان ينضمّ لموقف الهادي نويرة من وجوب مواجهة الاتحاد والقضاء على قيادته والعمل على تغييرها وإزاحتها ووضعها في السجن. وإستكمالا للحديث عن مجريات الاحداث اورد ما ذكره الاخ عبد السلام جراد في محضر استنطاقه (وتناول الكلمة في اجتماع الهيئة الادارية بقية ممثلي الاتحادات الجهوية مبيّنين ان دور الاتحاد ونشاطه تعرضوا الى الاعتداء وطالبوا بحماية دور الاتحاد والسماح للنقابيين بمباشرة نشاطهم وطالبوا بشنّ الاضراب العام الاحتجاجي وقد صدرت عن الاجتماع لائحة تضمنت تقرير مبدأ الاضراب العام الذي أوكل أمر ضبط تاريخه ومدته للمكتب التنفيذي ولم يقرر تاريخ الاضراب في نفس الاجتماع أملا في الوصول الى نتيجة باتصالات مع الحكومة وقد وقعت المصادقة على اللائحة بالاجتماع ثم في يوم 24 جانفي 1978 انعقد اجتماع للهيئة الادارية أعلم فيه الامين العام بتعرض دار الاتحاد بالقيروان الى الاعتداء كما وقع الاعتداء على بعض النقابيين الذين كانوا بها بالعنف وان الكاتب العام للاتحاد الجهوي بالقيروان علم في صبيحة يوم 23 جانفي بأن هجوما سيقع على دار الاتحاد وتدخّل ممثل الاتحاد الجهوي لدى والي القيروان كما تدخل الامين العام لدى وزير الداخلية ووقع تطمينهما بأنه سوف لن يقع اي هجوم على دار الاتحاد وبالامكان عقد الاجتماع المقرر من قبل بها (دار الاتحاد) ومع ذلك وقعت مهاجمة دار الاتحاد والاعتداء على من فيها وبنفس الاجتماع أعلن الامين العام ان المكتب التنفيذي عيّن موعد الاضراب ليوم 26 جانفي 78 ولمدة أربعة وعشرين ساعة كما بيّن انه لا يشمل مصالح الماء والكهرباء والصحة والالتزام بالهدوء وحرية العمل وعدم التظاهر). وانتهى هنا كلام الاخ عبد السلام جراد وقد اتضح ان الجوّ الذي ساد طيلة شهر جانفي 78 كان متوترا للغاية فقد اتسم بالملاججة والخصومات والاضطرابات والاستفزازات والقاء التهم على مناضلي الاتحاد. فبتاريخ 11 جانفي 78 كتبت وكالة (وات) الحكومية (واليوم سقط القناع واتضح للعيان ان بعض من التهبوا حماسا في الاشهر الاخيرة دفاعا عن حقوق الخدام إنما اتخذوا من الكلام عن الاجور والاسعار والمنح ومن جميع طموحات العمال المشروعة جسرا للعبور الى حيث بيت قصيدهم، ماذا يريد هؤلاء الذين إنتصبوا اليوم دعاة للعنف والفتن والعصيان المدني وقد خوّلوا لأنفسهم التعبير عن (مطامح الجماهير) في حين أنهم لا يمثلون الا نزعة محمومة في منظمة عتيدة مازالت تغالبهم؟). وبتاريخ 13 جانفي 1978 قال الحبيب عاشور في ندوة صحفية نشرتها جريدة الشعب (اني أفكر في حضور البوليس حيث يجب ان لا يكون وفي الحرية التي يجب ان يتمتع بها العمال والموظفون للأعراب عن عدم رضاهم بكل الوسائل المشروعة وفي تدخل الشعب المهنية وفي العمل النقابي وفي (الفيجيل الحزبي) حرس الحزب الذين يضربون الإخوان النقابيين وتدخل الامن في دار الاتحاد وهذه أمور لا يمكن تحمّلها). وجاء في افتتاحية نفس العدد من جريدة الشعب (إن الاتحاد الذي ما انفك يدعو الى اقامة حوار حرّ ديمقراطي وإجتناب لغة التنديد والترهيب المبتذل والى وضع مصلحة البلاد الحقيقية فوق المصالح الأنانية الضيّقة يهيب بجميع المسؤولين ان ينكبّوا جديا على إيجاد حلول ايجابية للمشاكل القائمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدل الانسياق وراء التهريج والمغالطة واستعمال لغة العنف والصدام والاتحاد يحمّل جميع الاطراف مسؤولياتهم التاريخية تجاه الوطن ويدعوهم للعمل معه على الخروج بالوطن من اخطار التمزق والتطاحن الى وحدة وطنية صحيحة قائمة على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الحقيقية). وأنهي هنا هاته الحلقة وسأستأنف الحديث في الحلقة القادمة عن تلك الايام العصيبة التي سبقت يوم الخميس الأسود 26 جانفي.