انتظمت بقاعة أحمد التليلي بدار الاتحاد مائدة مستديرة حضرها عدد مهم من الأخوات والاخوة النقابيين. اللقاء نظّمه قسم المرأة والشباب العامل والجمعيات مع اللجنة الوطنية للمرأة العاملة والمناسبة كانت الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. الأخت منجية الزبيدي منسقة اللجنة تولّت تنسيق فقرات هذه الندوة وأدارت النقاش لاحقا وقد رحّبت بكل الضيوف وخاصة الرجال الذين جاؤوا بكثافة للاحتفال مع النساء بعيدهن. وقد قدمت الأخت الزبيدي بسطة موجزة عن تاريخ هذا العيد وعن رمزيته النضالية.. ثمّ فسحت المجال للأخ الأمين العام المساعد المسؤول عن المرأة والشباب العامل والجمعيات. الأخ المنصف اليعقوبي الذي أكّد أنّ هذه الذكرى إنّما هي مناسبة لاستذكار الامكانيات العظيمة للمرأة العاملة وقدرتها على تحمّل مسؤوليتها النضالية إلى جانب الرجل.. وقد أكّد الأخ اليعقوبي أنّ العالم اليوم يعيش حالة من التراجع التام وأنّ الوضع في بلادنا لا يشجع المرأة على الوجود داخل الهياكل النقابية برغم أنّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعمّال تتردّى يوما بعد يوم.. لذلك فنحن اليوم في أحوج ما يكون إلى الايمان الصادق والقوي بالفعل النقابي من أجل تجاوز هذه المرحلة الصعبة التي تستهدف أخطاؤها الجميع وخاصّة النساء اللواتي ازدادت بعض الأصوات المنادية ببقائهن في المنزل قوّة لذلك علينا أن نتعظ من هذه الذكرى لتقدير الزاد النضالي الكامن لدى النساء خصوصا أنّ ظروف العمل اليوم أسوأ من ظروف اندلاع احتجاجات العاملات في نيويورك سنة 1857... ثمّ أشار الأخ المنصف اليعقوبي إلى أنّ احتفالاتنا بهذه الذكرى في السنة القادمة ستتمّ وقد تمّ تجديد المكتب الوطني للمرأة العاملة خصوصا أنّ القسم قد اختار النهج الديمقراطي لتوجد من خلاله المرأة داخل اللجنة وهي طريقة صعبة ولكن القسم يتشبث بها لأنّ الديمقراطية لديه خيار «وليست شعارا». كما أشار الأخ اليعقوبي إلى أنّ احتفالات القسم بهذا العيد ستشمل 12 جهة من شمال البلاد إلى جنوبها إذ ستكون هناك تجمعات في كل مكان أوّلها تجمع ضخم بجهة سوسة. وقبل أن يختم كلامه وجّه الأخ اليعقوبي تحيّة للمرأة العاملة في كل مكان وتحيّة أخرى لعضوات اللجنة الوطنية الحاضرات منهن والغائبات.. ثمّ فسع المجال للأخ عبيد البريكي لالقاء محاضرة. ماهو العمل اللائق؟ الأخ عبيد البريكي الأمين العام المساعد المسؤول عن التكوين النقابي انطلق من اعتبار أنّ معالجة قضية المرأة لا تحل ضمن الأطر النقابية فقط لأنّها قضية مجتمع برمّته.. فالمسألة أكبر من صراع بين جنسين قد يتمّ تجاوزه في أي لحظة متى تحرّر الفرد من نير الاستغلال والطغيان. ثمّ بيّن الأخ البريكي نشأة شعار العمل اللائق ضمن منظمة العمل الدولية وبيّن الظروف الحالية التي حتّمت استرجاعه لأنّنا نحتاج إلى نفس الجهد لمواجهة الهجمات الشرسة التي تطال كل مكتسباتنا، فالعولمة قد نظّرت طويلا لسياقات من الرخاء الوفير ستعمّ كل المعمورة وسوّقت لشعار «أنّ العولمة جنّة المحرومين» ولكن الواقع أثبت أنّ العالم لم يعرف من الحريات التي بشرت بها العولمة سوى حرية تنقل السلع وحرية احتدام المنافسة ومشرعة الاستغلال فالانسان في ظلّ العولمة تمّت مكنَنَتُه وقد بلغت العولمة هذا المستوى من الشراسة من خلال سعيها المتواصل إلى ضرب التنظيمات والهياكل كافة التي تتصدّى لها... فالعولمة تُعادي كل أشكال العمل اللائق ولا تُساير المعايير الدولية في هذا الاطار بل لا تحترمها. وأكّد المحاضر أنّه من الصعب ضبط مفهوم دقيق للعمل اللائق ولكن هناك بعض أهدافه التي أمكن ضبطها باعتباره عملا منتجا مثمرا يدرّ دخلا ويحقّق التنمية الشخصية ويتوفّر على السلامة في العمل ويوفّر الحماية الاجتماعية للعامل وعائلته، فالعمل اللائق هو الذي يتمّ في اطار علاقات شغلية واضحة وهو الذي يتمّ في ظلّ قطاعات منظمة تُحدُّ فيها أشكال العمل الموازي. كيف نقيس العمل اللائق؟ في هذا الصدد هناك جوانب نوعية وأخرى كمية أمّا عن الجوانب النوعية فهي الرفاه الاجتماعي والاقتصادي أمّا عن الكمية فقد تمّ احصاء 30 مؤشرا لقياس مدى تطور العمل اللائق في بلد تمّ اختزالها في عدد أقل من المؤشرات منها: ضعف الأجر في الساعة / نسبة العمّال الذين يتلقون أجورا ضعيفة. المدّة المشطة للعمل. نسبة البطالة خاصة بين النساء والشباب. نسبة الأطفال غير الممدرسين. بطالة الشباب بين سن (14 و25). الفارق بين نسبة نشاط المرأة ونشاط الرجل. نسبة المسنين الذين لا يتمتعون بجراية تمكنهم من العيش اللائق. أين نحن من العمل اللائق؟ كرّست العولمة التفقير: ( مليار من سكان العالم يعيشون بأقل من دولار في اليوم). ملياران فاصل 7 (48 من سكان العالم) يعيشون بأقل من دولارين في اليوم ثلثاهم من النساء. عدد العاطلين عن العمل في العالم سنة 2007 بلغ 200 مليون عاطل. أكثر من 840 مليون شخص يعانون من الجوع المزمن. العولمة اعتمدت التشغيل العرضي قاعدة والتشغيل القار استثناء. اعتمدت أجورا متدنية للنساء. انحسر تشغيل المرأة في القطاعات غير المنظمة. انتصاب الشركات المتعدّدة الجنسيات بشروط (تجميد الأجور التقليص من المكاسب الاجتماعية..). تقليص الحماية الاجتماعية والسير نحو رأسمالة الضمان الاجتماعي. تهميش دور النقابات والتدخل المباشر لقمعها. سنة 2003 أحصت جمعية العمل الدولية مقتل 129 نقابيا. في فرنسا تمّ ايقاف 4500 نقابي حوكم منهم 14. تقلص عدد المنتمين للنقابات في العالم. العمل الهش ازداد. التمييز في العمل انتشر. تقلّصت الحماية الاجتماعية. إنّ شعار المرحلة الحالية في العالم هو العمل اللائق ولكن بلادنا أعدّت وثيقة المخطط 11 دون الاشارة إلى هذا المفهوم ولو بكلمة. في بلادنا نشهد تضاربا واضحا بين النصوص النظرية والواقع العملي مثلا في مستوى المساواة بين الجنسين في الانتدابات الشغلية الجديدة. نلحظ نموّا لمؤسسات المتاجرة باليد العاملة (شركات / وكالات الوساطة في العمل). التشغيل دون تصنيف مهني. عدم المساواة في رخصة الولادة بين قطاع خاص وقطاع عام. عدم التصريح لدى الضمان الاجتماعي. أين المرأة؟ أثارت مداخلة الأخ عبيد البريكي نقاشا ثريا بين الأخوات والاخوة الحاضرين، وقد أشار أغلبهم إلى ضرورة التضامن مع معاناة الشعب العربي في فلسطين أوّلا. ثمّ أشارت بعض الأخوات إلى ضرورة فسح المجال للكفاءات النسائية لالقاء محاضرات بمناسبة هذا العيد الذي هو عيد المرأة. وأشارت أخوات أخريات إلى ضرورة الانتباه إلى معاناة المرأة العاملة في الريف وإلى معاناة المرأة المهاجرة كما نبّهن إلى ظاهرة عودة الاسترقاق (العبودية) من خلال عمل الخادمات الصغيرات بالاقامة فهناك بعض القرى بالشمال التونسي التي يقام فيها سوق أسبوعي لعرض الخادمات الصغيرات اللواتي يُصفّفن أمام طالبي الخدمة للتقليب وابداء الرأي.. وهذا أبشع ما يمكن أن يحدث في القرن الحادي والعشرين. كما تمّت الاشارة إلى ظاهرة عمل الأطفال في بيع الخبز والياسمين وظاهرة تصدير النساء للعمل وخداعهن لينتهين في محظور الرذيلة.. أخوات أخريات أشرن إلى ضرورة الشراكة في هذا الاطار (عمل المرأة) مع مكوّنات المجتمع المدني كما تمّت الدعوة إلى إقرار يوم 8 مارس يوما ثابتا لاطلاق خطط عمل سنوية للنهوض بواقع المرأة العاملة تقوم بها لجان تفكير وعمل جهوية ووطنية. اختتم الأخ المنصف اليعقوبي والأخت منجية الزبيدي هذه المائدة المستديرة التي حضرها جمهور غفير راجين للجميع سنة عمل موفقة، داعين الحضور إلى حفل موسيقي احياه الفنان الزين الصافي.