أتذكر..؟ ذاك المساء؟ حين جئتني بغيمة عطر وموجة دفء وحنين يتجلّى شوقا في الأحداق الحالمات؟ أتذكر، ذاك المساء..؟ حين همست في عنقي بجمر من شفاه فغامت الدّنيا حولي وتهاويت على صدرك أبحث عن الثبات وعن بعض من أمان..؟ أتذكر، ذاك المساء..؟ ذات بوح بعد صمت دامٍ وأنين.. لم أستطع أن أنظر إليك ولا أن أمنع ارتعاشة تهزّ جسدي وتلغي من ذهني الكلام.. ذاك المساء، لم أنتبه إلى أنّك لم تفهم اضطرابي، ولم تفهم معنى أن تذوب فيك الجوارح.. وانقضى ذاك المساء... فارقتك والحروف أضيق من الكلام، والتراكيب أعجز عن القول، فارقتك وأنا بعض منك.. وكان عليّ أن أنتظر زمنا حتّى أجد طريقا إلى نفسي في تلك الفوضى.. الغامرة وأن أستردّ حواسّي الغافية.. كان عليّ أن أقاوم استرخاء مغريا يدفع بي بعيدا.. وسلّمت أمري.. لم أشأ أو ربّما لم أستطع أن أستعيدني منك.. وبرضى أدركت حجم تورّطي فيك.. فقد كان بوحك كافيا لأزيد فيك تورّطا.. ذاك المساء، بدأ التقويم، ما كان بيننا قبل ذاك المساء تراكم تنقصه كلمة السرّ ويحدّ اندفاعه الكبرياء.. ثمّ أعلنت خلقنا.. أو هو خلقي فقد تيقّنت بعدها أنّك لن تُبعثَ. أنت لن تذكر، فقد كان مساء يشبه كثيرا غيره.. وكان بوحا يكرّر نفسه وفي الحقيقة لم تقصده.. وقد تكون بمجرّد رحيلي قد نسيته.. وبدأتَ رحلة بوح أخرى.. أنت لن تفهم ما حدث فيّ، ولا كيف خبّأت طيفك في أحداقي..أو كيف زرعت دفئك في شراييني.. أنت لن تفهم معنى أن أنتظرك تأتي فلا تفعل.. ولا معنى أن أصرف اليوم أرصّف لك الكلمات فلا تسمع.. ولا أن أتلبّد غيما من حنين ولا أصحو.. أنت لن تفهم معنى أن يخزك اليأس في قمّة أملك.. ولن تفهم معنى أن تخنق مشاعرك بيديك.. لن تفهم، مهما حاولت، معنى أن تنزع شرايينك الدافئات ولا أن تطمس أحداقا فلا تراك.. ولن تدرك كم وقتا أضعتُ وأنا أطهّر آثارك وأعقّم الجراح وأزرع الجليد في تجاويف القلب.. لن تقدّر الجهد الذي بذلت وأنا أمحو رسمك من ذاكرتي وألغي منّي وهم ذاك المساء.. لن تفهم أنّ ذاك المساء كان بدء نهايتنا.. فكيف تعود اليوم لتردّد بوحا قديما.. أفلا تذكر أنّك ردّدت الكلمات ذاتها ذاك المساء؟ فاعذر سيّدي رفضي وقلّة ذوقي.. فإنّي قد نحرت أشواقي إليك وما نُحر لا يعود إلى الحياة.