توقف الرأي العام لأيام تناقلا لأخبار استغلال حافلات وقطارات الشركات الوطنية العمومية لنقل أنصار النهضة لساحة القصبة في «مليونية» الشرعية ليلة 26 رمضان الفارط، ليتواصل الجدل حول هذه الأحداث لأيام، ولينتقد جزء واسع من التونسيين توظيف الامكانات العمومية من أجل خدمة أجندة حزبية ضيقة، متذكرين ممارسات العهد البائد عندما كان يستغل التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل جميع امكانات الدولة لخدمة الحزب والنظام القائم انذاك. وفي حقيقة الأمر، فان ما أقدم عليه وزير النقل من تسخير لامكانات أسطول النقل والسكك الحديدية خدمة للأجندة الحزبية الممارسة الوحيدة أو الأخيرة في استغلال ، فان ممارسات كثيرة ومتنوعة تؤكد أن النهضة تسير على خطى الحزب الحاكم سابقا في محاولة مزج الحزب بالدولة واستغلال الامكانات العامة لمصالح حزبية. بل أخطر من هذا أن الموظفين السامين الذين يشغلون خططا كبيرة بالدولة أقدموا على ممارسات خطيرة تحقيقا لمارب خارج سياق الصالح العام وتتنافى ووظائفهم في خدمة المجموعة الوطنية، ولا ننسى في هذا السياق، القضية المتواصلة حول ما فعله رفيق عبد السلام وزير الخارجية السابق وصهر راشد الغنوشي بأن حول معونة نقدية بالعملة الصعبة منحتها الصين لتونس الى رصيده البنكي الخاص. وتعريف هو جميع المنظمات والمؤسسات والهياكل التي تعمل على أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة والذي يخضع لتنظيم واشراف الدولة، ويتعلق هذا التعريف بالإدارة أو الأجهزة الأخرى. استغلال النفوذ اشتكى كثير من المواطنين من سلوكات بعض الولاة الذين يستعملون السيارات الادارية ويهدونها الى أبنائهم وأصهارهم وزوجاتهم، كما انتشر خبر الكميات الهائلة من البنزين المستعمل من قبل وزارة المرأة في زمن ضيق، ونشرت قضية بالغرض لدى المحاكم التونسية تحت عنوان استغلال النفوذ والامكانات العامة لمصالح شخصية. من جانب اخر افتضح أمر تجاوزات أخرى وثقت ويتم التحقيق فيها حول تورط مسؤولين كبار في قضايا استغلال النفوذ وسوء التصرف في المال العام على غرار قضية رفيق عبد السلام التي ذكرنا تفاصيلها انفا. وهي قضايا لا تقل خطورة عن استعمال أسطول الحافلات والقطارات لخدمة أجندة حزبية ضيقة، وتدخل كلها في سياق استغلال لخدمة أجندات شخصية أو حزبية. أجهزة الدولة و مازال الرأي العام الى اليوم يتداول الأخبار التي تؤكد وجود أجهزة أمنية موازية لوزارة الداخلية، وأخرى تأخذ أوامرها من خارج مبنى الوزارة وهو ما أثار الجدل مطولا بين التونسيين. وقد قررت نقابة الأمن الجمهوري التونسية مقاضاة حمادي الجبالي، الأمين العام لحركة النهضة بتهمة استغلال ملفات فساد لعدد من المسؤولين الأمنيين لصالح حركته. وقال محمد الرويسي، الأمين العام لنقابة الأمن الجمهوري التونسية في تصريحات إذاعية ، إن حمادي الجبالي قام بابتزاز عدد من القيادات الأمنية المتهمة بالفساد لخدمة مصالح بعض الأطراف في حركة النهضة الإسلامية. هذا ولم يوضح الرويسي نوعية الخدمات التي قدمتها القيادات الأمنية المتهمة بالفساد لحركة النهضة الإسلامية، ولكنه أشار في المقابل إلى أن حمادي الجبالي قام بترقية ومكافأة تلك القيادات على الخدمات التي قدمتها لحركة النهضة. ومن جانب اخر كانت نفس النقابة أكدت في ندوة صحافية أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة طالب بامداده بتقارير أمنية يومية من وزارة الداخلية رغم أنه لا يشغل أية خطة أمنية أو منصب حكومي. بلديات وبعد أيام قليلة من رواج قضية استعمال الحافلات وادراج سفرات خاصة لنقل أنصار النهضة بعد أن تظاهروا بساحة القصبة، أفاق التونسيون في ثاني أيام العيد على خبر محاولة قوات الأمن والأمن البلدي فض اعتصام الرحيل بباردو . وقد أكدت وزارة الداخلية أنه لم تصدر أوامر في أروقتها بذلك، ليكشف اللثام عن هذه الحادثة بعد أن أمضى عدد من مستشاري النيابة الخصوصية ببلدية باردو بيانا أكدوا خلاله أن عناصر تنتمي للحزب الحاكم بالبلدية وقفت وراء محاولة فض الاعتصام، وجاء بالبيان «نتبرأ من تصرف بعض المستشارين المتحزبين الذين حاولوا استغلال صفتهم البلدية لفض اعتصام الرحيل متعللين تارة بأنه يخل بالسلامة الصحية لمتساكني باردو وأمنهم وراحتهم وأخرى بأنه يضر ببعض التجار وقد حاول بعضهم فيما حاول مساءلة المعتصمين عن الترخيص لاستعمال مكبرات الصوت وحاول آخرون حث المتساكنين والتجار على توقيع عريضة تندد بالاعتصام وتطالب بفَضّه. ونعلن للملإ أن هؤلاء المستشارين المتحزبين قد اتخذوا هذه القرارات بصفة فردية وبدون الرجوع إلى المجلس البلدي مكتفين برغبتهم في خدمة مصالح حزبهم ومرضاة للمسؤولين عن هذا الحزب وكسبا لودهم «وأدان نفس البيان ما أسماه «استغلال هؤلاء للعمل البلدي وتكريسه لخدمة أغراض شخصية أو حزبية ضيقة». ولا يعد أمر محاولة استغلال العمل البلدي لخدمة أجندات حزبية أمرا جديدا، حيث أن كثيرا من المتساكنين والناشطين بعدد من البلديات انتفضوا في أكثر من مرة بعد محاولات تعيين نيابات خصوصية معروف انتماءات أعضائها. تعيينات بالولاءات من جانب اخر، تتواصل عملية التعيينات بالولاءات في وظائف سامية وحساسة في أجهزة الدولة والادارة، وقد بلغ عدد التعييانت أكثر من 2000 بعد عام ونصف على بداية اشتغال حكومة الترويكا، ويؤكد المتابعون أن أغلبها يخضع إلى مبدأ الولاء لا الكفاءة، وأن هذه التعيينات تتم من أجل محاولة اخضاع أجهزة الادارة والدولة لأجندة بعينها. ويعد مطلب اعادة النظر في التعيينات، اهم المطالب التي تطرحها المعارضة التونسية والمنظمات الوطنية في ظل تواصل الأزمة السياسية العامة التي تمر بها البلاد، ويؤكد هؤلاء أن الادارة التونسية أفرغت من كفاءاتها وأن حركة النهضة تعمل على زرع أنصارها في مختلف مفاصل الدولة متبعة نفس تمشي حزب التجمع المنحل. البرامج الاجتماعية من جانب اخر، فان البرامج التي تعدها وزارة الشؤون الاجتماعية للنظر في ملفات الفقر والحالات الخاصة، يتم العمل على تجسيدها عن طريق تشريك ممثلي الدولة المحليين وأيضا المجتمع المدني، غير أن موظفين بوزارة الشؤون الاجتماعية أكدوا أن من يمثلون المجتمع المدني هم بالأساس أعضاء بجمعيات مرتبطة بحزب سياسي حاكم بالأساس. وهذه البرامج متعلقة أساسا بصرف جرايات العائلات المعوزة، والمنح المقدمة للعائلات الفقيرة في المناسبات و السكن الاجتماعي وتحسين المساكن وازالة الأكواخ وغيرها من البرامج. وتقوم هذه الجمعيات بزيارات ميدانية مع ممثلي وزارة الشؤون الاجتماعية وممثلي الدولة المحليين، وبما أنهم ينتمون في أغلبهم أو مرتبطون للحزب الحاكم فان العمل الاجتماعي الذي هو حصيلة مجهود المجموعة الوطنية يصبح وكأنه «عطاءات» من حزب بعينه، أو مجهود من حزب سياسي في حقيقة الأمر لا علاقة له أصلا بضرائب المواطنين والأموال التي تصرف من أجل تحسين أوضاع الفئات الفقيرة والخاصة. الدولة والحزب وتذكر مثل هذه الممارسات بما كان حاصلا بزمن النظام السابق عندما كانت أجهزة الدولة والحزب لا ينفصلان وكان الموظفون السامون أبناء الحزب يعملون على تزوير الانتخابات وتوظيف المال العام في العملية السياسية بطرق غير مشروعة ويعملون على إضعاف الأحزاب المنافسة والاستئثار بالسلطة وأيضا توظيف الأجهزة الأمنية من أجل مطاردة الخصوم السياسيين ومن أجل حماية الفاسدين وسط الحزب الذي يمولونه ويترشحون باسمه. كما كانوا يعملون على التقرب من الحكومة وتوظيف أجهزة الدولة ومقراتها وممتلكاتها في نشاط الحزب ويصرفون المال العام لخدمة أجنداته وهو ما ساهم في انتشار الفساد والمحسوبية والعقلية الزبونية وساهم في تفقير الاف العائلات وابعاد كفاءات من مركز القرار وهو ما أدى في الأخير لانتفاضة الشعب التونسي ضده.