أصدرت وزارة الشؤون الدينية بداية هذا الأسبوع بيانا خطيرا، عبرت فيه عن أسفها وتنديدها ب«شعار» وهمي رفع في اعتصام الرحيل، وهو بيان يصور المعتصمين المطالبين بالاطاحة بالمجلس التأسيسي والغاضبين على الحكومة ضد الاسلام. هذا البيان المبني على خلفية «فيديو» نشر عبر شبكة الاتصال الاجتماعي الفايسبوك، ثبت أنه مركب أراد أصحابه تشويه المعتصمين في الساحة المقابلة لمقر المجلس الوطني التأسيسي بباردو ويأتي في سياق الحرب النفسية والدعاية والبروباغندة ومحاولة تشويه الخصوم. وأن تصدر وزارة الشؤون الدينية بيانا بهذه الخطورة وفي هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها البلاد، إنه تأكيد على انخراط هذه الوزارة في الصراع السياسي الدائر وعملها على الانتصار لمجموعة على حساب أخرى، في حين أنها وزارة لكل التونسيين، ووزارة جمهورية لا وزارة حزبية أو جهاز حزبي. وقد جاء في نص البيان الصادر عن الوزارة أنه إثر «رفع مجموعة من المعتصمين أمام المجلس الوطني التأسيسي لشعار «تونس حرّة حرّة والإسلام على برّه» فإنّ وزارة الشؤون الدينية تعبّرعن استنكارها الشديد لرفع هذه الشعارات وأمثالها المعادية لهويّة البلاد في هذا الشهر العظيم». وحذّرت الوزارة في نفس البيان من مغبّة الانزلاق بالصّراع والتجاذب السياسي إلى ما يمسّ من ثوابتنا الوطنيّة، كما أشارت الى تحذيرها «من خطر الفتنة والفوضى وتهديد الأمن والاستقرار وتوفير مناخات للتّقاتل واستباحة الدّماء والأموال». تسرّع أم تعمد؟ الفيديو الذي نشر في الصفحات المناصرة لحركة النهضة بالفايسبوك تحديدا، والذي ثبت كما سبق وأشرنا إلى أنه مركب، وأن الشعار الذي رفع يهتف أثناءه المعتصمون «تونس تونس حرة حرة والأزلام على برة» عنون عمدا بأن المعتصمين هتفوا «تونس تونس حرة حرة والاسلام على برة» وفي ذلك تحريف لما ورد به. كما ندد المتظاهرون بهذا الفيديو من معتصمين، بالتحوير والتشويه ومحاولة تضليل الرأي العام من خلال نشره، وقاموا بنشر مقاطع من فيديوهات تؤكد أن الشعار المرفوع يقول «الأزلام على برة». ويطرح التساؤل هنا حول غرابة اعتماد وزارة خصصت لها الدولة ميزانية قدرت ب77 مليارا لهذه السنة، وزارة تعنى بأهم مقوم يجمع بين التونسيين وهو الاسلام وقيمه الحنيفة، في نشر بياناتها ومواقفها الوطنية فيديو مركب ومشوه، وتفترض على خلفيته أن الشعار المرفوع قد يجر التونسيين للاقتتال والتباغض وقد يؤدي الى كارثة وطنية، حسب ما جاء بالبيان «الكارثة». ويجر مثل هذا البيان الخطير أطرافا عديدة لاستنتاج غياب الاحتراف على كوادر هذه الوزارة وعدم مسؤوليتهم أمام البلاد والمهام المنوطة على عاتقهم، كما قد تؤدي الى تدعيم صحة بعض الفرضيات التي تؤكد على تسرع الوزارة في اصدار مثل هذا البيان أو تعمد عدد من كوادرها الزجّ بمؤسسة عمومية جمهورية في التجاذب السياسي الحاصل عمدا. تحريض للأيمّة؟ نفس البيان الذي توجه الى الرأي العام والمبني على مغالطة وتشويه، توجه أيضا للأيمة ودعى خلاله «سائر الأئمّة والخطباء والمدرسين في المساجد إلى التركيز على قيم التسامح والتّآلف والوحدة الوطنيّة ونبذ الفرقة والتنازع والدعوة إلى التّعقّل وتغليب المصلحة العليا للبلاد والتحذير من الفتنة والاقتتال».. وسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن أن ندعو الأيمة إلى التعقل وتغليب المصلحة الوطنية والتحذير من الفتنة في بيان مبني على معلومة خاطئة ووهمية وخطيرة تؤجج الفتنة المذهبية، وحتى ان افترضنا حسن النية، فإن مثل هذه البيانات قد يؤدي الى نتائج عكسية وقد يؤجج غضب الأيمة ورجال الدين لا تهدئتهم في ظرف خطير تعيشه البلاد. وفي حين يدعو هذا البيان بالتحديد الأيمة الى التعقل، فإن الوزارة لم تحرك ساكنا أمام خطب الأيمة التي تخللها تلاوة لبيانات سياسية تخص ما يقع بمصر، وأيضا اصدار مواقف سياسية واراء تخص أصحابها ازاء ما يحدث في تونس من تجاذب خطير يعيشه الشعب المسلم عموما. ومن ناحية أخرى، فإن الوزارة وبسكوتها على احتلال عناصر متشددة لأكثر من 200 مسجد، وهيمنة خطاب عنفي راديكالي بهذه المساجد، فيه موافقة ضمنية على مثل هذا الخطاب، كما حصل وسكتت الوزارة عمّا صدر عن إمام سيدي اللخمي بصفاقس الذي هدد بإحراق الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس. ليست المرة الأولى لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها استفزاز التونسيين في ظرف صعب تعيشه البلاد وسببه الرئيسي هو فشل الحكومة التي ينتمي إليها الخادمي وزير الشؤون الدينية، فإثر استشهاد شكري بلعيد وجنازته التاريخية التي خرج فيها التونسيون عفويا، غضبا وفزعا من العنف، والتي فاق الحاضرون فيها مليونا ونصف من المواطنين أصدرت هذه الوزارة بيانا نددت بما عبرت عنه بالحضور النسوي بهذه الجنازة وتطرقت الى المساس بالمقابر ولا غير ذلك. من جانب آخر، لم ينس التونسيون تلك المحادثة التاريخية التي جرت بين نور الدين الخادمي وأبو عياض زعيم السلفية الجهادية في تونس وأنصار الشريعة أمام جامع الفتح بالعاصمة، والذي تخلله عناق مطول بين الرجلين .. والذي استفز التونيسسن وذلك لمواقف «أبو عياض» العنيفة تجاه التونسيين وتجاه المؤسسات التونسية بما في ذلك من أمن وجيش وأيضا رئيسا للجمهورية. كما لم ينس أيضا كثير من امواطنين الدور السلبي الذي لعبته هذه الوزارة على خلفية أحداث العبدلية الشهيرة والتي تسببت في احتقان شديد وحرق ونهب واختلال للأمن العام، والتي اتخذت أثناءها الوزارة مواقف مبنية على فرضيات ومعطيات غير مدققة ثبت عدم صحتها لاحقا. وقد اعتبرت الوزارة آنذاك اللوحات التي عرضت بالعبدلية مستفزة ومستهدفة للاسلام في حين ثبت أن أغلبها (أي اللوحات) نشرت فقط عبر شبكة التواصل الاجتماعي ولم تكن معروضة البتة بالعبدلية. وقد حادت الوزارة على خلفية كثير من الأحداث عن مهامها وعن دورها في تعقيل وترشيد الأيمة ورجال الدين وفي نشر قيم الحوار والتسامح والعناية بالمساجد، تلعب أدوارا أخرى وتصبح جزء من الصراع الدائر في البلاد بين الخصوم السياسيين. واضافة الى هذا الدور المشبوه الذي تلعبه الوزارة في جميع الأحداث التي مست البلاد، فإن أنشطة هذه الوزارة يطرح تساؤلات كبرى؟ فالوزارة تنظم بين الفينة والأخرى تظاهرات وندوات ذات بعد أيديولوجي واضح حيث نظمت الوزارة أخيرا ندوة بعنوان «تفعيل مقاصد الشريعة في المجال السياسي». وقد حضر هذه الندوة وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي إلى جانب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وعبد المجيد النجار رئيس فرع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتونس وعثمان بطيخ مفتي الجمهورية السابق.