وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    الرابطة 2.. النتائج الكاملة لمباريات الجولة 20 والترتيب    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تُساوم
آدم فتحي
نشر في الشعب يوم 17 - 01 - 2009

خصنا الشاعر المبدع الصديق بهذه القصيدة.مرحبا مجددا بالعزيز فتحي عللى أعمدة هذه الجريدة وشكرا له ثقته فينا
يا ابْنَتاهُ انكسر الجرحُ على الجرحِ وهزّتني الرياحْ
ورَمَتْني بزمانِي
وأحاطتْ بِأَبِيكِ المُدُنُ الذئْبةُ والكَلْبةُ من خَلْفِ الجراحْ
وقد اغترّت بضعفي وهَوَانِي
ها أنا أَحْرُسُ إشْراقَةَ روحي من عُواءٍ ونُباحْ
يَقِظَ الجمْرةِ لم أبْرحْ مكانِي
أشربُ اليأس لكي أسقيٍ في القلْب عناقيدَ الصباحْ
مُفْرَدًا ألْعقُ نارِي بلساني
وأنا العاشقُ فيهم دون لَيْلَى وأنا الطائرُ فيهم لا جناحْ
عَمِيْت أعيُنُهمْ...كي لا أراني
جسدي يذوي وروحي تذْرف الحُلْمَ وحقّي يُستباحْ
ودمي يَشْخُبُ قانِ
*
يا دَمِي يا دَمَنا الممدوحَ والمسفوحَ والمنصورَ والمكسورَ
لا ترخُصْ
عَلَيْنَا، مثلما نحن رخُصْنا قَبْلَ كَمْ مَوْتٍ عليهم وعَلَيْنَا
لا تفضْ أكثرَ...ها أنت بنا تسحقُ هذي الأرضَ
من فوق ومن تحت وفينا وحَوَالَيْنا
فلا تَشْهَقْ بغزّةْ
لا تفضْ أكثر موتًا يُحرقُ الأرض وموتًا يُهْرِقُ العِرْضَ
وَعَدْناكَ وأَوْفَيْنَا
فلا تَغرَقْ بغزّةْ
لا تَفِضْ أبْعَدَ شرقِيًّا وغربِيًّا جنوبًا وشمالاً
شَبقَ الكونُ بمَوْتَيْنَا
فلا تَشْرَقْ بغزّةْ
قل لنور الشمس في غزّةَ: اِشْرَبْ ملْحَ هذا الدم يا نورُ
فقد تجْلُو بغَزّةْ
قل لموج البحر في غزّةَ: اِشْرَبْ ملْحَ هذا الدم يا موجُ
فقد تَعْلُو بغزّةْ
ودعِ الأرضَ تُقاومْ
إنّها وقفةُ عِزّةْ
لا تُساوِمْ
*
يا دمي يا دمنا العاريَ والجاريَ والأوّلَ والتاليَ
لا ترخُصْ
عليهم وعلينا فوق هذا الخزْيِ، لا ترْخُصْ
إلى آخر طفلٍ وفتاةٍ أَرْجَعا الروح إلينا
بعد أن سُلّمت الروحُ إلى قاتِلها مثْلَ السلاحْ
(عندما كان إمامُ اللحنْ يشدُو من سنينْ
«غزةْ في قلب العربْ»
لم أكن أعلمُ أَنَّا سوف نشدُو بعد حينْ
«قلب العربْ يا غزّة فين؟»
لم يزل ينبضُ أم جفّ كبعضِ الروح فينا
واستراحْ؟)
ْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
اُنظرْ إليهم يتهاوَوْنَ من الحُلْمِ، أما قلنا لهمْ
عاقبةُ الحلْمِ وخيمةْ؟
دَعْ غناء الروحِ للأولمبِ
لا تُحيِ الأساطير القديمةْ
كنْ حداثِيًّا كما نحن حداثيّون جدًّا
بل حداثيّونَ جِدْجِدًّا
نُغَنِّي للحياةْ
وافْرَغْ إلى نفسكَ، من حقّكَ أن تلعبَ
من حقّكَ أن تفْرَحْ
ودعْهُمْ يَرْكَبُونَ الغيْبَ
قد يرتبك العقلُ
إذا أصغى لِسٍيريناتهم
والقلبُ قد يَشْطَحْ
أنا لا شأنَ لي بالغَيْبِ، هم
أهلِي يُبادونَ
فهل أهْجُو لكيْ أُمْدحْ؟
وهذا
بشرٌ يُذْبَحْ
وأرضٌ توقفُ الأرضَ دفاعًا عن بهيمةْ
ويُبادونَ فتسمحْ
ليس عقلاً ما تبيعون ولكن
شمع أُودِيسْيُوسَ في ليْلِ الجريمةْ
وأنا لستُ بنائمْ
أنا ذا أشْهدُ سجني ليس إيثاكا
ولا السجّان بينيلوبُ
دُمْتُم
خَدَمَ المذْبَحْ
ودُمْنا
حالمًا يُشْرِقُ منْ مغْرِبِ حالمْ
لَكُم النصرُ علينا
في الولائمْ
نحنُ لا نُدعَى إلى أيّ وليمةْ
لكُمُ النصْرُ علينا
في الغنائمْ
نحنُ لا نُشْرَكُ في أيّ غنيمةْ
ولنا في كلّ هذا النصْرِ
طبلٌ واحدٌ:
أبشرْ بطول العمْرِ يا عُمْرَ الهزيمةْ
وانتبذْ يا أملي، في اليأسِ، ناظورًا قصيًّا
وتماسكْ في الهزائمْ
ْ
*
كلُّ من قاوم ماتْ
قال جلاّدِي ومن كلّ الجهاتْ
حاصرتني جثثُ الموتى لماذا الموتُ؟
هل تهرب من ذُلِّك؟ من ظِلّكَ؟ منّي؟ من أحدْ؟
لا تقاوم وستنجُو ليس من ذلك بُدّ
كن هوائيًّا ومائيًّا ومَحْنِيًّا ومَطْويًّا ومَرْحِيًّا ومَمْحِيًّا
ورَخْوًا وطَريًّا ورماديًّا
وعاديًّا ذلُولاً مثل عينِ الشاهدِ البارِدِ
مغسُولاً ومَطْليًّا ومعسُولاً كشِعرِ الشاعِرِ الباردِ
مخصيًّا ومغلولاً وعقليًّا ومعْقولاً كعقل الشارع الباردِ
غُفْلاً قابلاً مليون صورةْ
هكذا تنجُو
( - لماذا ترْكبُ البحْرَ إذا لم يَكُ مِنْ فُلْكٍ
سوى الروحٍ الجَسُورةْ؟
- هكذا أُعجِبُنِي في البحْرِ...عودْ
يُرمى إلى التيهِ...وإمكانٌ بأنْ...قد لا يَعُودْ
- هل أنت ...
- مجنونٌ؟ بَلَى...مجنونُ آلامي...بلَى
مجنونُ أحلامٍ
تَهاوى بيدِ الفرْدِ وأحلامٍ
تحاماهَا العشيرةْ)
سوف تنجو...إن يكن بالرغم عن أنفك...تنجو ذات يوم
دونما حربٍ...لماذا الحربُ؟
أَمْسِكْ ظلّكَ الساقطَ
وَامْشِ الحائِطَ الحائِطَ
لا تجزعْ...ستنجو هكذا من قبضة الموت وتنجُو الأغنياتْ
من غابة الصمت ولا يحدث مكروهٌ بإذْنِ الصبر
هل شاهدت صبرًا يُعلنُ الثورةَ يومًا أو يُقاومْ؟
قلتُ لا أعلمُ لكنيّ أرى في الصبْرَ جذْعًا للحياةْ
نسْغُهُ ما انفَكَّ في لحْمِي يُدَوِّي
ويُدَاوِمْ
صارخًا بي:
ْ
*
كُلُّ من قاومَ ماتْ
هكذا قالوا ومن كُلّ الجهاتْ
شرعوا في قَصْفِ رُوحِي
يا ابنتاهُ انكسر الجرحُ على الجرحِ وأُوثِقتُ إلى قاعِ السُفوحِ
وأنا أَرْفَعُ منهم درجاتْ
كُلّ سقْفٍ عندهم دون سُطوحي
وذُراهم في عُيوني عَتَباتْ
ها أنا أَرْتقُ رُوحِي بقُرُوحِي
فارسٌ أجْمحُ في أرضٍ مواتْ
وأرى معنى حياتي في جُمُوحي
منصتًا للفرحِ الكامِنِ
في فَحْمِ المآتمْ
وهوَ يَزْقُو
ْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
هكذا قالوا ومن كلّ الجهاتْ
شرعوا في قصفِ أحْلامي الصغيرةْ
طفلةٌ تكبرُ تحت الشمسِ قُدّامي وعشٌّ كالجزيرةْ
ما الذي أَمْلكُ غيرَ الكلماتْ؟
(أنا لا أَمْلكُ حتّى الكلماتْ)
أُفْرِغَ المُعْجَمُ من معناهُ كالأحلام في هُوّةِ أوهامٍ كثيرةْ
ونجتْ كلْمةُ «قاومْ»
حيثُما عَضّت على حَبْلِ صداها:
«لا تساومْ»
*
دعْكَ من شمسِك قالوا...هي أيّامٌ قصيرةْ
اِسترحْ في الظلِّ...ما أحلَى الحياةْ
تحت الدوالي في سلامِ الذُلّ...ما شأنك بالشمس الأسيرةْ؟
اِنْسَ ما كانَ وفاتْ
هل أنتَ هانيبالُ كي تَنْصُرَ قرْطاجَ الأخيرةْ
من «دلِنْدا» أو سُباتْ؟
هل أنتَ هُومِيرٌ لكيْ تشهدَ أو تُنْشدَ؟
هل شَيّدَ هوميرُ بطولاتٍ على غَيْرِ الخيانات الوثيرةْ؟
والصَغارات الكبيرةْ؟
هل رأيتَ الصدْقَ والإخلاصَ قادَا فُلْكً أُولِيسَ
إلى شطِّ الخلاصْ؟
مَنْ أنتَ؟ أَنْقَى من مياه النيلِ؟ أَنْقَى من ينابيع الفراتْ؟
اِرجَعْ بخُفّيْ قيْصرٍ الرومِ إذا أخْفَوْا حُنَيْنًا...لا مناصْ
من أن يعودَ الملِكُ الضِلِّيلُ مَسْلُوبَ الذَخيرةْ
خُذْ من المصلوبِ خدّيْهِ لوحدِكْ
ودَعِ الثأرَ لغيرِكْ
بِعْ ولا تَخْجَلْ فقد باعُوا مدَى الدُنْيَا وآبادَ القيامةْ
وشعوبًا...أُهْدِرتْ من خَلْفِ ظهْرِكْ
أيُّ معنًى لنضالٍ أو «مناضِلْ»
وسْطَ هذَا السوقِ؟ ساوِمْهُم على كِيسِ قُمامةْ
وأقِمْ داخِلَهُ دولَةَ مجْدِكْ
ثمّ ساومهم على طول السلاسلْ
وعلى لونِ السلاسلْ
وعلى طعْمِ السلاسلْ
في بلادٍ تنتهي جغْرافِياهَا عند لحْدِكْ
وليكنْ قلبُكَ لَوْحًا أو رُخامةْ
ختم الموتُ عليها بملايين الخواتمْ
بعْ كما باعوكَ...بِعْ...بِعْ
ثمّ بَعْبِعْ
كالحواريِّ الذي باعَ إِلَهًا بدراهمْ
*
حاصَرُوني يا ابنَتِي من كُلِّ صوْبٍ
بنيوبٍ وخُطُومٍ ومَناسِمْ
وأنا الأَعْزَلُ إلاَّ من شُروخِي
ثابتٌ في الريحِ، كالعَهْدِ، وقائمْ
قابضُ الكفِّ على جَمْرةِ رُوحِي
وهي في كَفِّي تغنّي
ْ
*
كلُّ من قاوَمَ ماتْ
فلْتَغْتَنِمْنِي، صاحَ جلاّدِي، ومن كُلّ الجهاتْ
أوْغَرَ قلْبِي بنواياهُ النبيلةْ
صاعدًا من عطَشِي للحُبّ والحُلْمِ، ستنجُو
من جميع العثراتْ
حتْمًا ستنجو، بعدَ أن تَهْلكَ طبْعًا، صاحَ جلاّدي، كما يحدُثُ
في كلّ الحكايات الجميلةْ
عندما أُلْقِي عصَا الترحالِ أو حين تفرُّ الأرنبُ البيضاءُ
من ذئب الخميلةْ
ريثما تَهْلَكُ طبْعًا، وأنا أخدعُ نفسِي منذ قرطاجَ ورُومَا
وهِرُوشِيمَا
وبغدادَ وبيروتَ ورام الله والقدس وجينينَ ونابُلْسَ وقانا
قبلَ غزّةْ
بعْدَ غزّةْ
ربّمَا لا يَهْتَدِي الموتُ إلى بابِي
وينسَى بعضَ أحبابِي
ويَمضِي طائِشَ السهْمِ وما بِاليَدِ حيلةْ
ربّما آخر هذا الموتَ غزّة؟
رُبّما آخرُ هذا الخزْيِ غزّةْ؟
ربّما آخرُ هذا العُهْر غزّةْ؟
ْ
*
بعدَ كمْ يا موتُ تخْلُو بخليلٍ أو خليلةْ
غافلاً عنّا قليلاً
بعد عشرين شهيدًا؟
بعدَ خمسين؟
ثمانين؟
مئاتْ؟
من بعد كم من بشرٍ؟ من بَعْدِ كمْ من حجرٍ؟
من بعد كم من زنْبقةْ؟
كم غزّةً يلزمُنا كي تستريح المشْنقةْ؟
كم من شهيدٍ في حساب الموتِ نحتاجُ
ليرضى مجلسُ الموتِ
وكم من محرقةْ؟
كم جُثّةً يلزمُنا كي
يستقيل الموتُ من هذي البطولةْ؟
ْ
*
سكن الموت جهاتي فاعتنقتً البحْرَ ترحالاً وحيلةْ
قلتُ قد أَغْرَقُ في خَمْسَ دقائقْ
أو لعلّي أجدُ البحرَ غريقًا فأُحادِيهِ إلى بعض الزوارقْ
وأواسيه بدمعةْ
كاتبًا قصّة روبنسون، على كَيْفِي أخيرًا، مع جُمْعةْ
فلَكَمْ فكّرتُ في تأليفها منفًى نهائيًّا وأرضًا مستحيلةْ
اِعتنقتُ البحْرَ موسيقَى وبيتًا وحديقةْ
قلتُ قد أغرق في خمْسِ دقائقْ
فأرى أحبابِيَ الغَرْقَى: «السلامَ» «القِيَمَ» «العدْلَ» «الحقيقةْ»
اعتنقتُ البحْرَ كي أغْرُبَ عن وجهِي
وعن وجه الخليقةْ
عن دم الأطفال، عن رائحة الأطفال
مشويّينَ، مشويّين، في عينِ الحرائقْ
اعتنقتُ البحْرَ كيْ أنسى ولو خمسَ دقائقَ
غيرَ أنّ الموتَ لم يصبر على بعدي دقيقةْ
أنا ذا أسأل روحي عبثًا كم يا ترى الساعةُ
في هذي السماوات الثقيلةْ؟
أعْرفُ: الموتُ وفاءٌ للحياةْ
لكنّني عدّلتُ أيّامي على ساعةِ خذْلانِ القبيلةْ
ساعةُ الأرْضِ تهاوى عقرباها
لم أعد أعرفها ساعة أرْضِي منذ أعوام طويلةْ
لم أعد أعرفُ هل ألبسُ ثوبي أم رُفاتي
وأنا أدفنُ حُلْمِي في مرايا حسراتي
وأواري لغتي في اللَكَناتْ
أينَكَ يا آخرَ هذي الرحلةِ المحْنةِ
يا آخر هذي النكباتْ
لا أرضَ كي نلعبَ لا زرقاءَ كي نهربَ لا بحْرَ
سوى كاتِمِ أُفْقٍ
أحْمر الزرقةِ غاشمْ
كلما خفناهُ في الليلِ سألْنَا مَوْجَهُ ثم سَألْنا دمَنا
من منكما فينا تلاطَمْ؟
أينَ صوتُ الشاطئ الضاحك كي يُومِئَ عن بُعْدٍ
ولو بالصمْتِ
«صبْرًا آلَ قَاوِمْ»
لا تُساوِمْ
*
عفتُ هذا الموتَ يا كمْ عفتُ هذا الموتَ
كم عفتُكَ يا موتَ الطفولةْ
لم أعد أعرف من شمشونُ فينا
كُلّما خانُوا
ومن منّا دليلةْ؟
فاسْتَرِحْ منّي قليلاً
استرحْ منّا قليلاً أيُّها الموتُ
ولا تَتْعَبَ بغزّةْ
قفْ قليلاً
نَمْ قليلاً
أو تناومْ
قبل أن تخربَ غزّةْ
عبثًا تَكْدِسُ مَوْتَايَ لتصْعَدْ
ليس مَوْتَايَ سلالمْ
عبثًا تُرْغِي وتُزْبِدْ
لن ترى منّا سوى روح تقاومْ
ودم يصرخ في شهقةِ عزّةْ
ْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
ما الذي تطلب؟ حلْمًا ضائعًا؟ حقًّا سليبًا؟
وطنًا لا يُشبهُ السجنَ؟
عيونًا حرّةً ترقصُ فيها الضحكاتْ؟
ولماذا تسبقُ الوقتَ
ألا تعلمُ أنّ الوقت موقوتٌ ولا يُسبقُ
إلاَّ غادرَ الوقتَ وفاتْ؟
ستعود الأرضُ من سرّاقها
ذات سلامٍ وَحْدَها دون نضالٍ أو شغَبْ
هكذا ترجع من تلقائها الرحبِ إلى عشّاقها
ما شأنُنا نحنُ بحربٍ أو نضالٍ؟
نحنُ لا نرضى لهذا الشعب أن يُرمى إلى النار
كما يُرمى الحَطبْ
سوف نَحْمِي الشعبَ مِنْ مِثْلِكَ أو من نفسهِ
فاصبر ولا تستعجل الفرحةَ
لا تَعْصرْ عناقيدَ الغَضَبْ
اِصْبرْ...ونشّفْ يومك الراهن من ماضيكَ
نشّفْ ما تبقّى في أغانيكَ
من الحُلْم وعِشْ كالحشراتْ
ليس للنملة ثأرٌ من حصاةْ
فاتّخذ من هذه النملة مقياسًا ولذْ بالجُحْرِ
لُذْ بالجُحْرِ
ما أجمل هذا الجحْرَ نبراسًا لتنشيف الأناشيد
وتجفيف الأغاني من مغنّيها
وتحقيق النجاةْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
صاحَ جلاّدي ومن كلّ الجهاتْ
حاصرتني كلماتي ما الذي تطلب؟
أن تحكم؟ أن تَشْهَدَ؟
أنْ تحلُمَ؟ أن تُنْشِد؟
أن ترقُص في قيدك حتى تتحرّرْ؟
أَوَ لا تعْلَمُ كم أنّي أفكِّرْ
عوضًا عنكَ؟ وكم فكّرتُ حتّى لا تُفكِّرْ؟
كم تذكّرتُ من الأشياء والأسماء كي لا تتذكّرْ؟
أوَ لا تعْلَمُ أنّي أتكلّمْ
عوضًا عنك؟ وأنّي أتعلّمْ
عوضًا عنك؟ وأنّي أتنفّسْ
عوضًا عنك؟ وأنّي أتجسّسْ
عوضًا عنك لأحْرُسْ
حَرَسِي منك؟ وأنّي لم أعش آكلُ أو أشربُ
أو أغضب أو أطربُ
أو أملك أو أُهلك هذي الأرض إلاّ عوضًا عنك؟
وأنّي خفتُ أن يسكُتَ قلبي عندما ينبُضَ قلبُكْ؟
أو لا تعْلَمُ أنّي جاهز للنوم حتّى مع ليلاك مجانًا
عوضًا عنك؟
وأنّي عشتُ هذا العمْرَ حُرًّا عوضًا عنك؟
ألا تعْلَمُ حتّى اليوم كم أنّي أحِبّكْ؟
لا تُقاومْ
*
كلّ من قاوم ماتْ
هكذا قالوا ومن كلّ الجهاتْ
شرعوا في قصف روحي بالهراءْ
احمِ رأسكْ
واحْمِ كأسكْ
والتزم بيتكْ
وقل إنّيَ نائمْ
ما الذي يعنيه أن يغتصبوا أرضك بحرًا وسماءْ
لكَ بيتٌ لذْ بِبيْتِكْ
وإذا داسوا على بيتك فاهربْ
لكَ في بيتك غُرفةْ
وإذا داسوا على الغرفة فاهربْ
لكَ في الغرفة شُرْفَةْ
وإذا جاؤوا إلى الشرفة فاهربْ
لكَ في الشرفة جحْرٌ هو جُحْرُكْ
وإذا داسوا على جحْرِك فاهربْ
لكَ في روحك قبْرٌ لذْ بقبْرِكْ
وإذا داسوا على قبرك فاهربْ
واحْمِ ظهْرَكْ
وإذا داسوا على ظهْرِك فاتركهُ لهم
واجْهَرْ بِعُهْركْ
لا حياءْ
في العُهْرِ أو في الجُبْنِ ولتَرْفعْ
شعارَ الجبُناءْ
ما الذي يعنيه أن يغتصبوا أرضك أشجارًا وأحجارًا
وأن ينتهكوا عرضك أطفالاً وشِيبًا ونساءْ؟
ما ذا ترى في الأكل بالثدْيَيْنِ؟ لا تجْزع
وكُل واشربْ هنيئًا بالشفاءْ
ما الظهرُ؟ ما معنى الشرفْ؟
اِخْفِضْ لهُمْ ظهرك واهجع
وانبطح لست وحيدًا لا تخفْ
لست وحيدًا دعك من عزّة نفسكْ
واحمِ رأسكْ
وارفع الساقين ذي شارة نصْركْ
لا تقاومْ
*
وأنا أسْألُ أن أفعل لكنّي على الأيّام ضيفْ
كلّما قلت لقلبي لا تقاومْ قال كيفْ؟
كُلُ ما حولي يقاومْ
دودةُ القزّ لحاءُ الزعتر الجافّ جناح الحدأةْ
حبّةُ الزيتون قشر الجذع وسْط المدفأةْ
وسمائي فوقَ سيفٌ وبلادي تحت سيفْ
وأنا أحمل رأسي بين حدّين ولا أعرف كيفْ
أكذِبُ الأحلامَ؟ لا أعرف كيفْ
أُخْرِسُ الآلامَ؟ لا أعرف كيفْ
لا أقاومْ؟
*
عندما كنّا نغنّي «لا تصالحْ»
كانت الأيّام حبلى بالأمانيِ
دمّرونا يا ابنتي واستسلموا
وعلى مرمى سلامٍ من دُخانِ
أنْكرونا كلّما احتجنا لهمْ
قبْل أن يشرعَ ديكٌ في الصياحْ
هذه أرواحنا هانت وهذا
دمنا يُدمي خدود الأقحوانِ
لم نكن هُنّا على الأغراب لولاَ
أنّ بعض الأهل سُرُّوا بالهوانِ
وأباحوا دمنا كي يُستباحْ
أيُّ أهلٍ يا ابنتاهُ اخترتُ إنجابك فيهم؟
لِمَ أنجبتُك في هذي البِطاحْ؟
كلّما ناوَلْتُهُمْ شمسَ الصباحِ انبطحوا
كي لا يروا شمس الصباحْ
يا ابنتي، واختلفوا في كلّ ما يعلُو بهم
واتّحدُوا في الانبطاحْ
فضعي صوْتَكِ في صوْتِ الدمِ الباقِي
وغَنِّي في البراحْ
ستُعرّي الأرضُ زنْديهَا لنَرْعَى
حنْطةَ الحُبِّ وخُبّيْزَ الأماني
وستَغْدُو خوْذةُ الجُنْديِّ عُشًّا
وعَصا الشرطيِّ قوسًا للكمانِ
وليكُنْ ذلك في غيرِ مكاني
وليكن ذلك في غير زماني
إنّما القادِمُ قادِمْ
أيّهذا الدمُ قاومْ
لا تساومْ
*
يا دمِي
يا دَمنَا اليانع والأيْنَع والذابل والأذْبل
والطالع من أعْلَى إلى أسْفَلَ لا تَرْقُصْ
لِطَبْلِ الموتِ إنَّا لم نَعش بعدُ ولا نحنُ هَزَزْنا
جذْعَ هذي الأرضِ كي يسّاقطَ الموتُ علينا
بينما العالَمُ نائمْ
ْ
*
يا دمي
يا دمنا الشاهق والمشهوق والعاشق والمعشوق
والفاتق والمَفْ...تُوقَدُ النارُ بنا في هذه العتْمة لا تحْرصْ
على الأخضر واليابس لم يبْقَ لدينا غير عُشْبِ الروح
لكن خفّف الوطْءَ
فلا أحسبُ هذا العشب إلاّ من جماجمْ
ْ
*
يا دمي
يا دمنا المرغوب والمتروك والمحبوب والمسفوك
والمصلوب والمَنْ...يُوكَلُ القتْلَى إلى قاتلهم
في هذه اللعبة لا تَشْخصْ
إلى الجمهور إن هرّجَ أو حشْرجَ فالجمهور في الملعب منّا وإلينا
يعشق الفرجةَ كي يخرج منصورَ الهزائمْ
ْ
*
لم نعد نمْلكُ شيئًا كي نُساومْ
غير هذا الدم
.................
يا آخر ما يُملك يا آخر ما يُترَكُ لا تَرْخُصْ
ذليلاً...مثلما نحن رخُصْنَا منذ كم موتٍ عليهم وعلينا
وعلى يُتْمِ الولائمْ
.................
وإذا لم يكُ من ذلك بدٌ أيّهذا الدمُ لا تَرْخُصْ
طويلاً...خوفَ أن تجْرح
إحساس البراعمْ
.................
وإذا لم يكُ من ذلك بدٌ أيّهذا الدمُ لا تَرْخُصْ
قليلاً...بل تفجّرْ مثل بركانٍ ودَمْدمْ
واتّخذْ بحْركَ حِبْرًا للملاحمْ
.................
وإذا لم يَكُ من ذلك بُدٌّ يا دمي
يا دمنا
يا دمُ
فِضْ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.