محطتان يُشدّ إليهما الرحال ب فسقية الأغالبة وجامع عقبة تماما مثل قصر الجم بمدينة الجم ومتحف باردو ومدينة العلوم بتونس الكبرى ورباط المنستير ومدينة أوتيك وسبيطلة وقصر غيلان ومدينة توزر وشط الجريد وطبيعة عين دراهم وطبرقة وغيرها من المعالم الطبيعية والأثريّة التي تزخر بها بلادنا وكانت مازالت عديد الجمعيات والأسرة التربوية بعديد المدارس تسعى إلى التنظيم رحلات استطلاعية لفائدة التلاميذ خلال العطل الرسميّة وهو ما قامت به الشركة التونسية للكهرباء والغاز لفائدة أبناء أعوانها ومن جملة البرمجة بمناسبة عطلة الربيع لسنة 2013 تنقلت مجموعة من التلاميذ والتلميذات بولايات جهة الجنوب ڤابس ومدنين وتطاوين في جولة أُطلق عليها عنوان اكتشاف الشمال التونسي وكان من جملة المدن المبرمج زيارتها مدينة وكما هو متعارف عليه أنّ قبلة هو جامعة عقبة وفسقية الأغالبة ومنذ وصولهم لمشارف المدينة بدأ الجميع يستعد لزيارة هذين المعْلمين الذين لا يعرفانهما سوى من خلال الكتب المدرسيّة ودروس التاريخ وعند وصول الحافلة أمام هذا المعلم الديني العالمي الذي سبقته شهرته إليهم فها هم يحلّون بساحته الخارجية لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن لما تسارع التلاميذ نحو الباب صدموا بشخص طويل عريض المنكبيْن (على قول عادل إمام) كثيف اللحية اعترض على دخول التلميذات اللائي بادرنه بالسؤال عن السبب قبل المرافقين فكان جوابه بكل بساطة لأنكن سافرات فتقدّمت منه وبكل عفوية من كنّ متحجّبات وقلنا نحن لسنا سافرات دعنا ندخل فكانت الصدمة أكبر حيث أجابهنّ انكن لابسات سراويل وللدخول إلى الجامع لابدّ من لباس شرعي عندها تقدّم بعض المرافقين لتوضيح الأمر وإعلامه بأنّ هؤلاء أطفال مدارس وجاؤوا من أقصى الجنوب خصيصا لأجل وزيارة مدينة ومعالمها الأثرية والدينية وما يلبسنه لا يتنافى مع الدّين وهنّ تلميذات فردّ: ماذا تعرفون عن الدين أنتم ثمّ أشاح بوجهه عنهم عندها رفض التلاميذ من الذكور الدخول تضامنا مع صديقاتهنّ ليُحرم الجميع من هذه الفرصة الفريدة بالنسبة إليهم جميعا لأنّها يمكن أن لا تتوفّر مرّة ثانية في أي خانة يمكننا أن نُصنّف مثل هذا السلوك؟ على من سوف نوظفه هل على حساب السلفية باعتبار أنّ من منعهم من الدخول كان منتج؟ لكن وكما لاحظت إحداهنّ لماذا لم يرتدي هو اللباس الشرعي؟ (هو أيضا كان يرتدي سروالاً وقميصا) أليس هذا اعتداء على الطفولة؟ أليس هذا نوع آخر من اغتصاب حقوق الطفل في المعرفة واكتشاف معالم بلاده؟ من المسؤول عن هذه السلوكيات الخرقاء؟ ومن المؤلم أنّي وجدت نفسي عاجزًا عن إيجاد أي مبرّر يُقنع ولديّ اللّذيْن كانا من المشاركين في الرحلة (ألسنا من مردّدي تونس تتسّع للجميع) وأنا أقول للذي اغتصب حق كلّ هؤلاء الأطفال الذين على تفاوت أعمارهم يبقوا تلاميذ أبرياء يهزّهم الشوق لاكتشاف مثل هذه المعالم التاريخية إنّ ڤابس تحتضن مقام الصحابي الجليل أبي لبابة الأنصاري ويسمح للقائمين عليه للجميع بالدخول لتلاوة فاتحة الكتاب على روحه وتبركا بصحبته للرسول الأعظم حيث تجد كلّ إمرأة عند المدخل الخاص بالمقام سلّة بها مجموعة من الأغطية وضعها أهل البر والاحسان مجانا لمن يحتاجها وكذا في عديد جوامع العالم الاسلامي خاصة تلك التي تعود للعهود القديمة. إنّ مثل هذه السلوكيات ليست من الإسلام في شيء بل هو براء منها لأنّه بني في أساسه على الحكمة والموعظة الحسنة لكن ما أتاه صاحبنا ينمّ عن تحجّر فكري وتصلّب مفتعل في الدين ما أنزل اللّه به من سلطان«... لو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك..» وفعلا كان هذا (الإسلاموي الشاذ الذي لا يُقاس عليه) فظّا مسيئا للإسلام وقيمه وتسامحه بكل المعايير الرجاء الانتباه إلى مثل هذه السلوكيات التي ان هي أهملت سوف تُسهم بطريقة غير مباشرة في بثّ البغضاء والفتنة بين التونسيين أسوق هذه الحادثة الأليمة لمن يهمّّ الأمر للتدخل تجنّبا لأي ردود أفعال عنيفة لو أنّ مثل هذا المشهد مورس على ربّ أسرة جاء من أقصى الجنوب أو أقصى الشمال لزيارة مثل هذه المواقع الدينية كيف ستكون النتيجة؟ من المؤسف أنّه في زمن الثّورة تُوصد الأبواب في وجه التونسيين تحت وطأة فكر متشدّد لا يراعي حُرمة لأحد.