ذكر تقرير صندوق النقد الدولي الذي تم عرضه خلال الندوة التي نظمها البنك المركزي التونسي وصندوق النقد الدولي حول الأفاق الاقتصادية يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2012 أن سنة 2013 ستكون أفضل من السنة الحالية متوقعا أن تتجاوز نسبة النمو 3.5 بالمائة. واعتبر صندوق النقد الدولي أن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستواجه عدة تحديات اقتصادية خارجية وداخلية . واعتبر التقرير أن العوامل الخارجية كالنمو الاقتصادي الهش وتراجع النمو في منطقة الاورو وغلاء الأسعار خاصة الغذائية والطاقية وتأثيرات الوضع في سوريا والعوامل الداخلية وخاصة منها ضبابية المشهد وتزايد الحاجة إلى التمويل سببت النمو الاقتصادي المحتشم وتواصل ارتفاع البطالة والعجز التجاري وقلة الخيارات والحلول. واستنتج التقرير أن كل هذه الظروف جعلت الحكومات تنفق لاستيعاب المشاكل الاجتماعية وهو ما سبب تفاقم العجز في موازنات الدولة و هو ما يستوجب سياسات جديدة تدفع باتجاه تنمية تخلق مواطن الشغل. وخلص التقرير إلى أن النمو الاقتصادي سيبقى خلال السنة القادمة متوسطا رغما التقدم الطفيف والى أنّ الخطر الذي يتهدد الاقتصاد العالمي هو عدم استقرار السياسات واستنزاف الخيارات وهامش الحركة وهو ما يستوجب تحرك عاجل في اتجاه تطهير ملائم للنمو الاقتصادي مع حماية الطبقات الفقيرة. وذكر السيد دافيد ليبتون المساعد الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي خلال المحاضرة التي ألقاها بالمناسبة أن الاحتمالات غير مواتية إلى حد ما بالنسبة لبلدان التحول العربي إذ أن الظروف الموضوعية العالمية تهدد المكاسب الهشة التي تحققت في مجال الاستقرار الاقتصادي مشيرا إلى أن تقدم التحولات على صعيد سياسي لا تنفي وجود أجواء من عدم اليقين مما يعيق اكتساب الثقة ويؤدي إلى تباطؤ التعافي. وتوقع أن يكون هذا التعافي غير كاف خلال سنة 2013 ولاحظ أن الحيز المتاح للتصرف في المالية العامة والحسابات الخارجية قد انخفض. وقدر ليبتون أن احتياجات المنطقة من التمويل ستبلغ 33 مليار دولار خلال سنة 2013 وهي احتياجات ضخمة لن تستطيع الموارد الذاتية توفيرها و هو ما يطرح ضرورة تدخل الشركاء الثنائيين في المنطقة وخارجها و اللجوء إلى قروض من المؤسسات المالية الدولية ومنها صندوق النقد الدولي. وفي علاقة بالوضع الدولي اعتبر نائب مدير صندوق النقد الدولي أن أجواء عدم اليقين أثرت على الاقتصاديات الصاعدة والنامية من خلال قنوات التجارة والقنوات المالية ودعا الحكومات إلى التدخل السريع لمعالجة هذه الوضعية واتخاذ الإجراءات اللازمة محذرا من تدهور احتمالات النمو إلى حد بعيد في حال لم تفلح في ذلك. ورأى ليبتون أن العالم، ورغم كل هذه المخاطر أمام فرصة تاريخية لتحقيق مستقبل أكثر إشراقا لشعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. واعتبر أن الأحداث التي أعقبت «التصرف الاحتجاجي في ديسمبر 2010» سجلت عهدا جديدا تغير فيه الواقع السياسي والاقتصادي. ودعا نائب مدير الصندوق إلى تحقيق الإصلاحات على نطاق واسع بما يتيح نمو أعلى وأسرع وتوفير فرص شغل لملايين البشر. وأكد أن تحقيق هذه الغاية يفرض أن يستعيد القطاع الخاص دينامكيته لكي يستثمر أكثر ويحقق مستويات أعلى من الإنتاجية. ونصح بتوجيه التعليم نحو تحقيق حاجيات القطاع الخاص وبتوفير الضمانات لتكافؤ الفرص أمام المستثمرين والى تيسير الحصول على التمويل. ولاحظ المحاضر ضرورة وجود شبكة اجتماعية فعالة توفر الحماية للفئات الأشد احتياجا بحيث تكون بمثابة العنصر المكمل للقطاع الخاص القوي الذي يوفر فرص عمل. وانتقد ليبتون الدعم بشكله الحالي ودعا إلى إنشاء شبكات أمان اجتماعي جديدة تستند إلى برامج التحويلات النقدية ودعم الأسعار الموجه للمستحقين لدعم اسر الفقر. ولاحظ أن الحلول سهلة على مستوى نظري ولكن التنفيذ صعب ولا يتحقق دون تحديات ومصاعب خاصة وان الحكومات مطالبة بإيجاد التوازن بين إرضاء توقعات المواطنين المرتفعة وتنفيذ قرارات صعبة للسيطرة على التوازنات المالية وإعادة توجيه الموارد للاستثمار. وعن دور الصندوق رأى نائب المدير أن تطوير القطاع الخاص وبناء شبكات الأمان الاجتماعي لا تمثل مجالات تدخله غير أنّ المسؤولين يرون أن هذه التحديات ضرورية و أن على الصندوق مساعدة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إعادة توازن السياسة الاقتصادية الكلية واستعادة الاستقرار معتبرا في الوقت نفسه أن الصندوق يتغير باستمرار وان القناعة أصبحت راسخة في أن نجاح السياسات الاقتصادية يقتضي أن تكون مصممة من قبل الحكومات حتى تكون مؤمنة بها وحتى تحضا بالتأييد الواسع داخل البلد المعني. وان الصندوق تعلم أن البرامج الاقتصادية يجب أن ترتكز على السياسات التي تضمن استفادة شرائح سكانية أوسع من ثمار النمو. وأشار ليبتون إلى أنّ الصندوق يتشاور مع ممثلي المجتمع المدني والدوائر العمالية والأحزاب السياسية من مختلف الأطياف. وعبر نائب مدير صندوق النقد الدولي عن استعداد المسؤولين للمساعدة إذا ما أبدت الحكومة اهتمامها مبرزا أن خبراء الصندوق مازالوا على اتصال بالمسؤولين التونسيين. وكان محافظ البنك المركزي التونسي قد افتتح الندوة بكلمة ترحيب مقتضبة بسط خلالها الواقع الاقتصادي التونسي ومجمل العوائق والصعوبات.