مصلحة الاحكام... تخزين محاضر دائرة جناحية اولى، دائرة جناحية ثانية، محاضر نيابة، كتابة الشخصي، خزينة قسم التنفيذ، قسم جناحيّ، كلها مهام تقوم بها موظفات لدى المحاكم بجهة قابس عاملات مثابرات تجمعهن حتمية سرية الوثائق ووجوب التكتم وحفظ المعلومة وعدم التحدث لاي كان في خصوص القضايا المنشورة او الوثائق الموضوعة بين ايديهن. كلهن ملتزمات بذلك ومنضبطات في غُدوّهن ورواحهن من وإلى مقرات المحاكم الجميع محتاج الى خدماتهن التي يمكن في بعض الاحيان ان تتوقف اشغال المحاكمات في غياب بعضهن. كل هذا جميل وامر عادي لكن غير العادي في الموضوع ان كل هؤلاء تعملن بصفة مؤقتة عن طريق ما يشبه المناولة بما يسمى الآلية 16 التابعة للولاية والاغرب من هذا كله ان هؤلاء الموظفات المهمات في سير اشغال المحاكم لم يقع خلاصهن لاكثر من خمسة اشهر امر يدعو للعجب في حين انه كان من المفروض ان ينالهن شيء من وجوب توفير الراحة النفسية التي تفرضها مهمة القضاء التي لا بد ان يكون القاضي الجالس على كرسي العدالة ليحكم بين الناس متمتعا بكل اسباب الراحة النفسية والجسدية والفكرية ولا يعكر صفوه اي شيء حتى يكون قضائه في الامر الذي بين يديه بعيدا عن المزاج النفسي الذي يمكن ان ينعكس سلبا ويؤثر في طبيعة الحكم ولكن هل القضاء في امر من الامور هو رهين مزاج القاضي فحسب؟ أم انه نتاج منظومة متكاملة ومتجانسة تعيش نفس الظروف والانفعالات؟ بل يمكن ان تكون حاشية المحكمة اكثر حضورا ذهنيا وبدنيا مما هو عليه القاضي لانهم من يدونون ويضمنون ملف القضية بكل حيثياتها فكيف سيكون الامر اذا ما شردت المستكتبة او الراقنة في ديونها وشراء حاجياتها امام العدد الكبير من الاشهر غير خالصة الاجر؟ ثم هذا الجانب الخطير في الموضوع الا يفتح الباب امام عديد الاحتمالات والريبة في نفوس البعض خاصة اننا امام ملفات القضاء التي يمكن ان يحكم في شأنها بالسجن او الخطايا المرتفعة جدا والذئاب البشرية تحوم حول هذا الفضاء بصفة كبيرة وهي مستعدة لكل شيء. فقط بصيص من الضوء الاخضر والحمد لله ان كل العاملات على قدر كبير من الخلق والتمسك بالاخلاقيات التي تفرضهاخصوصية مهنة القضاء لماذا اذا كل هذا الاهمال في حقهن؟ لماذا اخذ الموضوع حظه كاملا عند عمال البلديات وسائر مكونات الوظيفة العمومية الا في ميدان القضاء مازال الامر متعثرا؟ لقد تم القطع في هذا الموضوع مع شركات المناولة المتاجرة بالجهد البشري فمن باب اولى ان يقع القطع معه اذا ما تعلق الامر بمؤسستين عموميتين تنتميان الى الادارة العمومية الا وهما الولاية التي تتحمل عبء اجورهن تحت غطاء الآلية 16 ثم وزارة العدل التي تنتفع بخدماتهن تحت نفس الالية أليس من المفروض ان تكون هذه الوضعية قد وقعت تسويتها قبل الجميع؟ أليس من حق هؤلاء الموظفات ان تنطبق عليهن احكام المنشور الصادر عن الوزارة الاولى عدد 12 / 881 بتاريخ 26 أفريل 2011؟ ثم هناك سؤال آخر يمكن طرحه ما موقف السادة القضاة والمحامون من مثل هذه الوضعية المخجلة؟ لماذا يطالب القضاة خاصة بتصحيح عديد الوضعيات المهنية والمادية واللجستية التي تهمهم مباشرة وتهم آليات عملهم وطالبوا بها. جمعيتهم التي ساندهم الجميع في تكريس استقلاليتها وعودة اعضائها الشرعيين الى مناصبهم منذ اندلاع الثورة حتى قبل المطالبة باستقلالية القضاء. أليس هؤلاء جُزءٌ لا يتجزأ من المنظومة القضائية؟ ثم عن اي استقلالية للقضاء نتحدث اذا ما كنت معظم اجزائه غير منضوية تحت غطائه وتأتمر بأوامره وهي مرتهنة في أجرتها لمن هم خارج دائرة وزارة العدل؟ ثم عن اي انضباط في العمل وتجاوب مع المرحلة التي يمر بها هذا القطاع الذي باستقلاليته تحدد درجة تحضّر الشعوب ان عدالة القضاء هي المحرار الحقيقي للديمقراطية والوعي العام والسلوك الحضاري ان غياب استقلالية القضاء وتكريس العدالة بين الجميع يحجب آليا عناصر مهمة مثل التنمية والديمقراطية والمواطنة والحس المدني لان العلامة التونسي ابن خلدون قالها العدل اساس العمران والعمران هنا ليس العمران الحضري او بناء المدن بل العمران الاهم هو العنصر البشري ان كان بنيانه سوي فسيكون سلوكه سويا اما ما تخزنه آفة الظلم واللامساواة والتفاوت في الحقوق رغم المعادلة في الواجبات عندها لا يمكن الحديث عن العدالة وان كنا داخل قاعة المحكمة لأننا سوف نكون امام مجتمع يسهل اختراقه والنفاذ اليه ولملفاته ومدوناته وقراراته بأيسر الطرق وهو ما قامت لأجله الثورة التونسية وايضا المطلب الاساسي الموجه الى المجلس التأسيسي هو استقلالية القضاء والابتعاد به عن كل الشبهات وان يجزي العاملون به ليس من القضاة والمحامون فقط بل من الحاجب لغاية أرفع مستوى في الوظيفة في هذا القطاع المهم لغاية الكفاف وما جعلني أتحمس لهذا الموضوع هو انتمائي النقابي الذي يفرض علينا مساندة كل القضايا العادلة أولا ثم ما لمسته في بعضهن من تمسك بحقهن في العمل وحبهن له رغم ما ذكر. فهل يعقل ان تكون مثلا كاتبة الوكيل العام بما تفرضه خصوصية العمل من سرية وتكتم في هذه الوضعية الشغلية؟ هل من المعقول ان يتولى عون وقتي تبويب وترتيب المحاضر الصادرة عن المحاكم والمسجلة في القباضات المالية؟ هل من الاستقلالية ان يكون عامل ظرفي من يسجل ويبوب المحاضر الواردة على المحاكم؟ ثم نتحدث عن استقلالية القضاء ام ان القضاء عندنا هو السيد القاضي او السيد النائب العام فقط؟ ام ان استقلالية القضاء ما هي سوى النطق بالحكم والتعامل مع الملفات خلال اشغال المحكمة وان يزج بهذا في السجن ويطلق سراح الآخر بشيء من العدالة فحسب؟ حتى وان كان هذا ما نرومه ونصبو اليه فهو منقوص في أصله ولا يستوي أمره ما دام من يتعامل مع كل هذه الملفات يشعر بالقهر والظلم والغبن كيف ننشد العدل والعدالة ومن هم يوميا في حضرة المجالس مذبذبين بين ذلك بين هؤلاء وأولائك لقد توجهت هذه المجموعة من الموظفات برسائل الى كل من الاخ الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل والسيد والي قابس والاخ الكاتب العام لجامعة العدلية كلها تحت اشراف الاخ الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بقابس ومن خير من هؤلاء يلجأ اليه العامل في مثل هذه الظروف القاهرة لتسوية وضعياتهن؟ ونحن جميعا ننتظر حلولا جذرية ليس لهن فقط بل للقضاء والعدالة بصفة عامة لان النواقص كثيرة على جميع المستويات مادية وبشرية فلابد ان تكون الحلول اشمل والاصلاحات أكبر.