لم يكن ما نطق به الصحبي عتيق القيادي بحركة النهضة وحده مثيرا للجدل الواسع بين التونسيين، اذ أن التهديدات والاجراءات تتالت ضد كل مختلف مع الشرعية وأنصارها الى حد وصل برئاسة الجمهورية الى تسجيل شكاية بكل من تخول له نفسه التحريض ضد الشرعية، و من ثمة وبناء على ذلك قررت النيابة العمومية فتح تحقيق قضائي ضد كل من يدعو إلى إسقاط النظام أو التمرد على الدولة. هي تصريحات وتحركات تهديدية عنيفة في أغلبها، تعادي كل من اختلف، تعارض أو تناقض مع المشروع الذي تدافع عنه الترويكا وأنصارها من جمعيات ووسائل اعلام، اعتبرها متابعون خوفا مغلفا بنطق تهديدي عنيف ، خاصة بعد ما آلت اليه الأمور بالشقيقة والشقيقة بالانتفاضة مصر وجماهيرها من قلب للطاولة على حكم الاخوان ..بعد أن يئست الجماهير المليونية من هذا الحكم الذي تدهورت في عهده جميع المجالات الحياتية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بأرض النيل. واعتبره اخرون استباقا من النهضة وشركائها الى ما يمكن أن يحدث في الأيام القادمة بتونس، خاصة أن مبادرات التمرد والانتفاضة كثيرة بالبلاد بعناوين مختلفة وبأفكار وخلق متنوع ولكن غايتها جميعا سحب البساط من المجلس الوطني التأسيسي السلطة الأصل المتفرعة عنه جميع السلط الأخرى بالبلاد. وذهب متابعون الى أنه نتيجة تحرك شق واسع من المعارضة واعلانه بوضوح نيته العمل على اغلاق أبواب المجلس التأسيسي الذي حاد عن مهامه التي انتخب من أجلها وأفرز سلطة تنفيذية فاشلة بقيادة حركة النهضة. التهديدات والإجراءات وعودة الى التهديدات والتصريحات العنيفة المتشنجة، يمكن التذكير بما ذهب اليه الصحبي عتيق في مظاهرة مساندة الشرعية بمصر حيث استباح دم كل من يهدد الشرعية في تونس وهذا ثابت رغم تراجع الرجل في ما نسب اليه. ومن جانبهما أكد كل من راشد الغنوشي زعيم رئيس حركة النهضة وأيضا منصف المرزوقي رئيس الجمهورية رفضهما التام لاعادة السيناريو المصري بتونس، معتبرين أن أي محاولة لزعزعة السلطة القائمة هي محاولة «انقلابية» لن يسكت عنها التونسيون حسب رأي كليهما. وذهب الائتلاف الحاكم اثر اجتماع جمع الأحزاب الثلاثة الى «تثمين الترويكا مواقف كل الاطراف السياسية الوطنية المتمسكة بالمسار الديمقراطي القائم والمجلس الوطني التأسيسي في تونس ودعوتها المجموعة الوطنية إلى استخلاص الدروس من الاحداث الجارية في مصر والابتعاد عن كل ما من شانه تعطيل التوافق الوطني ودفع البلاد في مسار مجهول العواقب» في بيان صادر اثر الاجتماع». ليكون بيان صادر عن حركة النهضة نشر بالصفحة الرسمية للحركة بالفايسبوك الأكثر وضوحا وتهديدا لمبادرات التمرد حيث جاء فيه «ما يجب أن يعلمه كل مغامر يهذي بالتمرد على الشرعية ويستهين بإرادة الشعب ويدفع نحو المجهول والخراب, أن النهضة وأنصاره وأنصار الشرعية وسائر الأحرار قد صبروا طويلا على الأذى والاستهداف المتكرر وأقاموا الحجة على خصومهم, ولن يسمحوا بإنهيار المسار السياسي القائم كلفهم ذلك ما كلفهم». وليواصل التصعيد عادل العلمي رئيس جمعية «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي غيرت اسمها، مهاجما حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية التي تدعو صراحة الى اسقاط حكومة النهضة، وحاثا الى عزله عن الحياة السياسية ومحرضا عليه ناعتا اياه بأبشع النعوت. لتكون الخطوة الأخيرة التي بادرت بها الرئاسة أكثر وضوحا، في مواجهة كل من تخول له نفسه نقد النظام أو الحث على التمرد عليه بأن أعلنت أنها ستسجل شكاية ضد كل من يدعو الى التمرد على حكم الترويكا «الشرعي». عن «الشرعية» هذه التصريحات والاجراءات المتواترة هي نتيجة للدعوات الكثيرة والمختلفة للتمرد على المجلس التأسيسي والسلط المنبثقة عنه، و هي دعوات تتخذ من «الشرعية» والدفاع عنها مبررا رئيسا، حيث تعتبر مكونات الترويكا وأنصارها «الشرعية» استحقاقا لا يمكن أن يكون التمرد عليها سوى عملا باطلا وانقلابيا لا غير. وفي المقابل فان أنصار التمرد على المجلس التأسيسي يعتبرون أن هذا المجلس حاد عن المهام التي أوكلت له، ويعتبرون السلط المنبثقة عنه فشلت في تحقيق أهداف الثورة بل تذهب بالبلاد الى منزلق خطير من التدهور الأمني والاحتقان الاجتماعي اضافة الى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين. ومن جانب اخر، فان هناك رأيا قانونيا يؤكد أن شرعية المجلس الوطني التأسيسي انتهت بعد مضي عام من عمله أي يوم 23 أكتوبر 2012 وذلك حسب ما نص عليه المرسوم الانتخابي الذي تم بموجبه انتخاب المجلس، ليرد على ذلك أنصار تواصل عمل الشرعية «المؤقتة» -الى أجل لم يحدد الى اليوم- الى أن المجلس الوطني التأسيسي سيد نفسه ولا يمكن حله بحال من الأحوال مادام لم ينهي مهامه. وغير ذلك، فان أحد المختلفين السياسيين لم يشكك في شرعية ما أفرزته صناديق الاقتراع في 23 أكتوبر 2011، ولم يشكك أحد من التونسيين في حق المنتخبين (الفتحة على التاء) في حكم البلاد في هذه المرحلة «المؤقتة» بل كانت «الشرعية» محل اجماع بين التونسيين واتخذ الذين لم يربحوا الانتخابات موقع المعارضة وهذا شرعي أيضا . ليصبح مفهوم «الشرعية» الذي كان محل اجماع بين التونسيين محل جدل واسع وتأييد وتشكيك من فئات كثيرة من التونسيين ذاقت ذرعا من تواصل «تمدد عمل المجلس التأسيسي دون أن ينهي المهام التي أوكلت اليه» حسب رأي المشككين في هذه الشرعية. هل تحمل الأيام القادمة الجديد؟ والى اليوم، وبعد مرور أكثر من عام ونصف على بداية اشتغال الشرعية، لم ينه الى اليوم المجلس الوطني التأسيسي صياغة الدستور ولم تتمكن الحكومة التي أفرزتها الشرعية الخروج بالبلاد من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، وأصبح طرح الأسئلة التالية معمما وملحا بين نطاق واسع من التونسيين: الى متى يتواصل الوضع المؤقت للبلاد؟ ومتى تنتهي الشرعية؟ وما الجدوى من هذه الشرعية اذا ما لم تتم الى اليوم مهامها؟ ولعل استقالة النائب أحمد الخصخوصي من المجلس الوطني التأسيسي تؤكد أن الأيام القليلة القادمة قد تشهد حركة كثيفة وسخونة ، خاصة أن مسألة الاستقالة من المجلس الوطني التأسيسي بدأت تخامر جميع نواب وكتل المعارضة بالمجلس وهو ما من شأنه أن يكون تهديدا ومشككا في شرعية المجلس وخطوة شبيهة للسيناريو المصري، اذ كان لاستقالة النواب المعارضين من مجلس الشعب المصري خطوة مؤثرة في سير الأمور بالبلاد. من جانب آخر، فان الاقبال الكثيف من التونسيين وخاصة الفئة الشبابية على مبادرات التمرد وأيضا على امضاء العرائض المناوئة للمجلس التأسيسي والرافضة لخطوة الرئاسة في مقاضاة كل داع الى اسقاط النظام، وردود الفعل حولها قد يكون فتيلا لتطور الأمور بالبلاد في الأيام القادمة. في المقابل فإن المشهد المعارض والقوى الحية بالبلاد مزالت لم تؤكد موقفا واضحا مساندا للتمرد من عدمه، ومازالت جميع القوى المختلفة مؤكدة على تغليب لغة الحوار والبحث في سبل التوافق على النقاط الخلافية بيها تغليبا لمصلحة البلاد ونهج الديمقراطية المنشود. وقد تحمل الأيام القليلة القادمة تطورات بالبلاد خاصة أن جميع المؤشرات تؤكد انقسام الشارع والمشهد السياسي إلى كتلتين احداها مبررة لما آلت إليه الأوضاع والأخرى ناقدة وغير راضية عن واقع عمل المجلس التأسيسي وأيضا عن اداء الحكومة ..وَلْنَرَ ما تحمله هذه الأيام القادمة؟