قد يجد المرء نفسه مضطرا للخوض في مواضيع تطرق لها سابقا وقد يكتشف انه «كعرار» دون أن يعلم. غير أن التكرار والإعادة أمر لا مفر منه امام تواصل نفس الحال. فقد تحدثنا أكثر من مرة عن غلاء المعيشة وغياب الرقابة والتعب الذي أصاب جيب المواطن من كثرة المصاريف ولا حياة لمن تنادي. واشرنا مرات عديدة إلى أن الغلاء نتيجة للتهريب والاستيراد لتغطية النقص وانتظرنا ردة فعل قوية غير أن واقع الحال لم يتغير. وقد تنجح مصالح المراقبة الاقتصادية من حين إلى أخر في ضبط المتجاوزين والمخالفين لقوانين البلاد من غشاشين وفاسدين. وتغلق هذه المصالح محلات تجارية وتعدم سلعا فاسدة غير أن الحجم غير كاف وتبرز الأرقام الرسمية المقدمة أن العمليات قليلة شحيحة تدخل في باب «تطيير الملام» لا أكثر لا اقل. فهذه المصالح حجزت بعض اللحم والخضروات الفاسدة وأعدمت قليلا من الدجاج وخالفت نزرا قليلا من الغشاشين في الوقت الذي يكاد الغش أن يكون قاعدة السوق وتكاد المضاربة أن تكون الإطار العام للمبادلات التجارية. حيث أصبح المضاربون يستغلون ضعف الدولة كي لا نقول غيابها لتحقيق ارباح كبيرة على حساب جيب المستهلك. المشكل أن المضاربة والتهريب والاحتكار ورغم ما تفعله بالاقتصاد التونسي لم تمثل أولوية لدى المسؤولين المنشغلين بكل قضايا الكون سوى قضاياهم الأصلية وهي أساسا رعاية مصالح المواطنين. فلباس أو صورة أو مشهد من فلم يقيم الدنيا ولا يقعدها أما مبيت أطفال بلا حليب أمر عادي يكاد يمر مرور الكرام. فلم نشاهد مثلا ذاك الوزير ينادي بحوار وطني حول غلاء الأسعار وطرق مواجهة التهريب وأساليب الحد من الغش والاحتكار.البعض قد يكون يئس من تدخل أقوى حكومة في العالم لتوقف هذا النزيف والبعض الأخر قد لا يرى في تدخلها حلا. فمن يدرى؟ لعل احدهم يتساءل كعادته أين كان الأطفال قبل 14 جانفي؟