أي أبا مهل. أي أنت يا حكيم مدينة الباأوباب الفاضلة. لعلك ستغضب مني لأني انشغلت عن نقل أخبار المجلس التأسيسي برجل صالح فاضل اسمه الأستاذ عبد العظيم. وقد حدثته عنك فأعجب بك أي إعجاب. فقال لي يوما: »هذا الرجل كان ينبغي أن يكون على رأس بلد العجائب بدل قريقوار الفاني ورشود الغاني ونصوف الغالي وجعفور الباهي«. أي أبا مهل. لقد طاف بي هذا الرجل كامل بلاد العجائب. وعندما اكتشف أني قرد ترك نظرية الضوء والظلمة وحدثني في نظرية القرد والإنسان. فقال لي مرة: بيولوجيّا معقول جدا أن يكون الإنسان قد انحدر من القرد ألا ترى أن ذيلك طويل وذيله لا يكاد يرى. أما أخلاقيا فلا، ألم ترهم كيف تحايلوا. فوضعوا نظاما انتخابيا يضمن لهم الفوز مسبقا ألم تر كيف قامت أجهزة الدولة الرسمية بالدعاية للأحزاب التي أراد لها النظام الفوز ألم تر كيف رفضوا التحقيق في المال السياسي الذي جاءت به البهقة والشهقة والنهقة. ألم ترهم كيف يحبكون الدسائس ويكيدون المكائد ألم ترهم كيف يشترون الذمم ويبيعون اللمم.. ألم ترهم كيف يتواطئون ويغشون.. ألم ترهم كيف ينافقون ويراءون ويمنعون الماعون. وحدثني كذلك عن عمر بن الخطاب. وكان كلما جاء ذكره قال رضي الله عنه. فقلت له مرة: يا رجل كف عن الدعاء إليه. فهذا رجل مرضي عنه أبدا. فقال: إني أفعل ذلك بفرط ما القوم ظلّم ونهّق وشهّق وبهّق، اعلم يا قرود أنك عندما تركت بلد الباأوباب قد تركت إسلاما دون مسلمين ولما جئت بلد العجائب وجدت مسلمين دون إسلام (❊1) واعلم أن »عمر« كان يخيط ثيابه في المدينة ويأمر ببناء المدن في بلاد ما بين النهرين. وكان عندما يطلب منه أبناؤه مطلبا ينهرهم قائلا: ماذا؟ أتريدون أن أعطيكم من بيت مال المسلمين؟ ولم تكن له حراسة تحرسه ولا ظهر يركبه. ولم يركب غير مرة بغلة حتى يذهب إلى القدس ليوقع معاهدة بين المسلمين وسكانها... وبينا هو آخذ في حديثه هذا إذ بلغنا نعي صديقنا عبد الحفيظ المختومي الكنعاني المغدور ذاك الذي قاتل وقرض الشعر وغنى للحياة وغدر به العرب وإسرائيل وأمريكا وعملاؤهم جميعا. واعلم يا أبا مهل أنه عندما يلتقيك يقبلك ويحضنك. فيكتنفك. فحضنه حضن وحنانه حنان ودفؤه دفء وصدقه صدق وعطاؤه عطاء. ولما كان يقبلني كان يقول لي: سأقبلك »حتى لو كنت عشرين قرد«. واعلم يا أبا مهل أنه هو من علمني تصريف الأفعال قائلا: إن الأفعال تصرف تصريف العملة وتصريف مياه التصريف وتصريف الباطل والنفاق والبوليتيك. فاسمع تع: أنا أكلت .. أنت أكلت.. هو أكل.. نحن أكلنا.. أنتم أكلتم.. هم أكلوا. وحين سألته: لماذا بدأت بدرس أكل. قال: لأنهم هنا في بلد العجائب يأكلون كل شيء، وحتى الثورات يأكلونها؟ فقلت له: صدقت بدليل أنهم يأكلون الخرفان في عيد الأضحى. إنه في الأثناء قد وقع ما لا يحسب له حساب. لقد خرجت في جولات وصولات مع الأستاذ عبد العظيم سيد العقلاء في هذا البلد وأخذني بي. (❊1) قال الإمام محمد عبده لما زار باريس في سنة 1905: »لقد وجدت إسلاما دون مسلمين وتركت مسلمين دون إسلام«.