مرّة أخرى تقدم ميليشيات خفافيش الظلام التي لا يخفى ارتباطها بحركة النهضة على تدنيس ساحة محمد علي في محاولة يائسة منها لإيصال رسالة تحذير إرهابية للاتحاد العام التونسي للشغل ولدفعه الى التنازل عن حقوق الشغالين وعموم الشعب التونسي والتنكر لمطالب الثورة الاجتماعيّة والسير في ركاب الحكومة التي بلغت حالة من التخبط انعكست في الصراعات التي تشق ائتلافها الحاكم وتنذر بانهياره. لكن هذه المرّة لم تكن كسابقاتها وإنما مثلت تجاوزا خطيرا وجريمة سياسيّة نكراء استهدفت اغتيال المنظمة رمزيا فقد أكدّ جل النقابيين أنّها المرّة الأولى التي تقدم فيها حكومة منذ الاستقلال على محاولة اقتحام المقرّ المركزي للإتحاد وتعنيف النقابيين بأسلوب همجي إجرامي ينمّ عن حالة من الحقد الدفين ويعكس نقمة على النقابيين والعمل النقابي. النقابيون يتصدون بصدورهم لجريمة اغتيال ممنهجة للمنظمة موجة العنف الجديدة التي ضربت لها موعدا بالتزامن مع إحياء الاتحاد للذكرى الستين لاستشهاد الزعيم المناضل فرحات حشّاد جاءت أثر دعوة توجهت بها ما سميت برابطات حماية الثورة طوال الأيام السابقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي دعت خلالها ميليشياتها للتوجّه إلى المقرّ المركزي للاتحاد بدعوى تطهير الهيكل النقابي حسب تعبيرهم وما ورد في دعوتهم. في صباح يوم الثلاثاء 04 ديسمبر 2012 استغلت هذه الميليشيات الإجراميّة المأجورة انشغال النقابيين بمتابعة الإمضاء على اتفاقية الزيادة في الأجور في القطاعين الخاص والعام بين الإتحاد والحكومة الذي دفع الإتحاد إلى تأجيل الاحتفالية إلى الساعة الثالثة ظهرا، وعند تأكدها من وجود عدد قليل من النقابيين بالبطحاء أوعزت إلى حوالي 300 من عناصرها الدمويّة على الساعة منتصف النهار ونصف واثر الانتهاء من صلاة الظهر بمهاجمة مقرّ الإتحاد بعد أن تمّ تجميع هذه العناصر داخل جامع «الزرارعيّة» الذي لا يبعد إلا بضعة أمتار على ساحة محمد علي . الميليشيات كانت قد أعدت العدّة وهيأت نفسها للاستيلاء على مقرّ الإتحاد ومن ثمّة حرقه، لذا تزودت بالهراوات والسلاسل والسواطير والسيوف وبقنابل الغاز المسيلة للدموع، وبزجاجات معبأة بمواد حارقة، وقسمت عناصرها إلى مجموعتين واحدة سدت المنافذ المؤدية إلى البطحاء وانخرطت في رفع الشعارات ورفع اللافتات للإيهام بانّ وقفتها احتجاجية، أمّا المجموعة الثانية فقد تكفلت بالاعتداء بكل وحشيّة على النقابيين الموجودين بالهراوات والقضبان الحديديّة بعد أن ألقت عليهم قنابل الغاز واستعملت قنابل أخرى يدويّة كانت في حوزتهم، كما تمّ رشق المكاتب بالحجارة التي تمّ جلبها في حقائب وأكياس وتهشيم اللافتة الزجاجيّة التي تتوسط البطحاء واقتلاع اللافتات التي زينت بها البطحاء بمناسبة ذكرى الاستشهاد ومحاولة تهشيم بعض الأبواب الخارجيّة. تواطؤ حكومي وحياد مريب لقوات الأمن النقابيون الحاضرون ورغم شراسة الهجمة الإجراميّة المباغتة نجحوا في منع هذه الميليشيات من اقتحام مقرّ الإتحاد ممّا تسبّب في إصابة قرابة الثلاثين نقابيا بأضرار بدنيّة متفاوتة الخطورة بين كسور ورضوض وكدمات على مستوى الرأس ممّا يعكس نيّة المعتدين في القتل. صيحات الاستغاثة التي أطلقها النقابيون المحاصرون داخل الإتحاد والاتصالات العديدة لم تلق استجابة من وزارة الداخليّة التي تواطأت بالصمت وتركت المجزرة تستمر لأكثر من ساحة غابت فيها قوّات الأمن عن البطحاء رغم أنها موجودة على مستوى باب البحر على بعد أمتار من البطحاء. ولم تصل إلاّ بعد أن تمكّن الأخوان عضوا المكتب التنفيذي سمير الشفّي وحفيّظ حفيّظ وبعض النقابيين والشباب من اختراق صفوف الميلشيات بمسيرة رمزيّة سرعان ما اعتدى عليها عناصرها مستهدفين الأخون سمير الشفي وحفيّظ حفيظ بالذات، ساعتها فقط وعندما هبّ النقابيون بالمئات تدخّل أعوان الأمن لحماية الميليشيات الإجراميّة والفصل بينهم وبين النقابيين الذين كنسوهم من بطحاء محمد علي. سليانة أخرجتهم من عقولهم الشعارات التي رددها عناصر الميليشيا عكست الأسباب الحقيقيّة لهجومهم الدموي على النقابيين والإتحاد وهو دعوته إلى الإضراب العام في مدينة سليانة خلال الأسبوع الماضي، وأكدت بما لا يدع مجالا للشكّ الجهات الحزبية والحكوميّة التي تقف وراءهم والتي سارعت بكل وقاحتها التي عودتنا عليها في كل أعمال العنف السابقة التي ارتكبتها ميليشيات روابط حماية الثورة إلى اتهام النقابيين بالمبادرة بالاعتداء على من سمتهم بالمحتجين السلميين الذين جاؤوا للمشاركة في إحياء ذكرى اغتيال فرحات حشّاد. دون زيارة قبرك الموت يا حشّاد رغم كل الإرهاب الذي سلّط على النقابيين فإنّ روحهم النقابيّة والوطنيّة أبت أن تذعن للتهديد، فتنادوا كالبنيان المرصوص - وكأنهم يعلنونها عالية مدوية دون زيارة قبرك الموت يا حشّاد- إلى مسيرة الوفاء لحشّاد فلبّى النداء المئات من النقابيين وقوى المجتمع المدني والمواطنين التونسيين الشرفاء المؤمنين برسالة الاتحاد التاريخية ودوره الوطني، وخرجوا في مسيرة جددوا من خلالها إصرارهم على الدفاع عن المنظمة الشغيلة ضدّ كل خفافيش الظلام الذين يسعون إلى تحييد الاتحاد عن دوره السياسي والوطني والاجتماعي وتمسكه بالوفاء لشعارات الثورة والوفاء لدماء شهيد الوطن فرحات حشاد وكل شهداء التحرر الوطني وشهداء ثورة الكرامة والحريّة. مئات الحناجر انطلقت مدوية هادرة بالشعارات على امتداد الطريق إلى ضريح الشهيد حشّاد من باب بحر مرورا بباب الجزيرة وباب جديد وصولا إلى القصبة وباب بنات: عاش عاش الاتحاد على دربك يا حشاد، عاش عاش الاتحاد أكبر قوّة في البلاد، ياحشاد يا حشاد النهضة باعت البلاد، يا زوالي يا مسكين كذبوا عليك باسم الدين، شعب تونس شعب حر لا أمريكا لا قطر، يا حكومة عار عار الأسعار شعلت نار، يسقط حزب الإخوان يسقط جلاّد الشعب....إلخ. لم تكتف عصابات الإرهاب الممنهج بما فعلته في البطحاء بل سارعت إلى القصبة بعد ارتكاب جريمتها الدمويّة في حق النقابيين لتحاصر ضريح الشهيد وتعتدي على حارسه وتفتك منه المفاتيح، ولكن راعها أن ترى الحشود المتدفقة من النقابيين فلاذت بالشتائم والكلمات النابية وإلقاء القوارير والحجارة على النقابيين تحت حماية قوات الأمن التي لم نفهم سرّ صمتها على هذه الميليشيات واكتفائها بطلب التهدئة من النقابيين. لا أحد بإمكانه إيقاف عجلة الاتحاد. أكّد الأخ الأمين العام حسين العبّاسي في تصريح ادلى به مساء الثلاثاء لوسائل الإعلام الوطنيّة والعربيّة والدوليّة على أن الإتحاد لن ينحني لأي طرف كان وأنّه لن يقبل تحديد المربع الذي يعمل فيه مؤكدا أن الاتحاد سيواصل كما كان دائما الذود عن البلاد. وبيّن ألا أحد بإمكانه إيقاف عجلة الاتحاد الذي لا يخاف الاعتداءات ولا السجون، وابرز أنّ الاتحاد سيواصل مهما كانت الظروف والأزمات الدفاع عن العدالة الاجتماعية مشيرا إلى أن الجميع يعلم أن الاتحاد لا يستحق ما حصل له اليوم من هجمة شرسة على مقره وعلى مناضليه لان الهجوم الذي قامت به هذه الميليشيات على مقر الاتحاد لم تقم به لا حكومة بورقيبة ولا حكومة بن على مؤكدا أن الاتحاد يعرف كيف يرد على مثل هذا الاعتداء، وختم تصريحه بالقول اليوم كشرت خفافيش الظلام عن أنيابها وأن النقابيين الشرفاء لا يخافون النهضة ولا ميليشياتها. الحكومة تخسر ثقة الاتحاد هكذا إذا شاءت غرائز الحقد والإرهاب أن تجعل من هذا اليوم الذي لطالما وحدّ كل التونسيين ومثّل فرصة للاجماع الوطني إكراما لقداسة الدماء التي سالت من الشهيد فرحات حشّاد قربانا لاستقلال هذا الوطن. لتخسر الحكومة بفعلتها هذه وصمتها المخزي على خفافيش الظلام ثقة المنظمة الشغيلة التي كانت وستظلّ الضمانة الوحيدة لتجنيب البلاد التجاذبات السياسيّة والحزبيّة التي باتت عنوان تأزم سياسي حاد نسأل اللّه أن يقي بلادنا شرّ الدخول في حالة من الفوضى لن يستفيد منها أحد وستكون وبالا على الجميع وخاصة الحكومة التي فقدت الكثير من شرعيتها بعد أن خسرت مشروعيّة الحديث باسم الثورة.